بينما يحتفل السوريون هذا الأسبوع بالذكرى السنوية العاشرة لثورة 2011، تبقى هناك حقيقة راسخة مفادها أن "الأزمة" المدمّرة في البلاد لم تنته بعد، فبعد عقد من "الصراع" بدأه ووجّهه نظام لا يرحم ودعمه عسكرياً وحماه دبلوماسياً حلفائه الروس والإيرانيين، فإن سوريا مدمّرة.
فقد مات ما لا يقل عن نصف مليون شخص، ولا يزال أكثر من 100000 في عداد المفقودين، ونزح 12.5 مليون -أي أكثر من نصف السكان – داخليًا وخارجيًا.
مع اقتصاد أُصيب بالشلل بسبب سنوات من الحرب الشاملة ويديره نظام فاسد للغاية وحكومة ليست كفؤً، يعيش أكثر من 90٪ من السوريين الآن تحت خط الفقر ويبلغ متوسط راتب الدولة 10 دولارات فقط.
أكثر من نصف البنية التحتية الأساسية في سوريا مدمرة أو غير صالحة للاستخدام، ولا تزال إعادة الإعمار مجرد فكرة خيالية بعيدة المنال.
عبر شمالي سوريا غير الخاضع لسيطرة النظام، أدت القيود التي تفرضها روسيا على وصول المساعدات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير حيث يعاني طفل من بين كل ثلاثة أطفال الآن من سوء التغذية وتظهر عليه علامات التقزم.
على الرغم من تراجع حدة الأعمال العدائية على مستوى البلاد، إلا أن سوريا لا تزال تعاني من مناطق نزاع متعددة تضم كل منها قوى مختلفة مدفوعة بدينامياتها المحلية المختلفة.
المناطق التي استعادها النظام السوري بالقوة في 2018، مثل جنوب البلاد، هي الآن الأكثر فقرًا وعنفًا، كما شهدت أكثر من 400 هجوم تم تسجيلها في محافظة درعا في عام 2020.
على الرغم من هزيمة تنظيم الدولة وانهاء سيطرته على الأرض في آذار/ مارس 2019، إلا أن التنظيم يقوم الآن بعودة ممنهجة عبر الصحراء الوسطى الشاسعة في سوريا، حيث أثبتت قوات النظام أنها غير قادرة على تحقيق أهداف ثابتة.
ازدادت هجمات التنظيم هناك باستمرار من حيث الحجم والنطاق والفعالية منذ أوائل عام 2020، على الرغم من أن وقف إطلاق النار لا يزال ساريًا إلى حد كبير في الشمال الغربي والشمال الشرقي، إلا أن كلا المنطقتين عبارة عن برميلين من البارود، حيث يمكن أن تؤدي شرارة واحدة إلى إحداث عنف مدمّر.
وفوق كل هذا، تواصل الطائرات الإسرائيلية مواجهة الحملة الإيرانية المستمرة لتحويل مكاسبها العسكرية في سوريا إلى تهديد استراتيجي لإسرائيل.
عقدٌ من الفشل من قبل المجتمع الدولي
تقدم الفقرتان السابقتان لمحة فقط عن الحجم الحقيقي للدمار والفوضى والعنف والمعاناة الإنسانية التي أنتجها عقد من "الصراع" في سوريا.
كما أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن في 15 آذار/ مارس، بأنه مما لا شك فيه أن المجتمع الدولي قد خذل سوريا بشكل كبير، حيث تخلّى المجتمع الدولي عن البلد وشعبها وتركهم يصلوا إلى مستوى من العنف والمعاناة لم يسبق له مثيل منذ عقود، في السنوات الأولى، يمكن تسمية استجابتنا جزئيًا باللامبالاة والتردد والتناقض.
عندما استغلّ تنظيم الدولة الخراب الناتج لينتشر بشكل كبير على الساحة، أصبحت استجابتنا أكثر تصميماً وتركيزاً ولكن لم يكن هذا العمل الحازم يركّز فقط على معالجة أعراض "الأزمة" السورية، بل حفّز في الواقع محركات جديدة لـ"الصراع".
بينما ركّزنا بتصميم على محاربة تنظيم الدولة (الذي كانت قوته المروعة مسؤولة عن 2% فقط من الضحايا المدنيين في سوريا)، انسحبنا بشكل منهجي من معالجة السبب الجذري للأزمة السورية والذي هو: نظام الأسد، الذي كان مسؤولاً مع حلفائه عن 91% من الضحايا المدنيين منذ عام 2011.
