المصدر: نيوزويك
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: بوني كريستيان
لقد ترَكَّزَ الاهتمام العام بالعلاقات الأمريكية الروسية منذ شباط/ فبراير على الغزو الروسي لأوكرانيا، وهذا أمر مفهوم. لقد مكّن دعم الولايات المتحدة المتزايد تدريجياً للدفاع الأوكراني وهي الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية من صدّ العدوان الروسي بشكل أفضل وأطول مما كان متوقعاً عندما بدأت الحرب، لكنه جعل الولايات المتحدة وروسيا قريبتين بشكل مُقلق من الدخول في صراع. وقد أثار هذا الاحتمال مخاوف الصقور، لأن ترسانات واشنطن وموسكو النووية -إذا تمّ نشرها- كافية لتدمير العالم عدة مرات.
لكن هناك خطر آخر لحدوث صراع بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن ننتبه إليه، حيث يستمر كِلا البلدين في التواجد العسكري في سورية. وتقوم القوات الروسية بشكل أساسي بدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد في حربه الوحشية في البلاد، فضلاً عن محاربة فلول تنظيم الدولة الإسلامية. وتُدرّب القوات الأمريكية أعداء “داعش”، وتحدّ من وصول النفط لنظام الأسد، وتشنّ ضربات ضد الجماعات بما في ذلك “داعش” و”أهداف مرتبطة بالقاعدة والحكومة السورية والميليشيات المدعومة من إيران”.
الجنود الأمريكيون والروس في سورية ليسوا في صراع مفتوح – في الواقع، إذ إن الجيشين يحتفظان بخط اتصالات “تفادي التضارب” – لكنهما يعملان في أماكن ضيّقة، وغالباً، على الجانبين المتعارضين. إن وجود أخطار مُحدقة هو أمر شائع جداً، وخاصة مع تزايد العداء في أوروبا، حيث يمكن أن يغرقنا نتيجة سوء تصرف أو سوء فهم في حرب غير مرغوب فيها وغير ضرورية. هذا خطر يمكننا القضاء عليه من خلال سياسة أكثر أماناً وحكمة لأمن الولايات المتحدة وهي التفكير في الانسحاب العسكري الكامل من سورية.
لقد تجلّى خطر الصراع غير المقصود مع روسيا في سورية بشكل واضح من خلال عمليتين روسيتين في سورية هذا الشهر. كما ورد في تقرير حديث لصحيفة وول ستريت جورنال مُفصّلاً، “شنت روسيا غارات جوية على قاعدة التنف” حيث تتمركز القوات الأمريكية. وأعطت روسيا القوات الأمريكية إشعاراً مسبقاً بالضربات عبر خط الاتصالات هذا، فلم تقع إصابات أمريكية. وفي نفس الأسبوع، نشرت روسيا طائرتين مقاتلتين من طراز Su-34 في موقع في شمال شرق سورية حيث كانت الولايات المتحدة تشنّ غارة على صانع متفجرات تابع لتنظيم الدولة الإسلامية، ولم تنسحب إلا بعد أن حلّقت طائرات الولايات المتحدة F-16 لتحذير الروس.
وقد تحدّث المسؤولون الأمريكيون بقلق عن الحوادث. وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال إريك كوريلا: “نسعى لتجنّب سوء التقدير أو مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى صراع غير ضروري: يظلّ هذا هدفنا”. لكن سلوك روسيا الأخير كان استفزازياً وتصعيدياً”.
هذا صحيح – على نطاق زمني قصير. لكن لدى النظر في سنوات عديدة من التفاعل بين الولايات المتحدة وروسيا في سورية، يتضح أن هذه مشكلة متكررة.
فقد قصفت روسيا قاعدة التنف في عام 2016، وفي عام 2017 أصدرت، ثم تراجعت، إنذاراً نهائياً للانسحاب الأمريكي الفوري من الموقع. وفي عام 2017 أيضًا، هدّدت كل من روسيا والولايات المتحدة بإسقاط طائرات الطرف الآخر في غرب سورية. كما قاتلت القوات الأمريكية مرتزقة روساً (ليسوا تابعين رسمياً لموسكو، ولكن داعمين لنظام الأسد) في عام 2018، وأصيب عدد من القوات الأمريكية إصابات طفيفة بعد مناوشة مع القوات الروسية في عربات مدرعة في عام 2020. وردّ البنتاغون على حادثة عام 2020 بزيادة الانتشار الأمريكي في سورية، ومثلما حدث هذا الشهر، قام البنتاغون بإدانة الاستفزاز والتصعيد الروسي.
إن بداية إدارة بايدن في عام 2021 لم تقم إلا ببعض التغييرات الطفيفة في سياسة الولايات المتحدة في سورية. حيث يستمر عدد الجنود الأمريكيين على الأرض في حوالي 900 جندي. ويواصلون السعي لتحقيق نفس الأهداف ويظلّون قريبين بشكل غير مريح من احتمال نشوب صراع أكبر. التغيير الأهم حول الوضع في سورية خلال ولاية الرئيس جو بايدن ليس في سورية على الإطلاق: إنه الهجوم الروسي على أوكرانيا. على الرغم من أن تجنّب الصراع المباشر مع روسيا في سورية كان أمراً مُهماً قبل الغزو الأوكراني، إلّا أن تجنّب الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا كان أكثر أهمية في حين أن التوترات عالية بشأن أوكرانيا.
إن أضمن طريقة لمنع هذا التعثر هو التفكير في التدخّل العسكري الأمريكي في سورية. والابتعاد عن روسيا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعل هذا منطقياً، بل إن أهداف الولايات المتحدة للتواجد هناك انتهت بعد أن مرّ أكثر من عامين على هزيمة “داعش” كما أنهم وجدوا احتمالاً وشيكاً للتصارع بالوكالة مع تركيا حليف الناتو يجعل الابتعاد عن المنطقة أمراً جيداً. علاوة على ذلك، لا توجد مصلحة أمريكية حيوية مباشرة في سورية، وبالتأكيد لا شيء يبرر الخطر الذي يمثله التدخل العسكري المستمر.
كان الانسحاب قد فات موعده قبل تصاعُد التوترات الأمريكية الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا إلا أنه أصبح الآن أمراً حاسماً.