نداء بوست – محمد الشيخ
لم يمض وقت طويل على انتهاء الجولة الخامسة عشرة من محادثات “أستانا” حول سوريا حتى جددت الطائرات الحربية الروسية غاراتها الجوية على محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بالتزامن مع تعرض المنطقة لقصف مدفعي وصاروخي مكثف أوقع ضحايا وإصابات من المدنيين.
ويوم الثلاثاء الماضي نفذ الطيران الحربي الروسي غارات استهدفت بلدة “البارة” في “جبل الزاوية” جنوب إدلب، سبقها بساعات تعرض المنطقة لقصف مكثف بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصورايخ أدى إلى سقوط ضحية من المدنيين وإصابة آخرين بجروح في قرية “بزابور” قرب “جبل الأربعين”، كما شنت المقاتلات الروسية اليوم الجمعة غارات جوية على تلة “الكبينة” شمال اللاذقية.
ويوم الخميس الخامس والعشرين من شباط/ فبراير تبادلت المدفعية التركية المتمركزة في “البارة” القصف مع مدفعية النظام السوري في محيط مدينة “معرة النعمان”.
وبدأ هذا التصعيد بعد مرور أقل من أسبوع على انتهاء الجولة 15 من محادثات “أستانا” التي تم عقدها في مدينة “سوتشي” الروسية، والذي أكد بيانها الختامي على ضرورة الحفاظ على التهدئة على الأرض بموجب الاتفاقيات المتعلقة بإدلب، وأعرب عن تطلع “الدول الضامنة” لإنهاء انتهاكات وقف إطلاق النار والهجمات التي تستهدف المدنيين.
وأكد رئيس وفد المعارضة إلى المحادثات “أحمد طعمة” في تصريح خاص لـ “نداء بوست” أن الجلسة الثانية من اجتماعات “سوتشي” بحثت ملف إدلب، وتم خلالها الاتفاق على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بموجب اتفاق موسكو الذي تم التوصل إليه في 5 آذار/ مارس من عام 2020، بين الرئيسين الروسي والتركي.
أسباب عودة التصعيد
رأى الباحث في مركز الحوار السوري الدكتور “أحمد قربي” أن اتفاق الخامس من آذار/ مارس 2020 الذي جاء بعد تصاعد العمليات العسكرية في محافظة إدلب وإطلاق الجيش التركي عملية “درع الربيع” ضد النظام، هو عبارة عن تفاهم أولي هش يمكن أن ينهار في أي لحظة، وجاء لمنع انزلاق الأمور إلى مواجهة مباشرة لا ترغب كل من موسكو وأنقرة في الوصول إليها.
وأضاف “القربي” في حديث لـ “نداء بوست”: إن التصعيد الأخير في إدلب هو عبارة عن تأكيد روسي متكرر بأنه لا يوجد هدوء في هذه المنطقة الخاضعة لاتفاق هش ويمكن أن تعود المعارك إليها في أي لحظة”، مشيراً إلى أن روسيا تلجأ للقصف عند أي محاولة للضغط على النظام قانونياً أو اقتصادياً أو عند أي استحقاق.
ويتوافق النقيب “عبد السلام عبد الرزاق” مع ما ذكره “القربي” بخصوص أسباب القصف، ويضيف على ذلك أن روسيا تريد من هذه الغارات “الانتقائية” التي تنفذها بين الحين والآخر التأكيد على أن إدلب تحوي “إرهابيين” وأنها تلاحقهم ودخلت في حرب معهم، وأنه من حقها أن تقصف وتنفذ عمليات عسكرية في هذا الجزء من سوريا.
بدوره، اعتبر الباحث “محمد سالم” أن روسيا والنظام لديهما حداً أدنى من التصعيد يحافظان عليه في إدلب بهدف التذكير دائماً بوجود “العصا الغليظة” وعدم إشعار سكان المنطقة والمعارضة بأي أمان واستقرار، مضيفاً أن زيادة حدة هذه العمليات مرتبط بحجم الملفات التي تضغط موسكو من أجلها.
وأضاف “سالم” في حديث لـ “نداء بوست” أن عمليات التصعيد تلك هدفها الضغط على تركيا والمعارضة السورية لتقديم تنازلات في ملف “الحل السياسي” أو غيره من الملفات، مشيراً إلى أنها قد تكون بهدف دفع بعض السكان للتوجه نحو مناطق النظام عبر المعابر التي أعلنت موسكو عن فتحها في إدلب وحلب مؤخراً.
هل تتعرض إدلب لهجوم جديد؟
استبعد النقيب “عبد الرازق” أن تقوم روسيا في الوقت الحالي بشن عملية عسكرية جديدة في محافظة إدلب، موضحاً أن ذلك يعود لسببين أولهما يرتبط برغبتها في الحفاظ على العلاقات الودية مع تركيا، والثاني يتمحور حول وجود رغبة روسية لتمرير موضوع الانتخابات التي سيجريها النظام السوري الصيف المقبل بـ”هدوء”.
وأشار “عبد الرزاق” في حديث لـ “نداء بوست” إلى إعلان روسيا الأخير بخصوص فتح معابر في “سراقب” و”ميزناز” و”الباب” بهدف عودة المدنيين إلى مناطق النظام، معتبراً أن “هذا الإعلان لا يعدو كونه مناورة سياسية إعلامية وغير حقيقية كما أن النظام لا يرغب بعودة أي شخص من إدلب إلى مناطق سيطرته وفقاً لنظرية المجتمع المتجانس”.
