.إن مُستقبل انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على المحك
المصدر: مودرن ديموكراسي
بقلم: د. جيمس دورسي -زميل أقدم في راجارأتنام للدراسات الدولية
ترجمة: عبد الحميد فحام
لقد أدّى عقدان من الحرب الأبدية في أفغانستان والمشاركة العسكرية المُستمرة في العراق وأماكن أخرى في المنطقة إلى إثارة الجدل، حول ما يُشكّل المصلحة الأمريكية في الشرق الأوسط في المقام الأول، وبدرجة أقل روسيا، تلوحان في الأفق بشكل كبير في النقاش باعتبارهما أهم التحديات الاستراتيجية والجيوسياسية لأمريكا.
وقد أثارت الأسئلة حول المصالح الأمريكية أيضاً نقاشاً حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تحقيق أهدافها على أفضل وجه من خلال التركيز المُستمر على الخيارات الأمنية والعسكرية أو ما إذا كان التركيز بشكل أكبر على الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وأدوات المجتمع المدني، قد يكون نهجاً أكثر إنتاجية. لقد تم تدوير النقاش من كل الأطراف، وتنصلَ الرئيس جو بايدن من فكرة بناء الدولة في أفغانستان والتي شكلت تدخل الولايات المتحدة بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بشكل متزايد. ليس هناك شك في أن نهج بناء الدولة من أعلى إلى أسفل في أفغانستان لم يكن السبيل إلى المُضي قُدماً لتحقيق هذا الهدف. فلقد استند ذلك إلى القرار السياسي الذي تم اتخاذه من خلال التقارير المضللة والخادعة من قبل السلطات العسكرية والسياسية الأمريكية، والتي مكّنت من خلق بيئة فاسدة لكل من الأفغان والأمريكيين. قد يكون الدرس المُستفاد من أفغانستان هو أن بناء الدولة (استخدام المصطلح أصبح مشبوهاً بسبب عدم وجود كلمة أفضل) يجب أن تكون عملية يمتلكها المستفيدون أنفسهم بينما يدعمها لاعبون خارجيون من بعيد.
من المحتمل أن يؤدي تبني هذا الموقف إلى مساعدة إدارة بايدن على تضييق الفجوة بين خطاب حقوق الإنسان الخاص بها وتعريفها المُتشدد غير المتوافق مع مصالح الولايات المتحدة وسياستها الخارجية. تُظهر نظرة خاطفة على العناوين الرئيسية الأخيرة قصة فشل الحوكمة والسياسات، والديمقراطيات المجوّفة التي كانت هشّة في البداية، وإضفاء الشرعية على الوحشية، وتمزيق أنسجة المجتمع، ومجتمع دولي يتصارع مع كيفية التقاط القطع والحصص. باختصار، القصة هي نفسها سواء كانت كيفية تقديم المساعدات الإنسانية لأفغانستان دون الاعتراف بحركة طالبان أو تمكينها أو الجهود المبذولة لوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان والإنزلاق في فوضى متجددة وحرب أهلية دون إلقاء طوق النجاة لنخبة فاسدة و فاقدة للمصداقية.
قد تكون محاولات معالجة المشاكل العاجلة في لبنان وأفغانستان من خلال العمل من خلال المنظمات غير الحكومية مقاربة قابلة للتطبيق من القاعدة إلى القمة للأسلوب المُتَدرّج نحو الأسفل الذي يفتقر إلى المصداقية. إذا نجح ذلك، يمكن أن تتوفر طريقة لتقوية صوت الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة في لبنان والعراق التي تجاوزت الطائفية التي تكمن وراء هياكلها السياسية الفاشلة والمعيبة. كما يمنحهم أيضًا أحقية امتلاك الجهود لبناء مجتمعات أكثر انفتاحًا وتعددية وتماسكًا، وهو مطلب شكّل وتسبّب في الاحتجاجات.
أخيراً، يمكن أيضاً أن تسمح للديمقراطية باستعادة الأرض التي خسرتها من خلال الفشل في تحقيق تقدم ملموس. لقد سلّط القتال الطائفي هذا الأسبوع على طول الخط الأخضر الذي فصل الشرق المسيحي عن الغرب الإسلامي في بيروت أثناء الحرب الأهلية في لبنان الضوء على خطر غرق أصوات هذه الاحتجاجات. ومع ذلك، فقد تردد صداها بصوت عالٍ وواضح في نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، حتى لو امتنعت غالبية الناخبين المؤهلين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. فقد علّق الباحث العراقي في مكافحة الإرهاب والأمن في الشرق الأوسط طلحة عبد الرزاق الذي صوّت مرة واحدة فقط في حياته في العراق: "لم نحصل أبداً على الديمقراطية التي تم وعدنا بها، وبدلاً من ذلك تم تركنا مع وحش غير كفء تماماً وفاسد بشكل فاضح وشديد العنف لكنه يتنكر بزيّ الديمقراطية ويصيب جيلاً كاملاً بالخيبة". وقد قال الباحث أن تصويته الوحيد كان في أول انتخابات أجريت عام 2005 بعد الغزو الأمريكي عام 2003 ولم يصوت في انتخابات عراقية أخرى منذ ذلك الحين. خيبة أمل السيد عبد الرزاق هي جزء لا يتجزأ من القضايا الأكبر المتعلقة ببناء الدولة، وتعزيز الديمقراطية، وتوفير المساعدات الإنسانية التي ستشكل حتماً دور الولايات المتحدة المستقبلي في الشرق الأوسط في عالم من المرجح أن يكون ثنائي القطب أو مُتعدّد الأقطاب.
