في مواجهة هبوط النسب في استطلاعات الرأي وجولات جديدة من العقوبات الأمريكية، يلجأ الكرملين إلى زيادة آلة الدعاية الإعلامية الخاصة به.
مع تراجع شعبية فلاديمير بوتين بالفعل، أثارت أنباء الجولة الأخيرة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا قلق الكرملين، مما دفع فريق الخبراء والمستشارين وحاملي الأيديولوجية المناهضة للولايات المتحدة إلى طرح العديد من الردود المحتملة.
وعدت السناتور أولغا كوفيتيدي بأن روسيا "ستوجه لأمريكا الضربة القاضية" وقد اقترح أحد الخبراء نشر قوائم بوسائل الإعلام الروسية "التي تنشر أخبارًا كاذبة".
كما اقترح بعض الخبراء العسكريين تشكيل "كتائب إعلامية" في الفضاء الإلكتروني، على غرار الجنود الروس المقنّعين الذين انتشروا خلال أزمة أوكرانيا عام 2014، إلا أنه في النهاية، اتبعت الحكومة استراتيجية مألوفة: سيحاولون تغيير التصور عن روسيا من خلال ضخ المزيد من الأموال في الدعاية الإعلامية "البروباغندا"..
بعد إعلان العقوبات -هذه المرة رداً على تسميم السياسي المعارض أليكسي نافالني- يقال إن الحكومة الروسية تهدف إلى توسيع نطاق الجمهور العالمي لقناة التلفزيون الروسي (RT) -الممولة من الكرملين- من 800 إلى 900 مليون مشاهد.
إنهم يريدون زيادة نسبة المشاهدة على المنصات عبر الإنترنت من خلال الترويج لمحتوى الإنترنت لأسطول كامل من وسائل الإعلام الروسية والأجنبية، بما في ذلك راديو روسيا ووكالة "ريا نوفوساتي" و"سبوتينك" ومن أجل تحقيق ذلك، عزز الكرملين ميزانية وسائل الإعلام الحكومية إلى 211 مليار روبل (حوالي 2.8 مليار دولار) بزيادة قدرها 34 مليار روبل (460 مليون دولار) عن السنوات السابقة.
قال السياسي المعارض في موسكو، إيليا ياشين، لصحيفة ديلي بيست: "لا شك أن جنود الإعلام في "RT" سيستخدمون هذه الميزانية الكبيرة بشكل فعال للتأثير على المتشككين في أوروبا ومناهضي العولمة ومنتقدي واشنطن".
"يعتقد بوتين أنه إذا كان الغرب لديه إذاعة ليبرتي أو بي بي سي الذي ترعاه الدولة، فيجب على الكرملين أن يصبح جادًا فيما يود تسميته بالرد بالمثل، هذه مرحلة جديدة من الحرب الباردة المستمرة.
وأضاف: "لا يجب التقليل من شأن النفوذ التلفزيون الروسي المتنامي".
يقول البعض إن المعركة الإعلامية تسير في كلا الاتجاهين، ماريا بارونوفا، ناشطة معارضة كانت تغطي قضايا اجتماعية روسية لـRT، مُنعت من منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية العام الماضي، قالت: "الحرب الباردة تشتعل من كلا الجانبين".
وأضافت بارونوفا: لقد تم حظري من على موقع التواصل "تويتر" بسبب عملي في RT في نيسان/ أبريل 2020 "إن هذا هراء حقاً".
لقد حوّل الاستثمار في الدعاية داخل روسيا البلد إلى أمة من المتشككين ففي الأيام الأولى للصراع في أوكرانيا، قال 48 في المئة من الروس لمركز الرأي العام إنهم يعتقدون أن الدعاية الإعلامية تضر بمجتمعهم.
ووفقًا لدراسة اجتماعية أجراها مركز أبحاث الرأي العام الروسي، قال 88 بالمائة من الشباب الروسي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا إنهم موجودون ومتابعون لموقع يوتيوب.
حتى أشهر المروّجين في الكرملين، فلاديمير سولوفيف، اعترف في مقابلة حديثة مع كومسومولسكايا برافدا أن "جمهور التلفزيون يتقدم في السن بشكل رهيب".
