المصدر: واشنطن بوست (تقرير تحليلي)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كارون دميرجيان و آمي بي وانغ
يمثل انسحاب روسيا الواضح من كييف والانكماش في مناطق أقصى شرق أوكرانيا أحدث علامة على أن الحرب تمرّ في نقطة تحوّل- وهو ما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه قد يُنذر بقتال أكثر بشاعة في المستقبل.
وقد صرّح مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للصحفيين يوم الإثنين خلال مؤتمر صحفي، فقال موضحاً أن التقييمات الأمريكية الجديدة تشير إلى أن روسيا “تقوم بمراجعة أهدافها الحربية” في مواجهة معارضة كبيرة.
إن المقاومة الشرسة كبّدت روسيا خسائر مادية وأضعفت الزخم العسكري وأودت بأرواح العديد من الجنود الروس بأعداد فاقت التوقعات – مما أجبر موسكو على التراجع لدرجة أن قواتها المسلحة الآن استنزفت إلى حد كبير التعزيزات المتاحة بسهولة في أوكرانيا، وفقًا لمحللين عسكريين.
وهذا سيُجبر القادة الروس على المدى القصير على القتال بالموارد المتاحة لهم فقط. كما ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن حوالي ثلثي الوحدات التي كانت تركز على كييف، العاصمة، تتجه شمالًا، عائدة إلى بيلاروسيا وروسيا، لإعادة التموضع المتوقع في دونباس.
ويقول المراقبون إن تحوّل الأحداث أتاح لأوكرانيا فرصة أن تكون صاحبة اليد العليا. وقال سوليفان إن القيام بذلك قد يكون له ثمن باهظ، حيث لا تظهر موسكو أي مؤشرات على استعدادها للتخلي عن هدف الرئيس فلاديمير بوتين النهائي، والذي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه “إضعاف أوكرانيا قدر الإمكان”.
وأضاف أن “كل المؤشرات تشير إلى أن روسيا ستسعى لمحاصرة القوات الأوكرانية وسحقها في شرق أوكرانيا”، مشيرًا إلى أن التقييمات الأمريكية تشير إلى أن روسيا تستعد لنشر “عشرات المجموعات من الكتيبة التكتيكية الإضافية والتي يبلغ تعدادها عشرات الآلاف من الجنود” في شرق أوكرانيا. وقال سوليفان: “يجب ألا نتوهم أن روسيا ستُعدّل تكتيكاتها، التي اعتمدتها ومن المرجح أن تستمر في شنّ المزيد من الهجمات الوحشية على أهداف مدنية”.
وقال إن موسكو ستواصل على الأرجح شن ضربات جوية وصاروخية في جميع أنحاء البلاد – في مدن مثل كييف وأوديسا وخاركيف ولفيف – حيث تعيد التركيز على الأهداف في الشرق. وأكد سوليفان أن نية بوتين “هي إحداث أضرار عسكرية واقتصادية، وبصراحة التسبب في حالة من الإرهاب للتخويف”.
لقد تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي دخل أسبوعه السادس الآن، في مقتل الآلاف من الجانبين. صور الأرض المحروقة والموت – بما في ذلك المقابر الجماعية في ضاحية بوتشا في كييف والتي أثارت المزيد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب – تُضاف إلى حصيلة الخسائر في الصراع. ويقول المراقبون إن الخسائر الفادحة في الأرواح تجعل من غير المحتمل أن يكون أي من الجانبين على استعداد للتوصل إلى اتفاق سلام في أي وقت قريب.
وقال روب لي، الخبير العسكري الروسي والباحث الرئيسي في معهد أبحاث السياسة الخارجية: “أوكرانيا لديها الزخم في الوقت الحالي، ومن غير المرجح أن تقدم تنازلات”. وأضاف بعد اكتشاف الفظائع في بوتشا، “أعتقد أن التنازلات أقل احتمالًا”. القضية بالنسبة لروسيا “ستكون، كلّما زاد عدد الضحايا، كلّما كان من الصعب تقبّل حلّ وسط”.
ولكن لا يملك أي من الجانبين القدرة على أن يكون صاحب اليد العليا بسرعة. ومن المحتمل أن تتمكن القوات الأوكرانية من إعادة الانتشار في الجزء الشرقي من البلاد بشكل أسرع من قدرة روسيا على إعادة توزيع الأصول التي تسحبها من كييف.
لكن أوكرانيا ليس لديها لا سيطرة عملياتية قوية على أجوائها ولا الاستخدام الكامل للآلات الروسية التي استولت عليها لدعم عمليتها العسكرية.
وعلى الجانب الروسي، فإن الدمج الاستراتيجي للقوة البشرية والقوة النارية في الشرق تحديداً لن يحلّ مشكلة الاستنزاف المتصاعدة لموسكو.
في هذه المرحلة، يتم سحب القوة الروسية. وقد قال مايكل كوفمان، الخبير العسكري الروسي في موقع (سي. إن. آي) وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن: “بدون تعبئة وطنية، هناك قيود صارمة للغاية على ما هو متاح من حيث القوة القتالية”.
وأضاف كوفمان إن السبيل الوحيد للخروج بالنسبة لبوتين، هو إجراء تحوّل هائل في السياسة، من خلال الاعتراف للشعب الروسي بأن الهجوم الأوكراني ليس “عملية خاصة”، كما زعم، ولكنه “حرب” كاملة مما يسمح له باستدعاء قوات إضافية من جميع أنحاء البلاد.
وتابع كوفمان: “سيكون أمام القيادة السياسية الروسية خيار مهم للغاية”. “لا يمكنهم الاستمرار في الحرب مع أوكرانيا باعتبارها عملية خاصة “. إنهم يحاولون القيام بذلك في كلا الاتجاهين.”
ولكن من غير المعروف ما إذا كان الزعيم الروسي مستعدًا أو راغبًا في إجراء هذا التحوّل.