رغم إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" تحقيق نصره النهائي على تنظيم داعش بعد معركة "الباغوز" في يوم 9 شباط/ فبراير 2019 آخر معاقل التنظيم في ريف دير الزور ، و رغم مقتل زعيم التنظيم "أبي بكر البغدادي" نهاية شهر أيلو ل 2019 بغارة جوية أمريكية على مقره في ريف إدلب الشمالي، يُكثف التنظيم نشاطه اليوم من جديد .
فبعد خسارة تنظيم "داعش" كل مناطق سيطرته الرئيسية في جميع أنحاء سوريا والعراق، عمِل على إعادة التموضع وجمع قواته على شكل بؤَر وخلايا منتشرة في البادية السورية وشكّل منها قاعدة انطلاق جديدة لضرب أرتال النظام السوري بعمليات شبه يومية.
ورغم ما تُشَكله البادية السورية من أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران حيث تربط هذه المنطقة بين العراق والداخل السوري من جهة ، وبالنسبة لروسيا الّتي ترى فيها جسراً للعبور من مناطق الداخل السوري الّتي تسيطر عليها إلى مناطق شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة "قسد " والتي ما فتئت تحاول السيطرة عليها لكن يبدو أنَّ كل المحاولات الروسية وعشرات العمليات الّتي دعمتها مع الميليشيات الإيرانية والنظام لتمشيط البادية السورية وتطهيرها من خلايا تنظيم داعش قد باءت بالفشل الذريع لدرجة أنَّها تحولت إلى عقدة مزعجة في طريق تحقيق الأهداف الروسية في منطقة البادية منذ سنتين حتى اليوم .
وتَذكر المصادر بأنَّ 19 جندياً من جنود النظام منهم المقدم علي العباس من طرطوس قد قُتلوا خلال المعارك الدائرة مع تنظيم داعش على مدار الـ 48 ساعة الماضية، إضافة إلى 12 مقاتلاً من التنظيم.
أمام هذا الفشل الذريع من قوات النظام السوري وقوات "الدفاع الوطني" الّتي يستجلبها الروس من مناطق دير الزور تحاول روسيا كذلك الزج بفصائل المصالحات في درعا إلى هذه الحرب حيث تشير بعض المصادر إلى نقل حوالي 250 عنصراً من اللواء الثامن الّذي يقوده أحمد العودة إلى جبهة بادية السخنة ريف حمص الشرقي تحت التهديد ورفض أي اعتذار عن المشاركة، لكن رغم كل ذلك لم تحقق روسيا أي من أهدافها في تنظيف البادية من خلايا التنظيم .
فما هي أسباب الفشل المتكرر للحملات الروسية البرية والجوية الّتي تشنها على تنظيم داعش منذ سنتين حتى اليوم؟ وكيف تحولت البادية السورية إلى ثقب أسود يبتلع الأرتال وجنود النظام والميليشيات الإيرانية. الحقيقة هناك العديد من الأسباب الّتي تقف وراء فشل الحملات الروسية المتكررة
أسباب تتعلق بجغرافيّة أرض المعركة:
حيث تُشكل مساحة البادية السورية قرابة ثلث المساحة الجغرافيّة لسوريا والّتي تتسم بالاتساع والوعورة والتي لا يملك النظام ولا الميليشيات الموالية له القدرة على تغطيتها عسكرياً، بينما يستطيع تنظيم داعش المناورة فيها من خلال مجموعات صغيرة وتأمين دعمه اللوجستي الذي يسمح له بالبقاء والحركة ووجود المغارات والجبال والأودية المتشعبة والّتي تسمح لها بالاختفاء والتواري على طيران الاستطلاع
كذلك عدم خبرة النظام والميلشيات الإيرانية والروسية بقتال تنظيم داعش حيث كانت هذه الأطراف منشغلة طول الثورة السورية بقتل الشعب والمدنيين والسعي للقضاء على فصائل "الجيش الحر" واعتبار المعركة مع تنظيم داعش معركة مؤجلة، إلى أن جاء الوقت الذي فُرضت فيه المعركة بحكم التماس الجغرافي.
