المصدر: ميدل إيست آي مونيتور
ترجمة: عبد الحميد فحام
نادراً ما تتكرّر اللحظات المحورية في التاريخ، ولكن عندما يحدث ذلك، فهي تكون فعلاً تاريخية. يمكن تغيير ديناميكيات القوّة في منطقة بأكملها، ويمكن أن يهيمن من كان سابقاً من المستضعفين وبشكل جزئي على الساحة الجيوسياسية.
هذا هو نوع الفرص التي يُقدّمها التاريخ الآن لمجموعات المعارضة السورية، التي خَمَدَت تقريباً في مواجهة ما يقرب من عقد من الضربات الروسية. الآن، وفي خِضمّ الغزو الروسي الجاري لأوكرانيا، الذي انطلق قبل أكثر من ثلاثة أشهر ولم يَلُحْ في الأفق تاريخ لانتهائه، فإن الجماعات السورية المعارضة لديها الفرصة أخيراً لمواصلة نضالها ضد نظام بشار الأسد.
في حين أن الأرقام محطّ خلاف، إلّا أنّ التقديرات تُشير إلى أنّ موسكو فقدت حتى الآن أكثر من 30 ألف جندي في غزوها لأوكرانيا. هذه الخسائر قليلة في جحافل مئات الآلاف التي أرسلتها روسيا – كما كان الحال في كثير من الأحيان في تاريخها – ضد أعدائها. هناك تقارير تُفيد بأن الكرملين قد أرسل إلى حدّ كبير مجنديه إلى الخطوط الأمامية كوقود للمدافع مع الاحتفاظ بأفضل قواته وتكتيكاته في الاحتياط.
ومهما كان مدى صحّة هذه التقارير، فمن الصعب إنكار أن القوات الروسية مُقيّدة وعالقة في أوكرانيا، وهو ما يُجبرها على سحب القوات العسكرية والمرتزقة من عملياتها في سورية وليبيا. وتشير بعض التقارير إلى أن عدد القطعات المنسحبة بالآلاف والبعض الآخر من التقارير تقول إنها بالمئات فقط. ولكن بغض النظر عن الحجم، فالانسحاب قائم على قدم وساق.
الانقسام بين الفصائل
واحدة من القضايا الرئيسية التي يجب أخذها في الاعتبار والمناقشة عند تقييم إمكانية قيام قوات المعارضة السورية بشنّ هجوم مُجدداً ضد نظام الأسد هو الانقسام بين الجماعات المقاتلة. فالثورة السورية بعيدة كل البعد عن الأيام الذهبية التي كانت تتمتع بها قبل عشر سنوات، عندما كانت قوة الجيش السوري الحر في نماء وكانت عملية إعداده في أوجها، وكان يحظى بدعم الكثير من المجتمع الدولي.
الآن، انقسمت الجماعات المعارضة إلى عدّة فصائل وحركات خاصة – بعضها إسلامي، وبعضها قومي وعلماني، وبعضها مدعوم من الولايات المتحدة أو تركيا، وبعضها مُجتَمِع على أساس عرقي مثل الميليشيات الكردية. ويُضاف إلى هذا الانقسام، أن العالم لم يَعُد يُركّز على الصراع في سورية أو مأسوراً به، وتركه إلى حد كبير وراءه مع القليل من الدعم الدولي لشن هجوم معارض متجدد.
كما هو الحال منذ البداية، فإن الفصائل الأكثر قدرة وقوة القادرة على شنّ هجوم على نظام الأسد هي الجماعات المُتمركزة في شمال غرب سورية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام وهي فرع سابق للقاعدة قطع صلاته بالتنظيم الأم. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، سيطرت هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب وسياسات قوتها، حيث عملت كقوات مُسلحة مع “حكومة الإنقاذ” كجبهة مدنية.
مع سنوات من الخبرة القتالية المستمرة ضد قوات النظام السوري في جنوب إدلب وجبل الزاوية والمناطق المحيطة بها، تمتلك هيئة تحرير الشام على الأقل بعض القُدرات لشنّ هجمات ناجحة ضد مواقع النظام. كما أن امتلاكها لأسلحة ثقيلة بعيدة المدى يُعزز تلك القدرات.
وعلى الرغم من قوتها العسكرية المُعلن عنها، إلا أن هيئة تحرير الشام كانت ولا تزال مُنشغلة بقمع الفصائل المتناحرة في شمال غرب سورية، مما جعل الكثير من الناس متشككين فيما ما إذا كانت ستضع نصب أعينها مواجهة القوات السورية. فالتنظيم وقيادته يزعمون أن هذه الجهود من أجل هدف بعيد المدى يتمثّل في توحيد المعارضة السورية في المنطقة تحت مظلّة واحدة، لكن الأداء الضعيف لذلك التنظيم ضد هجوم النظام وحلفائه عام 2020 – الذي شهد خسارة المعارضة لأجزاء كبيرة من الأراضي والمدن الرئيسية لصالح الأسد – يطرح أيضاً تساؤلات حول قدرة التنظيم على الدفاع عن الأرض أو صدقه في جعل دفاعه عن الأرض التي تسيطر عليها المعارضة أولوية.
