المصدر: نيوزويك
بقلم: جيف لامار (زميل في مؤسسة أولويات الدفاع)
ترجمة: عبد الحميد فحام
لقد أكّد مسؤولون أن هجوماً بطائرة مُسيّرة وقذائف مورتر مُصاحبة استهدف القوات الأمريكية بالقرب من التنف بسورية يوم الأربعاء، ولحسن الحظ، لم تقع إصابات بين الأمريكيين، ولكن بالنظر إلى أن هذا الحادث كان من الممكن أن يؤدي بسهولة إلى مقتل القوات الأمريكية، يجب طرح سؤال أكبر: هل يستحق الأمر ذلك؟ مهمة الولايات المتحدة في سورية ذات قيمة مشكوك فيها، ففي الأصل، سعت الولايات المتحدة إلى استخدام مقاتلي الفصائل السوريين كقوة على الأرض لمحاربة كل من تنظيم الدولة الإسلامية والحكومة السورية في عهد بشار الأسد. وعندما فشلت هذه المساعي المُكلفة، توسع التدخل العسكري الأمريكي ليشمل تقديم المشورة والدعم الناري لقوات سورية الديمقراطية الكردية (SDF) عندما استعادت السيطرة على المدن التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين، على الرغم من فقدان داعش لآبار النفط وسيطرتها على الأراضي وقيادتها، استمر الوجود الأمريكي في سورية، لقد تغيرت المهمة، وأصبحت ظروف المغادرة غير واقعية بشكل متزايد. وعلى الرغم من خطابها حول الانسحاب في عام 2019، سحبت إدارة ترامب القوات فقط ليتم استبدالها بقوات أخرى بعد ذلك بوقت قصير، وكانت درجة الانسحاب الفعلي تافهة -من 1000 جندي إلى 900. وعلى الرغم من أن هذا الانسحاب (التمثيلي) قد يكون مفيداً سياسياً، إلا أنه لا يفعل شيئاً لإصلاح عدم الاتساق الإستراتيجي للمهمة الأمريكية في سورية أو لحماية القوات الأمريكية هناك.
تستضيف التنف ثكنة صغيرة -حوالي 200 جندي، حيث إن قوة من هذا الحجم لديها قدرة محدودة فقط على التأثير على الظروف في البلاد. فتنظيم الدولة الإسلامية مجزأ، وما تبقى من أنشطته في سورية تجري بشكل سرّي لذلك فإن قوة أمريكية تقليدية في وسط الصحراء السورية لا يمكنها أن تواجه ذلك الخطر. إن هذه البعثة العسكرية تُمثل فقط هدفاً سهلاً للخصوم. وتتركز القوات الأمريكية الأخرى في شمال شرق سورية، حيث تقدم المشورة والمساعدة لقوات سورية الديمقراطية، ولكن بالنظر إلى أن قوات سورية الديمقراطية لم تعد تستولي على المدن، فإن الدعم الذي يحتاجون إليه ضئيل للغاية ولا يتطلب تبادل المعلومات الاستخباراتية تواجداً للقوات على الأرض، ولا ضربات لاستهداف أماكن لـ "داعش".
الهدف الرسمي للبعثة السورية هو منع عودة "داعش"، لكن هذا الهدف غالباً ما يلعب دوراً ثانياً لاحتواء النفوذ الإيراني، وحتى مع بقاء القوات الأمريكية في سورية، فما زلنا نرى إيران تقوم بتعزيز موقعها في البلاد، وإسرائيل ترد بغارات، ولا تستطيع القوات الأمريكية قطع خطوط الإمداد الإيرانية عن وكلائها في سورية، فهم لديهم قيمة ردعية ضئيلة. كما أن إيران لم تنزعج فقد سبق لها أن استهدفت القوات الأمريكية في منطقة التنف بطائرات بدون طيار في عام 2017، كما قام وكلاؤها بضرب القوات الأمريكية في حقل نفط في شهر حزيران/ يونيو. فضلاً عن أن إيران ليست اللاعب الأجنبي الوحيد في سورية، والدعم الجوي والناري الروسي لحكومة النظام السوري كبير الحجم، فحتى إن تمكنت القوات الأمريكية من ردع النظام السوري المنهك، فإنها لم تمنع روسيا من توسيع قواتها ونفوذها في البلاد. فقيام القوات الروسية بتتبع المركبات الأمريكية يؤكد هذه النقطة. ونظراً لعدم وجود فوائد إستراتيجية لأمريكا للبقاء هناك، وتعرضها لمخاطر واضحة مترتبة على البقاء، عليها ألا تحاول مضاعفة محاولات الردع الهشة على أقل تقدير.
لقد حان الوقت أيضًا لمواجهة الواقع، فالأسد بقي، وهذه ليست معلومات جديدة. يجب على صانعي القرار في الولايات المتحدة التعامل مع الواقع كما هو، وليس كما يرغبون في أن يكون. ونظراً لأن تسليح وتدريب المقاتلين المناهضين للأسد كان النية الأصلية لإرسال القوات، فإن استحالة الإطاحة بالأسد بتكلفة مقبولة يجب أن تعني عودة القوات الأمريكية إلى الوطن. ومع ذلك، فإن إستراتيجية الولايات المتحدة لا تزال متخلّفة. لقد تغيرت مهمة الولايات المتحدة في سورية -في لازمة مألوفة للغاية بعد إخفاقات أفغانستان. وتحوّلت من مهمة محدودة (وإن كانت معيبة) لمناهضة لداعش إلى تورّط غير واضح وخطير على نحو متزايد بعد سنوات على حرمان "داعش" من الخلافة بشكل وجودي.
نعلم بأن الجنود الأمريكيين سيفعلون كل ما يُطلب منهم، لكن قادتهم المدنيين مدينون لهم بالتأكد بأن تكون تضحياتهم متناسبة مع المكاسب التي ستتحقق. الرهانات في سورية لا تستحق موت الأمريكيين فالمهمة -مهما تم توصيفها والحديث عنها- فهي لا تحمي الولايات المتحدة. يمكن أن يكون هجوم الأربعاء بطائرة بدون طيار بسهولة مقدمة لهجمات أكثر فتكاً. وبدلاً من تقديم اعتذارات عن مهمة فاشلة بدون هدف محدد، يجب على صانعي القرار الأمريكيين الانسحاب من سورية قبل أن يتحول الفشل إلى كارثة.