يتوق الشباب الروسي إلى معرفة الحقيقة، وفي السنوات الأخيرة، بدأ مستخدموا يوتيوب الروس المؤثرون في اتباع نهج أكثر انفتاحًا مع محتواهم.
يوري دود، أكبر محاور على الإنترنت في روسيا، لديه 8.7 مليون مشترك وأكثر من 500 مليون مشاهدة على قناته، شاهد عشرات الملايين الأفلام الوثائقية لدود عن وباء الإيدز والفقر والإهمال في كامتشاتكا، شبه الجزيرة الروسية المنسية و شاهد أكثر من 29 مليون شخص مقابلة دود مع أليكسي نافالني بعد فترة وجيزة من تعافي السياسي من محاولة تسميمه.
على الرغم من ضغوط الدولة على المدونين المعارضين، يقوم نجوم يوتيوب الناشئون الآن بتغطية بعض القضايا السياسية الأكثر حدة في روسيا.
تركز إيرينا شيخمان، وهي مدونة شهيرة أخرى، على إنشاء مقاطع فيديو موجهة إلى المشاهير تسأل فيها شخصيات عامة أسئلة غير مريحة حول حياتهم الشخصية.
لكن بعض مقاطعها الأكثر شعبية سياسية بطبيعتها: فقد شاهد أكثر من مليوني شخص مقابلة شيخمان مع حليف نافالني ليوبوف سوبول.
القناة التلفزيونية المستقلة الوحيدة على الإنترنت في روسيا هي ت.ف. راين (TV Rain)، لديها 2.3 مليون مشترك على موقع اليوتيوب، تقول مؤسسة ومالكة القناة ناتاليا سيندييفا، إنها ليست قلقة بشأن ترويج الكرملين المعزز لقناة RT.
وقالت سيندييفا: "لقد كنا نتنافس مع القنوات التلفزيونية الحكومية بدون أي ميزانية حكومية، وبدون أي موارد إدارية، لمدة 11 عامًا، وتمكنا من ذلك، مما يعني أن المال ليس هو الشيء الرئيسي".
"إذا قاموا بتعزيز وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الخوارزميات ستتعرف على حركة الزيارات الاصطناعية، لا نرى أي تهديد، لأننا من ذوي الخبرة في الاستجابة للتحديات، وجمهورنا يثق بنا وبالمدونين المستقلين، مهمتنا الرئيسية هي عدم الكذب، فلا يمكن شراء الثقة مقابل المال".
وقال رئيس تحرير قناة "TV Rain" تيخون دزيادكو، لموقع دايلي بيست: "من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تقارير RT ستزاحم وسائل الإعلام المستقلة في روسيا، فذلك يعتمد على جودة المحتوى الخاص بهم".
رأى بعض المدونين المستقلين زيادة الحكومة في الإنفاق على محتوى الإنترنت كعلامة إيجابية فقد قالت المدونة كارين شاينيان، مقدمة برنامج عبر اليوتيوب "تحدث مباشرة مع مثليي الجنس"، لصحيفة دايلي بيست: "يبدو أن الكرملين أدرك أنه لا يمكنه حظر موقع اليوتيوب، لذا قرروا خنقه بالبروباغندا، "السلطات تنفق أموالًا طائلة بشكل صادم على RT، أكثر من أي قناة تلفزيونية أخرى."
ويقول بافيل كانيجين، الذي يدير قناة على يوتيوب لـ "نوفويا غازيتي"، وهي صحيفة مستقلة في روسيا، إن الحكومة بدأت تنظر إلى منصات التواصل الاجتماعي على أنها تهديد حقيقي.
وقال: "يمكننا أن نرى أن الكرملين أصبح جادًا بشأن اليوتيوب"، خاصة بعد أن شاهد أكثر من 100 مليون شخص تقريرًا استقصائيًا عن بوتين أصدرته منظمة نافالني على الموقع في كانون الثاني/يناير الماضي.
قال كانيجين: "هناك شيء واحد هو الحصول على إعجابات وإشتراك الناس والتعليق على المنشور هذه قصة مختلفة تمامًا لا يمكن إنشاؤها بشكل مصطنع".
المصدر: ديلي بيست / ترجمة: نداء بوست