المصدر: NB.C. الإخبارية
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ديفيد أ. أنديلمان
الرئيس الروسي المحبط فلاديمير بوتين يحتجز الزراعة الأوكرانية كـ رهينة فهو يغلق طرق البحر الأسود، ويقصف الصوامع والبنية التحتية ويتلاعب بطرق استهلاك أوكرانيا وبيعها للقمح والسلع الأساسية الأخرى. من الواضح أنه، في حالة يأسه، مُستعدّ لاستخدام أداة حرب جديدة يمكن أن تدمّر السكان المدنيين، ألا وهي الغذاء.
تحاول روسيا إزالة مصدر رئيسي للتجارة الأوكرانية ورفع تكلفة الحبوب، بينما تتدخل لتوفير الإمدادات لأجزاء من دول العالم تلك التي هي في أمسّ الحاجة للقمح من أي مصدرٍ كان. ولحسن الحظ، في قمة مجموعة السبع يوم الثلاثاء، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا في تحدي بوتين مباشرة في جهوده لتحويل الغذاء إلى سلاح.
فقد تعهّد زعماء دول مجموعة السبع بإنفاق 4.5 مليار دولار للمساعدة في التخفيف من نقص الغذاء الدولي الذي يزيد تفاقمه الغزو الروسي لأوكرانيا. ولا يوجد حتى الآن رفع للحظر الروسي أو وقف للشحنات المختطفة من الحبوب الأوكرانية التي يبدو أن روسيا تروّجها للدول الجائعة. لكن سيكون هناك دافع أقل بكثير لبوتين لحجب أو التخلص من المخزونات الضخمة من الحبوب التي تظلّ مُعبّأة في الموانئ الأوكرانية المُلغّمة أو في الصوامع التي ضربتها الصواريخ الروسية دون عقاب.
في الوقت نفسه، ستحصل البلدان المهددة بالمجاعة على المزيد من الإغاثة التي تحتاجها. فالآن، سيكون الأمر متروكًا للبلدان في جميع أنحاء إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص لاختيار الاصطفاف إلى جانب أحد الطرفين فيما أصبح فجأة ساحة معركة. هذه البلدان هي الأجزاء من العالم الأكثر سعياً للحصول على فتات من كميات الحبوب الموجودة في أوكرانيا، والتي هي واحدة من أعظم سلال الخبز في العالم.
لقد استخدمت أوكرانيا الموانئ على البحر الأسود لقرون من أجل نقل كميات هائلة من المنتجات الزراعية إلى الأسواق الدولية، وخاصة في إفريقيا. ففي وقت ما قبل الحرب، كانت أوكرانيا تستحوذ على 10٪ من صادرات القمح العالمية، و14٪ من الذرة ونصف صادرات زيت عباد الشمس.
لكن روسيا حاصرت موانئ أوكرانيا المُطلّة على البحر الأسود، إما عن طريق الاستيلاء عليها أو تلغيمها. وفي الوقت نفسه، هاجمت مخزونات ضخمة من الحبوب الأوكرانية الموجودة في تلك الموانئ المحاصرة أو في أي مكان آخر في صوامع ومستودعات للتخزين، وهي في انتظار الشحن إلى دول تكون في حاجة ماسة إلى هذه المحاصيل.
وبالفعل، ففي ميناء ميكولايف على البحر الأسود، تعرضت محطتان كبيرتان للحبوب – إحداهما مملوكة لشركة بانج المحدودة ومقرها ميسوري، والأخرى لشركة فيتيررا الكندية – من قبل روسيا، التي استهدفت ضرباتها الصاروخية أيضاً جسراً يستخدمه المزارعون الأوكرانيون للوصول إلى ميناء روماني رئيسي.
الجانب الآخر من اتخاذ روسيا الغذاء كـ “سلاح” هو أكثر خبثاً وتعقيداً – حيث تقوم بتقطير إمدادات الحبوب الغالية الثمن إلى الدول الراغبة، وحتى المتلهفة، التي قد يكون شعبها على شفا المجاعة. ويُزعم أنه تم الضغط على ما يصل إلى 10 ناقلات ترفع العلم الروسي للخدمة لنقل الحبوب الأوكرانية المسروقة إلى موانئ في سورية، وفقاً لتقرير استخباراتي من (ليودس ليست) التي تتخذ من لندن مقراً لها باستخدام بيانات تتبع السفن. ويمكن أن يصل إجمالي حمولة الشحنات المنقولة إلى 400000 طن من الحبوب.
ماتروس بوزينيتش، هي واحدة من بين ثلاث سفن حددتها وزارة الخارجية على أنها متورطة في هذه التجارة غير المشروعة. فخلال إحدى الرحلات الأخيرة، أوقفت السفينة جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بها، مما جعل تتبع مسارها مستحيلًا. كما تمّ رصد الحاملة، التي يُعتقد أنها مليئة بالحبوب الأوكرانية المسروقة، من خلال صور الأقمار الصناعية (ماكسار) وهي تصل إلى سورية ويتم تفريغها.
وقال سفير كييف في أنقرة فاسيل بودنار، والذي يريد أن يقوم الإنتربول بالتحقيق في الموضوع: “روسيا تسرق بلا خجل الحبوب الأوكرانية وتخرجها من شبه جزيرة القرم التي تعرضت للغزو”.
ومع ذلك، يقال إن هناك عدداً من الدول الأخرى على استعداد لأخذ الحبوب التي توفرها روسيا من أي مصدر لإطعام شعوبها. وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن بنغلاديش تسعى لشراء 200 ألف طن على الأقل من مصادر روسية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى الرئيس السنغالي ماكي سال، رئيس الاتحاد الإفريقي، مع بوتين في منتجع إجازته في سوتشي، سعياً وراء شحنات الحبوب إلى إفريقيا. وأشار سال إلى “العلاقات الأخوية القوية” بين روسيا وإفريقيا.
وقال سال متعجباً: “نحن الأكثر ضعفاً، فماذا نفعل؟” “نحن لسنا حقاً بصدد تحديد من المخطئ ومن هو المصيب. نريد ببساطة الحصول على الحبوب”.
في الواقع، قبل الحرب، كان ما يقرب من نصف جميع البلدان الأفريقية يعتمد على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا. وفي الشهر الماضي، قامت الولايات المتحدة بتنبيه 14 دولة، معظمها في إفريقيا، إلى أن روسيا ستبحث عن عملاء للقمح الذي نهبته في أوكرانيا.
ولحسن الحظ، تقوم الولايات المتحدة بما هو أكثر من التحذير للدول التي تنوي الحصول على الغذاء من روسيا. فقد قدّم النائب ديمقراطي عن ولاية نيويورك، جريج ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، مشروع قانون لمعاقبة الدول الإفريقية التي تشتري الحبوب المصادرة من أوكرانيا أو تلك التي تقف إلى جانب روسيا بأي شكل من الأشكال. كما أقرّ مجلس النواب المشروع وينتظر إجراء مجلس الشيوخ ليصبح قانوناً نافذاً.
لسنوات، بالطبع، كانت روسيا (وكذلك الصين) تقوّي صلاتها بإفريقيا بعناية – تمارس الأعمال التجارية وتكوين رصيد على الصعيدين المالي والدبلوماسي، بينما تجنبت الولايات المتحدة بناء العلاقات مع الكثير من دول القارة. فقد تسارعت هذه الديناميكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اختصر نظرته لتلك الدول بعبارة واحدة “دول قذرة”. وهذا لا يزال فعالاً حتى الآن.
كما تخلت أوروبا أيضاً عن جزء كبير من القارة لصالح المخططات الروسية. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شباط /فبراير أن بلاده ستسحب قواتها من منطقة واسعة من منطقة الساحل، حيث حافظت على النظام لفترة طويلة في مواجهة الأنشطة القتالية المتسارعة، حيث جعلت الانقلابات والإجراءات الحكومية الأخرى وضع القارة صعب التحمّل بشكل متزايد. ولقد تمّ استبدال القوات الفرنسية بأخرى من المرتزقة التابعين للكرملين، كـ مجموعة فاغنر. ومع تهديد المجاعة القائم في معظم أنحاء القارة، تقدّم روسيا الحبوب لتلك الدول.
لا يمكن للغرب أن يسمح لإفريقيا بأخذ الغذاء من روسيا. فعلى الرغم من أن رئيس مجموعة السبع، المستشار الألماني أولاف شولز، دعا سال، بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، للحضور كشاهد في مناقشة الأمن الغذائي في اجتماعات مجموعة السبع، إلا أن ميول سال تجاه بوتين تشير إلى أن الجهود الدبلوماسية لن تكون كافية. هذا هو السبب في أن إعلان يوم الثلاثاء عن المليارات من المساعدات الغذائية كان بالغ الأهمية.
يبدو أن الغرب بدأ في الاستجابة لنداء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تم إطلاقه كجزء من خطاب بالفيديو إلى مجموعة السبع في وقت سابق في القمة، للمساعدة في كسر القبضة الروسية الخانقة على شحنات الحبوب من بلاده. وإلى جانب المساعدات، قامت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بإخراج روسيا من سوق التأمين في لويدز لندن للسفن التي تحمل النفط الخام الروسي الخاضع للعقوبات. ويجب أن يكون التوسع في ذلك ليشمل السفن التي تحمل المنتجات الزراعية هو التالي.
على الجانب الآخر من المعادلة، فإن تجنب مقترحات روسيا المغرية عندما يكون شعبك في مجاعة جماعية هو قرار مؤلم. ولكن يجب أن تفهم هذه البلدان أنه ليس لديها خيار حقيقي سوى التوجه نحو الغرب من أجل الحصول على الغذاء. فبالنظر إلى حالة روسيا المنبوذة، فإن الوقوف إلى جانبها ليس وصفة طويلة الأجل للنمو والتنمية في بلدانهم.
ولطالما كان يُنظر إلى روسيا على أنها قوة موازية وبديلة للامبالاة الغربية تجاه إفريقيا وأجزاء أخرى من دول عدم الانحياز. لكن يجب على الغرب التعامل مع القارة والدول الأخرى التي تحتاج إلى القوت لتذكيرهم بأن السبب الرئيسي لنقص الغذاء الذي يعانون منه هو أفعال روسيا ذاتها. لأن تلك الدول في إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط تحتاج أن تفهم أن مصالحها طويلة المدى لا تكمن في التمسك بأهداف روسيا المتشددة، بل بمعارضتها.