نداء بوست- ريحانة نجم- بيروت
تتجه الأنظار في لبنان إلى انتخابات النقابات التي تُجرى في لبنان ونتائجها، ومدى انعكاسها على الاستحقاق الانتخابي في آذار/ مارس أو أيار/ مايو المقبل، والقدرة على وضع البلاد على سكة التغيير من خلال صناديق الاقتراع، في وقت بدأ المواطنون -وخاصة الناشطين الراغبين بالتغيير- يُبدُون تخوُّفهم من إعادة تكرار سيناريو 2018، بعد حدوث بعض الإشكالات التي شهدتها بعض انتخابات الهيئات النقابية.
المحامي شوقي ساسين أوضح في حديث لموقع "نداء بوست" أن الانتخابات النقابية هذه السنة، سواء في نقابة المحامين ببيروت أو في طرابلس أو نقابة المحررين أو النقابات الأخرى، لم تفلت من القبضة السياسية، وقال: "هذا ليس عيباً؛ لأن الأحزاب السياسية اللبنانية لها وجود ومؤيدون ضِمن أصحاب المهن الحرة، ولها الحق في خوض الانتخابات، شرط أن ينصرف المرشحون الفائزون بدعم سياسي إلى العمل النقابي البحت وأن يغلقوا أبواب نقاباتهم دون التدخلات السياسية، وهذا يجب أن يحصل في كل المؤسسات الرسمية والنقابية".
واعتبر ساسين أن الانتخابات النقابية الأخيرة أثبتت أن للسياسيين دوراً لا يزال موجوداً، وأن قوى التغيير التي أحدثت تغييراً في نقابتَي المهندسين المحامين في بيروت عام 2019 لم تستطع تكرار ذلك هذه السنة.
ورأى ساسين أنه إذا جرت الانتخابات النيابية المقبلة على هذه الصورة فلن يكون هناك تغيير كبير، رغم أنه يتمنى حدوث هذا التغيير. وحول انتخابات نقابة المحامين في طرابلس والشمال أوضح ساسين أنّ ثلث أعضاء مجلس النقابة يتجدد سنويّاً.
وشرح لموقعنا "أنّ الانتخابات السنة الماضية لم تُجْرَ، وبالتالي كان لا بُدَّ من انتخاب أربعة أعضاء هذه المرة بشكل استثنائي"، وشرح لنا أن نقابة المحامين في طرابلس تأسست سنة 1921 وكان مجلس النقابة الأول مُعيَّناً من الحاكم الإداري الفرنسي، وتألف هذا المجلس من ستة أعضاء، ثلاثة منهم مسلمون وثلاثة مسيحيون، وكانت ولاية المجلس المعيَّن ثلاثة أعوام قُسمت فيها الولاية إلى نصفين: ثمانية عشر شهراً لنقيب مسيحي هو النقيب رشيد طرابلسي من "البترون"، وثمانية عشر شهراً للنقيب عبد اللطيف غلاييني الطرابلسي المسلم.
وتابع ساسين "أن أول مجلس انتُخب لنقابة المحامين في طرابلس في 1928، وهذا المجلس تألَّف من ستة أعضاء جرى انتخابهم بالتساوي: ثلاثة مسلمون وثلاثة مسيحيون"، مشيراً إلى أنّ مبدأ المناصفة والمداورة ليس عُرْفاً في نقابة المحامين بل هو من صُلْب تكوينها.
وأضاف المحامي "في بعض الأوقات تحتدم المنافسة خاصة عند انتخاب النقيب، ومن المعروف أن الجمعية العامة العادية هي التي تنتخب النقيب كل سنتين، فقد يحصل أن يفوز المرشحان المتنافسان على منصب النقيب من الطائفة عينها، المسلمة أو المسيحية، ثم يتنافسان في الدورة الثانية على منصب النقيب، فيتسلم الفائز بمنصب النقيب مقاليد النقابة، أما الخاسر في الدورة الثانية فلضمان الصيغة الوطنية للحياة النقابية فإنه ينسحب أو يستقيل من فوره ليحل محله العضو الرديف من الطائفة الأخرى، وهكذا يستعيد مجلس نقابة المحامين تكوينه الذي عليه نشأ وأُسِّس".