الأسد أم الأكراد؟
يبدو أن الجيش الوطني السوري، وهو سليل الجيش السوري الحُرّ الذي يحكم أجزاء أخرى من شمال غرب وشمال سورية والمدعوم من تركيا، قد تخلّى عن أي أهداف لإعادة شنّ أي هجمات ضد مواقع نظام الأسد. وبدلاً من ذلك، فإنه يُعيد تركيز جهوده على الاستعداد للانضمام إلى تركيا في عمليته المخططة ضد الميليشيات الكردية في شمال وشمال شرق سورية.
ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى الدعم الذي قدّمته أنقرة للجيش الوطني السوري والوكلاء الآخرين، كما يرجع أيضاً إلى حقيقة أن الجماعات الكردية تسيطر على المناطق المحيطة مباشرة بأراضي الجيش الوطني، مما يجعل من مصلحته دعم مثل هذه العملية. إذن، السؤال الذي يجب أن تتعامل معه جماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، هو ما إذا كان الأكراد أم الأسد هو من يُشكّل التهديد الأكبر.
يبدو من المرجّح بشكل متزايد أن غرفة عمليات الفتح المبين – التي تهدف إلى تمثيل جبهة موحدة من مجموعات المعارضة الجاهزة للقتال ضد الجيش السوري – أنشأها في الغالب هيئة تحرير الشام وأحرار الشام، التابعة للجيش الوطني، لن تصبح جاهزة للعمل في أي وقت قريب.
لا يزال هناك، بالطبع، اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه تركيا وروسيا، الذي تمّ التوصّل إليه في آذار /مارس من عام 2020، والذي يُعرقل رسمياً هجوماً لقوات الأسد وروسيا ضد فصائل المعارضة السورية، والعكس صحيح. أي شخص على دراية بالوضع في شمال غرب سورية عملياً منذ إبرام الاتفاق، يعرف أنه قد تم انتهاكه مرات لا تحصى – بشكل أساسي من قبل النظام وموسكو – وهو موجود بالاسم فقط.
في الواقع، لم تتجاهل بعض شرائح المعارضة السورية فكرة استغلال الفرصة التي أتاحها التحالف الروسي في أوكرانيا. ففي عدد آذار/ مارس من مجلة بلاغ الشهرية – التي كتبها ونشرها في شمال غرب سورية شخصيات ورجال دين مناهضين لهيئة تحرير الشام – أقرّت بأن “العدو الروسي عالق في [حرب] استنزاف شديدة أدّت به إلى سحبه جنوداً من عدة أماكن ونشرهم في الحملة الأوكرانية، وقد نقلت من سورية إلى أوكرانيا أفضل ضباطها الذين اكتسبوا خبرة قتالية في سورية”.
وأعربت الافتتاحية في المجلة عن أسفها لأنه “على الرغم من الاستنزاف الكبير وإحراج الروس، فإن الوضع [أي قيادة الفصائل الثورية] في سورية يتصرفون بدون وعي. والقادة الموظفون الذين أُجبروا على الوضع الحالي راضون عن دور المُتفرّج ويكتفون بمجموعة من الرموز على وسائل التواصل مثل إضافة علامات التعجب”.
وقد اتهم المقال القادة من هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري بالسيطرة على موارد الثورة السورية، واصفهم بأنهم “ليسوا سوى عبيد يعملون وفق إملاءات أسيادهم وليس لصالح الجهاد والثورة.”
كما أدانت الافتتاحية القيادة بسبب حدوث الاقتتال بين الفصائل والسياسات القمعية التي تتبعها ضد الأشخاص الذين تحكمهم بدلاً من الاستفادة من الحرب في أوكرانيا. إنها “تجعل نفسها مكروهة من قبل مجتمع المقاتلين وتفرض حصاراً على فقراء المنطقة وتجري إحصاءً كاملاً لأهالي المنطقة وتجمع معلومات عنهم وماضيهم وأنشطتهم وكل هذه التفاصيل تتدفق بسلاسة إلى جميع الأجهزة الأمنية “.
وخلص المقال إلى أن مثل هذه القيادة “من المرجح أن تؤدي إلى سقوط المناطق كما سقطت في الماضي، بسبب تاريخ إخفاقاتها العسكرية التي أدّت إلى فقدان ما هو معروف ومألوف”.
إذا كانت الجماعات الثائرة السورية ستشنّ في نهاية المطاف هجوماً ضد نظام الأسد بينما يتشتت انتباه روسيا في أوكرانيا، فستظل هناك مخاطر كبيرة يحسب حسابها. أولاً، لا تزال موسكو متواجدة عسكريًا -وإن كان بشكل محدود على الأرجح- ولا تزال بعض طائراتها المقاتلة متمركزة في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية.
كما أن هناك تواجداً لقوات وميليشيات إيرانية كافية، وهو ما جعل العديد من المحللين يتوقعون أنه قد يؤدي إلى صعود إيران في سورية وسط الانسحاب الروسي. علاوة على ذلك، لا توجد ضمانات بأن تركيا ستدعم المعارضة السورية أو تدافع عنها بشكل كافٍ إذا نفّذت عمليتها الخاصة ضد مواقع النظام كما حدث قبل عامين – وحتى ذلك كان بسبب مقتل مجموعة قوات تركية.
ستضمن مثل هذه الحقائق أن أي هجوم للفصائل المعارضة في سورية سيظل يواجه عقبات كبيرة، لكن الروس حالياً -إلى حد بعيد وهي العامل الأكبر الذي أدّى إلى تراجع المعارضة على مرّ السنين- مُقيّدون في مكان آخر، مما يوفر للثورة فرصة نادرة.