أسباب ذاتية تتعلق باستراتيجية تنظيم داعش
ومن الأسباب تحول استراتيجية تنظيم داعش من قتال التمكين لحماية سلطته إلى قتال النكاية لحفظ وجوده فيبدو أنَّ التنظيم تخلى عن استراتيجية السيطرة والتمدد ولم تعد الجغرافيا والخرائط تعني له كثيراً في مرحلة الاستضعاف الّتي يعاني منها مع نقص الموارد البشرية والعددية وطبيعة الصحراء الوعرة والقاسية لذلك استعاض عنها بتكتيك جديد يقوم على الغارة والكمين والانسحاب السريع وانتقاء الأهداف السهلة وتجنب خوض صراع الجيوش النظامية والاكتفاء بجمع الغنائم لتحقيق التمويل الذاتي وتقوية الحالة البنيوية لديه .
أسباب تتعلق بالتكنولوجيا والسلاح الروسي
ومن أسباب فشل الحملة الروسية ضعف التكنولوجيا الجوية الروسية القادرة على السطع والقنص بدقة عالية، والفارق التكنولوجي الهائل بين السلاح الأمريكي وبين السلاح الروسي في مثل هذه المعركة الّتي تعتمد على الدقة وتحديد الأهداف وليس إلى كثافة النيران وكمية التدمير وعدد الجنود.
أسباب اجتماعية تتعلق بحيادية المجتمع المحلي
يتعرض المجتمع الملي في البادية السورية إلى ضغط مزدوج من النظام من جهة ومن تنظيم داعش من جهة ، ويشعر أنَّه يتم التعامل معه كأداة للاستخدام في هذه المواجهة ، لذلك تميل هذه المجتمعات إلى التزام الحياد و عدم الاشتراك في مواجهة تنظيم داعش، حيث يرى الكثير من أبناء المجتمع المحلي في البادية أنَّ هذه المعركة هي لصالح إعادة النفوذ الإيراني وسيطرة قوات النظام على حساب تضحيات المجتمع المحلي في معارك داعش إضافة لتنكيل التنظيم بأي جهة تقوم بدعم قوات النظام .
أسباب تتعلق ببيئة الفوضى والفراغ في منطقة الصراع
حالياً يستفيد تنظيم داعش من بقاء حالة الفوضى والصراعات الدولية والإقليمية الّتي تقع على الأراضي السورية بحيث لا يعود التنظيم هو أولوية للأطراف المتصارعة إضافة لغياب الحل السياسي والتواجد الإيراني ودعم الولايات المتحدة لمشروع انفصالي بحجة أنّه يحارب الإرهاب، كل ذلك يجعل من تنظيم داعش تنظيماً متفوقاً أخلاقياً على خصومه المفترضين مثل النظام وروسيا وتنظيم " pyd " أضف لذلك تغيّب الشعب السوري عن معادلة الصراع والحل والتعامل مع الحرب على الإرهاب كأوراق تأهيل سياسي لقسد والنظام والميليشيات الإيرانية .
كل هذه الأسباب السابقة ترَّجح بأنَّ روسيا حالياً في وضع المتورط في حرب تنظيم داعش و الّذي يقف اليوم حجر عثر أمام استكمال تحقيق الأهداف الروسية في سوريا ومتابعة طريقها إلى شرق الفرات حيث الثروات الباطنية.
ومن الواضح أنَّ التنظيم يعيش حالياً حالة كمون مع نشاط مكثف في ممارسة حرب العصابات وضرب خواصر المدن الّتي يسيطر عليها النظام واستهداف أي رتل متحرك على طرق الإمداد للنظام.
ويتضح أنَّ هذه الضربات تُشكل عامل مرهق للنظام السوري الّذي يعاني من حالة فشل اقتصادي وعسكري وسياسي وهو مهدد بالانهيار وأي حالة انهيار مفاجئة لو قعت فسيقنصها التنظيم ليندفع من جديد بعمليتها الموجه وهو ما سيزيد من المأزق الروسي المستعصي في سوريا.