وقد قال مارتن إنديك، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية، في مقال حديث مقتبس من كتاب سيصدر قريباً عن دبلوماسية هنري كيسنجر في الشرق الأوسط، بأن سياسة الولايات المتحدة يجب أن تهدف إلى "تشكيل نظام إقليمي تدعمه الولاياتالمتحدة بحيث لا تكون الولايات المتحدة فيه اللاعب المهيمن، حتى مع أنها لا تزال الأكثر نفوذاً"
. ورأى السيد إنديك أن دعم إسرائيل وحلفاء أمريكا من العرب السُنّة سيكون في صميم تلك السياسة. بينما في عالم السياسة الواقعية، قد يكون لدى الولايات المتحدة بدائل قليلة، فإن السؤال هو كيف سَيُمَكّن التوافق مع الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات غير الليبرالية الولايات المتحدة من دعم عملية انتقال اجتماعي وسياسي تصاعدية تتجاوز التشدّق بالكلام. هذا السؤال مهم بشكل خاص بالنظر إلى أن الشرق الأوسط يدخل العقد الثاني من التحدي والمعارضة التي تتطلب إجابات على المظالم التي لم يتم التعبير عنها في زمن السيد كيسنجر، على الأقل ليس بتلك القوة المطلوبة.
وقال السيد إنديك أن السيد كيسنجر قام بالتركيز على موازين القوى الإقليمية وإضفاء الشرعية على نظام تهيمن عليه الولايات المتحدة. و أضاف: "لقد كان النظام وليس السلام هو ما سعى إليه كيسنجر لأنه كان يعتقد أن السلام ليس هدفًا يمكن تحقيقه ولا حتى هدفًا مرغوبًا في الشرق الأوسط"، في إشارة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأشار السيد إنديك إلى أن قواعد النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة في ذهن السيد كيسنجر "لن يتم احترامه إلا إذا وفرّ إحساسًا كافيًا بالعدالة لعدد كافٍ من الدول. ولا يتطلب الأمر إرضاء جميع المظالم وإنما مجرّد غياب المظالم التي من شأنها أن تحفّز جهدًا للإطاحة بالنظام". الانتفاضات الشعبية العربية عام 2011 التي أطاحت بقادة مصر وتونس وليبيا واليمن، حتى لو تراجعت إنجازاتهم لاحقًا، والاحتجاجات الجماهيرية لعامي 2019 و 2020 التي أجبرت قادة السودان والجزائر والعراق ولبنان على الاستقالة، لكنها فشلت في تغيير الهياكل السياسية والاقتصادية بشكل أساسي، هي دليل على أن هناك اليوم إرادة للإطاحة بالنظام القائم.
في مقالته، يُقر السيد إنديك بحقيقة أن "الناس في جميع أنحاء المنطقة يصرخون مطالبين بحكومات مسؤولة" ولكنه يفترض أن "الولايات المتحدة لا يمكنها أن تأمل في تلبية هذه المطالب" حتى لو "لم تتمكن من تجاهلها". قد يكون السيد إنديك على حق. ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة، وخاصة أن سياسة الشرق الأوسط تقع على مفترق طرق، أن تتجاهل حقيقة أن الفشل في معالجة المظالم الشعبية ساهم بشكل كبير في صعود التشدد العنيف والدول القمعية وغير الليبرالية في منطقة بها تضخم كبير في عدد الشباب الذي لم يعد على استعداد للبقاء سلبيًا و/ أو صامتًا. في إشارة إلى 600 محتج عراقي قتلتهم قوات الأمن والميليشيات الموالية لإيران، أشار السيد عبد الرزاق في مقال سابق لقناة الجزيرة إلى أن المُحتجين "يتبنون وسائل جديدة لإبقاء هوياتهم بعيدة عن أعين المتطفلين لقوات الأمن". والميليشيات الشيعية القوية "مثل تقنية سللاسل الامداد والشبكات الخاصة الافتراضية اللامركزية. وقد نقل السيد عبد الرزاق عن سرينيفاس باريد، كبير المسؤولين التقنيين لشبكة افتراضية لامركزية يُفضّلها المُحتجون العراقيون قوله: "طالما بقيت الأقمار الصناعية التي توفر الإنترنت، فلن يتمكنوا أبدًا من إسكات آمالنا في الديمقراطية والمساءلة مرة أخرى. هذا هو حلمنا"