تعتبر العملة المحلية رمز الدولة وأحد العناصر التي تجمع أبناء الوطن الواحد، علاوة على أنها من ناحية اقتصادية مقياس ومخزن للقيمة ووسيط للتبادل.
وفي الحالة السورية شهدت البلاد تفككاً كبيراً بينما فقدت العملة المحلية معظم قيمتها، و أصبح تخزين القيم و الثروات عبرها خسارة مؤكدة.
كذلك واجه السكان لسنوات طويلة مشكلة القياس "التسعير" بالليرة السورية حيث يمكن أن تختلف الأسعار خلال اليوم الواحد مما جعل الليرة السورية عامل قلق وإرباك.
في سورية بعد 2011 توجه التجار وكثير من السكان للتداول بالعملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار لما له من مصداقية و قدرة على قياس الأسعار، وبدأ تيار يتشكل بالتحول نحو تداول الدولار في المعاملات الكبيرة خاصة مع انفتاح البلاد نسبياً على الخارج وضعف مركزية السلطة الذي بدأ يظهر مع خروج المناطق من سيطرة النظام السوري.
ولأسباب تتعلق بالصراع نفسه، وكذلك للأسباب الاقتصادية سابقة الذكر، طالبت عدة تجمعات وشخصيات بالتخلي عن الليرة السورية واعتماد الليرة التركية حتى جرى اعتمادها بالفعل منتصف 2020 على خلفية التذبذبات الواسعة التي تعرضت لها الليرة السورية.
إيجابيات اعتماد الليرة التركية
وبعد أكثر من سبعة أشهر على التداول بالليرة التركية في الشمال السوري والاعتماد الرسمي عليها يمكن إجمال الفوائد التي تحققت نتيجة هذا الإجراء على النحو التالي:
– عند مقارنة الأسعار في الشمال السوري مع مثيلاتها في مناطق سيطرة النظام نلاحظ أن الأسعار أكثر استقراراً في الشمال، فمثلاً سعر كيلو الأرز في مناطق النظام كان 1500 ليرة سورية منتصف عام 2020 وكيلو السكر 1300 ليرة سورية، وقد وصل الأرز في مطلع 2021 إلى 3200 ليرة سورية لكل كيلو والسكر إلى 2200 ليرة ، بينما في الشمال السوري بلغ سعر الكيلو من الأرز 5.5 ليرات تركية منتصف 2020 والسكر 4 ليرات و مع مطلع 2021 بلغ سعر الأرز 6 ليرات تركية والسكر 4.5 ليرة تركية.
فيما حافظت ربطة الخبز في الشمال على سعرها بالليرة التركية مقابل ارتفاع 100% لسعر الربطة في مناطق النظام، هذا يعني أن التذبذب في الأسعار وبالتحديد تلك السلع التي تتدفق عبر تركيا كانت أقل بشكل ملحوظ للسلع المتداولة في الشمال السوري.
– تحسين القوة الشرائية نسبياً في مناطق الشمال السوري، حيث من الملاحظ أن الأجور باتت في معظمها تتم بالليرة التركية وهي أعلى بشكل ملحوظ منها في مناطق النظام خاصة مع تهاوي سعر العملة الذي أصبح يفقد الرواتب قيمتها.
– سهلت الليرة التركية العمليات الحسابية المستخدمة في الأعمال التجارية وتقدير الموازنات الخاصة بالمؤسسات المنتشرة في الشمال السوري لجهة تقليل الأرقام التي يتم التعامل معها وأعطت راحة ملحوظة للتعامل بين التجار حيث لا يخشى التاجر البيع بالأمانة أو الدين أو تثبيت السعر نظراً لاستقرار سعر الليرة التركية أكثر بكثير من سعر الليرة السورية.
انتقادات ومشاكل
ولكن على جانب آخر، يلاحظ أن عدداً من الانتقادات والمشاكل واجهت مسيرة تطبيق الليرة التركية القصيرة في الشمال السوري وفيما يلي أبرزها:
– لا يزال الشمال السوري يتداول الليرة السورية نظراً لوجود شريحة واسعة من الموظفين والأشخاص الذين يتعاملون مع مناطق النظام، وكذلك يوجد في التداول عملات أخرى كالدولار الأمريكي و اليورو بشكل نادر، وهذا يجعل من قضية سعر الصرف والفوارق بين العملات المختلفة مصدر دخل يذهب للوسطاء على حساب حامل العملة أياً كانت، وتخلق قضية التصريف وتبديل العملات باباً للاستغلال والتلاعب بالأسعار في بعض الأوقات.
– تعرضت الليرة التركية لتقلبات ملحوظة في 2020 لأسباب مختلفة، ورغم أن فترة سبعة أشهر أو أكثر بقليل لا تعد كافية للحكم عليها بشكل نهائي إلا أن تذبذبها – وإن كان أقل من تذبذب سعر الليرة السورية بكثير – فتح الباب للتشكيك في صحة هذه الخطوة وبأن الأسعار لن تستقر.
– عدم وجود سلطة مركزية في الشمال السوري يفتح الباب أمام عمليات تزوير وتحايل وتلاعب بالأسعار والأعمال وكذلك يصعب من الحصول على كافة المزايا من عملية التطبيق، حيث يتم في هذه الحالة الخلط بين مشاكل وعقبات إدارة النقود وبين دخول العملة نفسها في التداول.
وهكذا فإن الحكم على وجود الليرة في التداول حتى اليوم قد لا يكون سليماً لقصر المدة التي دخلت فيه الليرة رسمياً إلى التداول، ولكن من الملاحظ أن الفوائد بدأت بالظهور، خاصة تلك التي تتعلق بتشجيع التجار ورجال الأعمال على الاستثمار في الشمال السوري.
ومن الواضح أن مزيداً من التحسن في الظروف الأمنية وخلق بيئة آمنية مستقرة بجانب استقرار وإدارة جيدة للعملة المتداولة سيسهم بشكل ملحوظ في انتعاش المنطقة بأسرها.