نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
"المكمورة"، أو كما أسميها أنا "المعمورة" أكلة شعبية أردنية شمالية ربداوية رمثاوية يشتهر بها ريف إربد أكثر من حضرها، وهي تنتشر بالتالي في قرى وبلدات: ملكا، وبيت رأس، وكفر سوم، ومرو، وحرثا، ويبلا، والرفيد والمنصورة وباقي قرى شمال إربد على وجه الخصوص. على الضفة الغربية من نهر الأردن، وفي الشمال الفلسطيني الموازي للشمال الأردني، فإن للمكمورة مكانتها عند أهل جنين وطولكرم وقلقيلية، وبعض قرى شمال نابلس.
أما لماذا "المعمورة"؟ فلأن طبق "المكمورة" عامرٌ، عادةً، بزيت الزيتون البلدي والبصل البلدي والدجاج البلدي وكل هذه الخيرات مغطاة بعجين القمح الأسود أو الأبيض، أو الاثنين معاً.
تُطبخ "المكمورة" في المناسبات والاجتماعات الأسرية ومواسم الزيت في شهر تشرين الثاني لأنها تعتمد أساساً على زيت الزيتون البلدي خاصةً وهو جديد.
ورغم أنها طبخة لكل الفصول، إلا أهل إربد يُفضِّلون تناول المكمورة في فصل الشتاء بالذات، لِما تحتويه مكوناتها من طاقة مفعمة. المنغّص الوحيد لتناول المكمورة شتاء، هو احتمالات التعرّض للبرد ونزلاته وتداعياته خصوصاً في منطقة البطن والمعدة، وهي تداعيات قد تصل إلى حدّ دخول المستشفى.
مكوّناتها
اللافت بمكوّنات "المكمورة" هو ارتباطها بطبيعة إربد الزراعية وخيرات أرضها:
1_ القمح أساسيٌّ في المكمورة. والقمح هو هُوِيَّة مدن الشمال الواقعة في قلب سهل حوران الممتد من جنوب دمشق وحتى بعض حواضر فلسطين، مروراً بدرعا وشمال الأردن. إنه سهل القمح وسنابله ومواسم حصاده.
2_ زيت الزيتون: وهو أحد أهم أشجار مدن الشمال، وتشتهر به معظم ألوية محافظة إربد، خصوصاً لواء دير أبي سعيد، والكورة وبني كنانة وغيرها من مناطق الشمال التي وصل زيت الزيتون فيها ذرى العالمية.
شجرة وردت في القرآن متصاحبة مع شجرة التين: "والتين والزيتون"، وهما من الأشجار المهمة في بلاد الشام جميعها، خصوصاً في فلسطين.
3_ البصل: طبعاً المقصود البصل الناشف. ويفضل أن يكون بلدياً.
4_ لحم الدجاج. وممكن أن تعد المكمورة من لحم الضأن أو لحم البقر.
5_ أي إضافات بحسب ثقافة الطعام الخاصة بكل أسرة. إلا أن السمّاق يعد إضافة بهارية رئيسية في حالة المكمورة لِوجود البصل وزيت الزيتون.
وربما تغيّرت هذه المكونات من منطقة إلى أخرى، فهناك مَن يسميها "مطابقة" وهي أكلة صواني تحتوي على طبقات من الدجاج والطحين.
كما أن المسخن يشبه المكمورة إلى حد بعيد، مع فرقيْن رئيسيين: عدم وجود الطحين (العجين)، واستخدام الدجاج مسحّباً في حالة المكمورة وبقطع كبيرة (أرباع) أو صغيرة (أثمان) في حالة المسخن.
التحضير
تمر عملية تحضير المكمورة وإعدادها بعدة مراحل:
1_ بداية يُسلق الدجاج مع ورق غار، ويضاف إليه ملح وفلفل.
2_ يحضر العجين بحيث يُخلط الدقيق مع الملح، والسمسم، وحبة البركة، والشومر ودون خميرة، ثم يُضاف قليل من الزيت كي لا تلتصق العجينة. ثم يُكوّر العجين إلى كراتٍ متقاربة الحجم، ويُترك ليرتاح لمدة لا تقل عن نصف ساعة.
3_ يُقلى البصل المفروم المضاف إليه زيت الزيتون حتى يذبل قليلاً. يضاف للبصل قدر مناسب من مرقة سلق الدجاج (ويمكن هنا إضافة بعض الماجي لمن يرغب). كما يُضاف السمّاق الأحمر لإعطاء كمية البصل طعماً ولوناً.
4_ نفرد العجين بالشوبك ونضعه داخل صينية فرن مستديرة. ثم توضع كمية من البصل والدجاج. ثم تفرد طبقة جديدة من العجين، هكذا بالتناوب بين العجين المرقوق والبصل المطهو إلى أن تنتهي الطبقات، تغطى جميع الطبقات بآخِر كرة عجين كبيرة، ويوضع على الوجه بعض الزيت لمنح العجين حين طهوه وتحميره لوناً جميلاً.
تغطى الصينية بالقصدير ثم تُدخل إلى الفرن على حرارة في البداية 180 وبعد نصف ساعة 160، قبل النضج بقليل يُزال القصدير لتكتسب الصينية بما فيها لوناً جميلاً.
أستاذ المسرح في جامعة اليرموك، المخرج والأكاديمي د. محمد خير الرفاعي، ابن الشمال، يقرّ أن المنسف هو الأكلة الأردنية الأكثر "شيوعاً وإجماعاً وخصوصيةً" ولكن "المكمورة" تحمل -بحسب الرفاعي- "خصوصية أهل الشمال". وهي الطبخة الوحيدة التي يدخل فيها العجين هناك ضِمن مكوناتها. وهو يربط هذه الخاصية بقمح حوران وأغاني حوران "عالبال بعدك يا سهل حوران".
يقول الرفاعي: إن "المكمورة صديقة لابن الريف في الشمال، فهي من موجودات البيت في الموسم: الزيت في موسمه، القمح في ذرى حصاده، البصل حول البيت وفي الحواكير الأليفة، الدجاج البلدي يرعى في الحوش، وكان يشكّل جزءاً لا يتجزأ من كل بيتٍ ريفيٍّ".
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية