”نداء بوست“ – حوارات سياسية – حاوره: أسامة آغي
قضايا المرحلة التي تمرّ بها القضية السورية، تتطلب إضاءة مساحات قد تبدو أنها مساحاتٌ مسكوت عما يجري فيها من تطوُّرات ذات أهمية، تخصّ الثورة السورية، واتجاهات الحل السياسي للصراع بينها وبين نظام الاستبداد الأسدي.
موقع ”نداء بوست“ طرح أسئلته على الدكتور نذير الحكيم، الذي يعتبره كثيرون "دينامو التأثير" في سياسات وخيارات ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، والحكيم يحمل شهادة الدكتوراه في علوم التكنولوجيا الخاصة بالتحكم الإلكتروني من جامعة فرنسية، إضافة إلى أنه محسوب على تيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) وَفْق تصنيف مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط.
”نداء بوست“: إذا أردنا تتبُّع ما يتم وصفك به من قِبل كثير ممن يعرفونك، فسنقول على لسانهم، إنك من مؤسسي المجلس الوطني السوري إبّان الثورة السورية، وأحد مؤسسي ائتلاف قوى الثورة، والشخصية الأكثر تأثيراً فيه. فهل انتماؤك لتيارات الإسلام السياسي هو ما يمنحك هذا التأثير على الائتلاف وسياساته؟ هل يمكنك تأكيد ذلك؟ وهل تعتقد أن الائتلاف بوضعه الحالي قادر على التأثير بمعادلة الصراع بين قوى الثورة والنظام الأسدي؟
القضية السورية صارت دولية
يقول الدكتور نذير الحكيم في رده على سؤالنا: الناس بشكل عامّ يتناقلون ما يسمعونه، ودائماً في عالمنا تنتشر الشائعات والحقائق على السواء، طبعاً وليس سراً، نذير الحكيم هو أحد مؤسسي المجلس الوطني والائتلاف، إلى جانب عدد كبير من شخصيات المعارضة، تقريباً حوالَيْ 60 أو 70 شخصية أخرى، لم أكن وحدي مؤسساً في أي وقت، ولا أحب أن أنسب لنفسي أشياء فعلها الكثيرون بإيمان وصدق، وهم شركاء في نتائجها.
ويضيف الحكيم: أمّا موضوع التأثير فهو موضوع آخر، لا علاقة له بانتماءات ولا اصطفافات، بعض وسائل الإعلام تَرُوق لها الرواية التي تصنف كل شيء من أجل الإثارة، أمّا حقيقة الأمر فالعمل هو الأساس، تعمل أكثر تؤثر أكثر، ونحن عملنا بصدق من البداية وبحبٍّ للوطن والثورة والناس، فكان لنا تأثيرنا الذي تتحدث عنه، وهناك آخرون في المعارضة والائتلاف عملوا بجد وصدق، ولهم تأثيرهم الكبير أيضاً، الذي ربما يكون في مرات كثيرة أقوى من تأثير نذير الحكيم، ونحن لا نتنافس في مؤسسات المعارضة، بل نسعى لأن يكون التأثير إيجابياً وتشاركياً، يخدم مصلحة الوطن والثورة.
أما ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالكم، يتابع الحكيم حديثه فيقول: الشق الثاني مهم، وربما هو ما يشغل بال الناس حالياً، هل يستطيع الائتلاف التأثير في معادلة الصراع وفي القضية السورية بشكل عامّ؟
يتابع الحكيم كلامه: "الائتلاف يعمل ضِمن المساحات الدولية المتاحة، الصراع في سورية لم يَعُدْ صراعاً بين نظام ومعارضة، والائتلاف لا يمثل كياناً سياسياً معارضاً مقابل النظام الأسدي، على الإطلاق، الائتلاف مظلة سياسية هي الوحيدة المعترَف بها دولياً كممثل للشعب السوري، ولا نستطيع التخلي عن هذه المظلة لنعمل في العراء دون أي اعتراف دولي يمنحنا القدرة على المناورة السياسية ضِمن المساحات الممكنة، ومرة أخرى ضِمن المساحات الممكنة، فالقضية السورية أصبحت شديدة التعقيد، انتقلت من إطار وطني، إلى كونها قضية إقليمية حتى وصلت اليوم لتكون قضية دولية كبرى، تتعقد فيها المصالح وتتشابك بشكل يجعل من الصعب على المعارضة أن تكون فاعلاً ذا تأثير كبير، ولكنها في النهاية مؤثِّرة وضرورية، ونقوم فيها بالوسع والممكن.
”نداء بوست“: كتاب "أوراق قطر" لمؤلفيْهِ جورج مالبرنو وكريستيان شينو، أشار إليك بصفتك مسهِّلاً لدعم إقليمي لجبهة النصرة. هل توافق على ما جاء في توثيق الكاتبين؟ وهل تعتقد أن "هيئة تحرير الشام" وريثة "جبهة النصرة" هي قوة ثورية سورية، رغم تصنيفها الدولي بأنها منظمة إرهابية، أم لديك تصنيف آخر لها يمكنك الحديث عنه؟
القضية السورية إشكالية
يقول الحكيم في رده على سؤالنا الثاني المتعلق بكتاب أصدره فرنسيان حول علاقته بجبهة النصرة وتمويلها:
الكلام بدون أدلة سهل، أستطيع الآن أن أروي لك الكثير من الحكايات، وأضع فيها أسماء كبيرة من المعارضة من أجل الإثارة، أو من أجل تشويه بعض الشخصيات، كما حدث في قضية الجوازات من قبل، وهي قضية شائكة ربما نتحدث عن آثارها وحكايتها الحقيقية فيما بعد، ولكن الغالبية من الناس يعلمون حجم التأثير الإيجابي لهذه القضية، واستغلها مَن يحبون الإثارة بطريقة سلبية جداً لأغراض شخصية وغير مهنية.
المهم، يضيف الحكيم: بالإضافة لما سبق، هناك تيار عالمي يريد تشويه كل الشخصيات التي لديها خلفية عمل إسلامي، لخلق الجدل حولها، والقضية السورية بشكل عامّ قضية إشكالية، تجذب اهتمام القراء والدارسين، وسرد المعلومات فيها بطريقة تحتوي أسماء تجعلها معلومات مغرية، ولكن أين الدليل؟ لا يوجد أدلة، يوجد روايات كاذبة في كل مكان، وعلى الإعلام الرصين والذي ينشد الحقيقة التأكد قبل نقل المعلومات، باختصار هذا كلام عارٍ عن الصحة.
لكن الحكيم، يجيب حول علاقته بجبهة تحرير الشام، معتبراً أن ذلك مجرد اتهام لا دليل عليه، حيث يقول: "نعود لقضية التصنيف، بصراحة لا قيمة لتصنيف نذير الحكيم، ولن يأخذ أحد به، سواء قلت لك إن هيئة تحرير الشام إرهابية أو ليست إرهابية، ما الفرق؟!".
ويضيف: "الدول هي التي تصنّف، ومعظم الدول صنّفت هيئة تحرير الشام ضِمن قوائم الإرهاب، وعلينا التعامل مع هذا الواقع كمعارضة، وإلا فسندخل بمشكلات كبيرة مع هذه الدول، نحن في غنى عنها، وكثير من هذه الدول تصنف كيانات بالإرهاب وتتعامل معها، كما يحدث بين الولايات المتحدة وبعض الميليشيات الانفصالية، وغيرها في مواقع مختلفة من العالم. ما يهمنا دائماً في جميع تعاملاتنا هو مصلحة الثورة والقضية السورية، وبناء عليها نقوم بأعمالنا، وغير ذلك لا نهتم به على الإطلاق.
”نداء بوست“: المفاوضات مع نظام الأسد تحتاج إلى ميزان قوى تتمتع به قوى الثورة والمعارضة، ونتيجة غياب هذا الميزان يتم الالتفاف على القرار 2245 وتعطيله من قِبل نظام الأسد وحلفه الروسي الإيراني. ما المطلوب ثورياً وسياسياً لتعديل ميزان القوى لصالح قوى الثورة؟ وهل هناك ظروف موضوعية وذاتية في ظل انخراط إقليمي ودولي في الصراع السوري لتعديل هذا الميزان؟
الالتفاف حول المعارضة قوة
يقول الدكتور نذير الحكيم عضو الهيئة السياسية لائتلاف قوى الثورة والمعارضة، صاحب التأثير الأكبر فيها وَفْق آراء كثيرين: "أخبرتك في إجابتي على السؤال السابق، أن مساحات المناورة السياسية ضيقة للغاية، والمعارضة تتحرك فيها بكفاءة جيدة، والأمر مشابه بالنسبة للنظام، إذا أردت أن تُشبِّه القضية بالميزان، ولكن الموازين الدولية خلف المعارضة والنظام مختلفة، ونحن نحاول التحرك هنا لجعل المعارضة أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي، رغم كل الانتقادات التي نتعرض لها.
ويرى الحكيم: أن السياسة ليست لعبة تأخذ فيها وتعطي، الأمر أعقد من هذا بكثير، أحياناً تُعطي الكثير من أجل خطوة تستطيع أن تبني عليها لاحقاً، خاصة في قضية كالقضية السورية وحجم التشابك الدولي الموجود حولها، والمساحة الضيقة المتاحة للسوريين للمناورة والفعل السياسي.
ويعتقد الحكيم أنه: "كلما كان الناس أكثر وعياً وأكثر التفافاً حول المعارضة السياسية، كلما صار الميزان أفضل، وكلما استطعنا تحقيق نتائج ملموسة على الأرض أكثر، ولكن تحقيق هذا الشيء ليس سهلاً، خاصة أن النظام وحلفاءه يلجؤون للقوة العسكرية والمجازر بحق شعبنا، من أجل ألَّا يتيحوا لنا فرصة العمل السياسي، التي يعلمون جيداً أنهم سيخسرون لو استمرت العملية السياسية، وهو ما نناضل من أجل استمراره.
”نداء بوست“: يقول الغرب والمجتمع الدولي إنهم لا يقبلون بقيام دولة سورية ذات نظام سياسي يعتمد الإسلام السياسي كأيديولوجية. ما هو المطلوب من قوى الثورة والمعارضة لملاقاة هذه المطالب؟ ألا ترى أنها مطالب تعتدي على حق السوريين باختيار نظامهم السياسي وبِنْية دولتهم أيديولوجيّاً؟
الخيار للشعب السوري
وحول ملاقاة مطالب المجتمع الدولي، التي ترفض قيام دولة ذات نظام إسلامي، يقول الحكيم: "أنا أؤمن أن هذا هو خيار الشعب، لا أهتم حالياً بالموقف الغربي، فليس من حقهم أن يقبلوا أو لا يقبلوا، هو خيار الشعب السوري، ونحن سنحترم هذا الخيار كيفما جاء. والمطلوب من قوى المعارضة وغيرها حماية حق السوريين في تقرير مصيرهم، واختيار نظامهم ودولتهم ودستورهم، وترك مطلق الحرية للناس، ولتقدم القوى السياسية عروضها للناس بأمانة وصدق، وليتركوا الناس ليختاروا ما يناسبهم.
”نداء بوست“: هناك فكر تنويري يدعو إلى إعادة إنتاج مُقارَبة جديدة لتفسير القرآن الكريم، واعتماد رؤية معاصرة نتيجة التطور العلمي والاقتصادي والفكري عالمياً للسُّنة النبوية. ما موقفك من التنوير الإسلامي سيما أنك تتبنى فكر الشيخ حسن البنا مؤسس تنظيم جماعة الإخوان المسلمين؟ ألا تعتقد أن الفقه الإسلامي قبل ألف عام كان يعبّر عن حاجات مجتمعية لمجتمعات كانت ترتكز على درجة متدنية من التطور العامّ بصُعُده المختلفة، وأننا حالياً نعيش في مجتمعات تشهد درجات متقدمة من تطوُّر العلم والمعرفة والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي تحتاج فقهاً معاصراً؟
الفقه الإسلامي بحاجة لفقهاء
في رده حول فكره الأيديولوجي، يطرح نذير الحكيم نفسه كسياسي، وليس كفقيه إسلامي، لهذا فهو يرد على سؤالنا قائلاً:
"هناك تيارات متعددة في هذا العالم، كسياسي رأيي ليس مهماً لهذه التيارات، أنا أهتم بمصلحة بلدي حالياً، ولا أحبذ أن يتم وصفي بأني أتبنى فكراً معيّناً، أنا أتبنى تحقيق مصلحة السوريين وحريتهم ورَفاههم، ثم هم ليختاروا ما يشاؤون، الجواب حول الفقه الإسلامي بحاجة لفقهاء، وليس لأناس يعملون في السياسة، عندما أترك العمل السياسي، وأتفرغ للبحث العلمي والإسلامي مرة أخرى، اتصِلْ بي في ذلك الوقت، وسأخبرك برأيي واجتهادي في الموضوع، أمّا الآنَ فأنا أترك هذه المهمة للمختصين والمتفرغين، وأتبنى ما يصل إليه جمهور علماء سورية الأنقياء أصحاب المعرفة والخبرة والدراية.
”نداء بوست“: لو قلنا لك إلى أين تذهب التطورات والتعقيدات المُحِيقَةُ بالقضية السورية، هل يمكنك رَسْم سيناريوهات لمستقبل سورية؟
لا أحب بيع الوهم
يعتقد الدكتور نذير الحكيم أن رسم السيناريوهات قد يُسهم في خلق أوهام لدى السوريين، ولذلك يقول: "في وقت سابق طُرح تساؤل كهذا على وزير خارجية الولايات المتحدة، فأجاب بأنه لا يعرف رَسْم السيناريوهات، والكلامُ السياسي غير المسؤول سهل جداً، ولكن هل هذا يخدم الناسَ؟! ويضيف الحكيم: "أنا لا أحب بيع الوهم والتطمينات، كما لا أحب التشاؤُم، علينا أن نعمل وَفْق كل السيناريوهات الممكنة، لنحظى بما يستحقه السوريون بعد نضال وتضحيات كبيرة، ما زالت مستمرة منذ عشر سنوات، وهذا فقط ما يجب التركيز عليه.