إن الطرح الدبلوماسي الوحيد الذي تكرر في أغلب الأحيان بشأن سوريا، هو أنه "لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية"، حسنًا، سيختلف كل من بشار الأسد وفلاديمير بوتين وقاسم سليماني (إذا كان لا يزال على قيد الحياة) مع ذلك الطرح، لقد علّمت عشر سنوات من "الصراع" في سوريا دكتاتوريات العالم وخلفاؤهم المستقبليين درسًا بسيطًا: إذا قمت باحداث بلبلة وتشويش، واستخدمت كل الوسائل المتاحة لك لسحق المعارضة الداخلية، فمن شبه المؤكد أن العالم لن يقف في طريقك.
نظرة خاطفة على ميانمار اليوم، على سبيل المثال، تُظهر ذلك الواقع بوضوح، إن كون النظام السوري قد ارتكب أكثر من 340 هجومًا بالأسلحة الكيماوية ولم يواجه أي عواقب ذات مغزى، فمن شبه المؤكد أن يكون له آثار مضاعفة لسنوات عديدة قادمة، إن قدرة الطائرات المقاتلة الروسية على استخدام إحداثيات "عدم التضارب" التي يوفرها العاملون في الرعاية الصحية للأمم المتحدة لتسوية المستشفيات بالأرض أمام أعيننا أمر مخجل.
"مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي والدولي"، يجب أن تتوقف سياسة التناقض السائدة اليوم فـ"الأزمة" السورية ليست نزاعاً محلياً قائماً بذاته ولا علاقة له بالعالم ويقع في مكاناً بعيد عن العالم.
في الواقع، غيرت "الأزمة" السورية العالم بطرق سلبية للغاية لم يحدث منذ عقود.
إنه لمن الغطرسة القول بأنه يمكن وضع سوريا في مرتبة متأخرة بين الأولويات أو التخلي عنها تمامًا باعتبارها "فوضى" يجب "التعامل معها" من قبل الآخرين.
البعض وصف سوريا اليوم بأنها شبيهة بكوريا الشمالية والبعض وصفها بالصومال، في الحقيقة، يمكن القول إنه مزيج من الاثنين، وفي قلب شرق أوسط قابل للاحتراق بطريقة أخرى، هذه وصفة لكارثة أخرى.
على الرغم من أنه سلم بنفسه خلال عقد من الصراع، لا يمكن وصف الأسد بأنه المنتصر، في سعيه الدؤوب لتحقيق النصر، فعل الأسد ما كان ينوي فعله: لقد أحرق البلاد، وعامل خصومه على أنهم "جراثيم".
من خلال القيام بذلك، يبدو أنه قد هدم بشكل دائم كل مؤسسة كان سيقف عليها من أجل الحكم، كسبب أساسي لانتفاضة 2011، فإن احتفاظه بمكانه في قصر الرئاسة بدمشق تضمن شلل سوريا المستعصي.
وهذا كلام المجتمعات التي طالما وقفت إلى جانب حكمه على مر السنين، بعد أن أفاقت على هذا الواقع وتتحدث بذلك بصوت عالٍ أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أعضاء طائفته العلوية.
هذه ليست وصفة الاستقرار، وبغض النظر عن عدد العقوبات التي تم رفعها، فإن واقع اليوم لن يتغير.
لقد حان الوقت لكي تصعّد الولايات المتحدة وتعالج "الأزمة" السورية بنفس مستوى التركيز والتصميم الذي كرسته لمواجهة تنظيم الدولة، الاستمرار في معالجة هذا الأخير مع تجاهل الأول هو ببساطة غير منطقي.
لا تحتفظ الولايات المتحدة بالحل بأيديها، كما أنها ليست مفتاحاً للحل، لكن يجب أن تلعب دورًا في إعادة تنشيط الدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق ما فشل فيه العقد الماضي.
أدت أربع سنوات في ظل الرئيس دونالد ترامب إلى تدهور النفوذ الأمريكي، لكن حلفاءنا في أوروبا وشركائنا في الأمم المتحدة ينتظرون بفارغ الصبر أن تستيقظ الولايات المتحدة.
كما أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة بيدرسن، هناك حاجة إلى صيغة جديدة متعددة الأطراف، ويجب أن تكون أمريكا على طاولة المفاوضات، وهو "مقتنع تمامًا" أنه بدون أعلى مستوى من الاستثمار الدبلوماسي، فإن الفشل هو ضمان مرة أخرى.
بقلم: تشارليز ليستر
المصدر: معهد الشرق الأوسط / ترجمة: نداء بوست