بدوره، قال “سالم” إنه لا يتوقع حدوث تطورات كبيرة في إدلب كتعرض المنطقة لعملية اقتحام برية واسعة كتلك التي حصلت العام الماضي، مضيفاً: “إلا أن ذلك لا يمنع استمرار عمليات القصف ومحاولات التسلل، والهجمات الخاطفة”.
ويرى “القربي” أنه من المستبعد أن تحدث عملية عسكرية جديدة في إدلب على المدى المنظور، لعدم وجود دلالات على ذلك كالحشودات على الأرض، مستدركاً بالقول: “من الممكن أن يحدث ذلك في المستقبل خاصةً وأن عدد من التقارير تحدثت عن رغبة روسيا بتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة من خلال الانخراط المباشر في العمليات البرية بعد اقتصار دورها على التغطية الجوية”.
واعتقد “القربي” أنه من الممكن أن تتطور الأوضاع في إدلب إلى عمليات عسكرية بسبب هشاشة الهدنة، مضيفاً أن “ذلك مرتبط أيضاً بحضور الفاعلين الدوليين (روسيا وتركيا) ومدى الاستعداد للانخراط أو المضي في هكذا تصعيد خاصة مع الوجود العسكري التركي القوي في ريف إدلب”.
روسيا تصعد اللهجة ضد تركيا
صعدت وزارة الدفاع الروسية من لهجتها ضد تركيا مطالبة إياها بـ “الوفاء بالتزاماتها في إدلب والتحلي بالنزاهة” وضمان سلامة الراغبين بالخروج إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر المعابر التي أعلنت موسكو عنها مؤخراً.
جاء ذلك في بيان لنائب رئيس “مركز المصالحة الروسي في سوريا” اللواء “فياتشيسلاف سيتنيك” زعم خلاله أن تشكيلات “متشددة” تعرقل عمل المعابر و”تمنع المدنيين من الخروج تحت تهديد السلاح والاعتقال”، معتبراً أن “القوات التركية غير قادرة على ضمان سلامة الراغبين بالخروج”.
ورأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات “عبد الوهاب عاصي” أن إعلان روسيا الخاص بفتح معابر في إدلب عادة ما يتزامن مع ضغط يسبق حملة عسكرية في المنطقة، مشيراً إلى أنه “في 14 كانون الثاني/ يناير من 2020 أعلنت الدفاع الروسية عن إقامة 3 نقاط عبور للراغبين بمغادرة إدلب، بالتزامن مع ضغط عسكري استمر لأكثر من شهرين، تلا ذلك بيومين إطلاق النظام بدعم من روسيا وإيران حملة عسكرية على إدلب”.
ورجح “عاصي” في حديث لموقع “نداء بوست” الهدف من الإعلان عن فتح المعابر ومطالبة تركيا بـ “الوفاء بالتزاماتها” هو “الإيحاء بوجود حملة عسكرية مرتقبة من أجل ممارسة مزيد من الضغوط على أنقرة، كون الطرفين لم يستطيعا بعد التوصل لاتفاق أو صيغة مرضية حول القضايا الخلافية شمال غرب سوريا، وهي: الانتشار العسكري التركي، ومكافحة الإرهاب، وحركة التجارة والنقل، وحدود المنطقة الآمنة، وملف عودة النازحين”.
واستدرك بالقول: “في الواقع، تبدو الخارطة الميدانية في إدلب أكثر تعقيداً بعد توقيع مذكرة موسكو 2020، حيث عززت تركيا من تواجدها العسكري في المنطقة في إطار استراتيجية لردع النظام، مما يعني صعوبة الجزم بربط إعلان روسيا افتتاح معابر إنسانية بوجود حملة عسكرية جديدة رغم تزامن ذلك مع ضغوط عسكرية تتعرض لها المنطقة منذ فترة طويلة.”
وأشار “عاصي” إلى أن الجولة الـخامسة عشر من مباحثات “أستانا” لم تثمر أكثر من الحفاظ على العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية، معتبراً أنه بالرغم من إشارة بيانها الختامي إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب، إلا أن ذلك لا يعبر فعلاً عن الرغبة بالالتزام بمضمون مذكرات التفاهم، لا سيما وأن حل ومناقشة الملف العسكري باتت تخص تركيا وروسيا بشكل مباشر على نحو شبه مستقل عن مباحثات أستانا.
وبخصوص المزاعم التي أطلقتها روسيا مؤخراً بوجود تحضيرات لاستخدام أسلحة كيميائية في إدلب، أوضح “عاصي” أنها تأتي في إطار الضغوط المستمرة على المعارضة السورية وتركيا، “عدا عن جهود روسيا الدائمة لطمس الأدلة الخاصة بانتهاكات النظام السوري عبر التضليل الإعلامي، خصوصاً وأن لجنة التحقق الدولية المستقلة بشأن سوريا أشارت لمسؤولية النظام عن بعض الضربات”.
جدير بالذكر أن النظام السوري شن في نيسان/ أبريل من عام 2019 هجوم واسع على محافظة إدلب بدعم روسي وإيراني، تمكن خلاله من السيطرة على مساحات واسعة من أرياف حماة الشمالي إدلب الجنوبي وحلب الغربي، وانتهى ذلك الهجوم بعد تدخل الجيش التركي وإطلاقه عملية عسكرية ضد قوات النظام والميليشيات المساندة لها قبل التوصل لاتفاق موسكو الذي نص على وقف التصعيد والهجمات.