وتابع حديثه: "الانتخاب الاستثنائي هذه السنة لأربعة أعضاء أدى لفوز ثلاثة أعضاء مسيحيين وعضو واحد مسلم بسبب احتدام المنافسة على موقع النقيب، ثم جاءت الانتخابات التالية بين المرشَّحَين إلى منصب النقيب ففازت الأستاذة ماري تيريز القوال وخسر الزميل بطرس فضّول الذي هو الآن عضو مجلس نقابة"، وأوضح أنّ العُرْف كان يوجب أن ينسحب الرابح الأخير ليحل محله العضو الرديف وهو في هذه الدورة عضو مسلم، لكنّ هذا لم يحصل، مشدداً على ضرورة عدم أخذ هذا الأمر على محمل الطائفية؛ لأن بقاء أي عضو في منصبه هو تطبيق للقانون؛ لأنه فاز بأصوات الهيئة الناخبة المؤلفة من مسلمين ومسيحيين، وهم في الداخل يمثلون مصالح جميع المحامين ومصالح النقابة ودورها في الحفاظ على القِيَم الوطنية والإنسانية العُليَا.
وجزم ساسين بأن صيغة المناصفة والمداورة ستبقى محترمة في نقابة المحامين سواء في طرابلس، أو في بيروت، وأكد أنه ستكون هناك آلية يقوم بها مجلس النقابة والنقباء السابقون من أجل معالجة الموضوع موضحاً أنّه ليس خللاً قانونياً.
وتمنى ساسين على زملائه وعلى جميع القوى النقابية كما القوى السياسية في النقابة أن تُخرِج هذا الأمر من التداول الطائفي وترده إلى النطاق النقابي وقال: "لا شك أننا سنجد حلاً وهذا الحل سيكون قريباً إنْ شاء الله".
وأكد المحامي ساسين أنّ النقابة تستطيع بآليتها الذاتية أن تعيد التوازن الطائفي (بين المسلمين والمسيحيين)، الذي يجب أن يعود لمجلس النقابة، لأنّ عدم عودته سيُشكّل تجريحاً بالأساسات التي قامت عليها النقابة، وليس بالعرف الذي يمكن تجاوزه في بعض الظروف الاستثنائية، مشيراً إلى أنّ الطعن في جوهر أساس النقابة وهو مرفوض رفضاً قاطعاً من كافة المحامين، وقال "المحامون مؤمنون أنّ نقابتهم ستظل تعبيراً حقيقياً جازماً عن الوحدة الوطنية التي مثلتها طرابلس والنقابة في هذه المدينة".
وحول ما جرى في انتخابات نقابة طب الأسنان في بيروت قال ساسين: إنّ ما جرى أثار لديه الدهشة والحيرة، وقال: "أنا أفهم حماسة المرشحين وحرصهم على الفوز، ولكن لا أفهم أن يتحول هذا التنافس الانتخابي إلى عملية مشاجرة بين نخبة في المجتمع"، ومن الناحية القانونية أوضح ساسين أن مكتبة إدارة الانتخابات لم يكن أمامها إلا تأجيل الانتخابات أمام ما جرى من تطاير للصناديق وبعثرة الأوراق الانتخابية، مشيراً إلى أنّ هذا المخرج القانوني الوحيد أمام اللجنة.
وقال لموقعنا: "أنا لا أؤمن بوجود مجتمع مدني فعّال ومتحرك ويستطيع التغيير دون وجود نقابات المهن الحرة"، مؤكداً أنّ دور هذه النقابة قيادة المجتمع لإرساء مفاهيم الديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة وغيرها من المفاهيم الإنسانية العليا، فإذا أخلت بتطبيقها فذلك ينعكس سلباً على الدور الذي انتدبت هذه النقابات للقيام به، وقال: "عندما لا نكون قدوةً لا نستطيع أن نكون قادةً".
وعن تأثير الانتخابات النقابية على الانتخابات النيابية، رأى المحامي شوقي ساسين هناك عدة أمور قد تغيّر رأي المواطنين اللبنانيين، رغم قرب موعد الانتخابات، وتمنى ساسين أن يحصل تغيير في الانتخابات النيابية؛ "لأن هذه الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ نشأته، أثبتت فشلها في تحويل لبنان الرسالة إلى نظام حكم رشيد".
وقال لموقعنا: "لم يعد أمامنا كمواطنين سوى أن نبحث عن طبقة سياسية أخرى لإدارة البلاد، تكون من الشباب المؤمن بلبنان الرسالة وبدوره".