“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
يشهد العراق منذ أكثر من شهرين انتشاراً غير مسبوق للعواصف الترابية، التي من المتوقع أن تستمر خلال معظم أيام الصيف الحالي، وسط مستويات من الجفاف وارتفاع كبير بنسب التصحر على مستوى البلاد عموماً، وصلت إلى الحد الذي أصبحت معه العلاجات الممكنة لتراجُع الأوضاع الحالية شِبه مستحيلة التطبيق. وتوقعت وزارة البيئة العراقية ارتفاع نسبة تصاعُد الغبار في البلاد من 272 يوماً في السنة بالوقت الحاضر إلى 300 يوم حتى عام 2050.
وصنّف البرنامج البيئي للأمم المتحدة العراق، مؤخراً، خامس دولة في العالم من المتوقع أن تعاني من الجزء الأكبر من التأثيرات السلبية للتغيُّر المناخي الحالي، وهو أمر عظّمت من تبعاته الإجراءات الحكومية شِبه الغائبة أو الخاطئة، إضافةً إلى الفساد الإداري المنتشر، واستمرار الانسداد السياسي الحالي، الذي بات يقف عائقاً أمام أي تحركات رسمية ممكنة لمعالجة الأوضاع، وسط توقُّعات بانتشار أكبر لنسب البطالة، وتراجُع كبير في المستوى الأمني.
وباتت اليوم المشاريع السابقة، التي وضعتها السلطة بعد التحذيرات والإنذارات الصادرة عن الأمم المتحدة من اقتراب خطر التغير المناخي، وانتشار العواصف الترابية بين معطلة وأخرى فاشلة نتيجةً لتقلص حصص العراق المائية، بعد قيام دول المنبع بإنشاء سلسلة من السدود والبحيرات الصناعية، في محاولات منها لتفادي التأثيرات السلبية للتغير المناخي، والتي باتت حالياً واقعاً على الساحة العراقية.
وجاء سيناريو التغيُّر المناخي في خضم أوضاع سياسية واقتصادية متباينة عطلت من قدرة السلطات على إيجاد وتنفيذ الحلول بشكل عاجل، على الرغم من الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي يشهده الاقتصاد العراقي إثر ارتفاع أسعار النفط، وهو انتعاش اقتصادي وصفته شبكة “ذا ناشيونال نيوز” بأنه “الفرصة الأخيرة للعراق لإنقاذ اقتصاده قبل الانهيار الحتمي المتوقع”، على حد وصفها.
وقد باتت التبعات السلبية، التي ما زال العالم يتوقع حدوثها قريباً، واقعاً ملموساً في العراق، بحسب ما أوردت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها نشرته في الخامس عشر من إبريل الماضي، أكدت خلاله أن البلاد ستشهد انهياراً في قطاع السياحة الناشئ، على الرغم من الانتعاش النسبي الذي بات يحظى به حالياً مع تحسُّن الأوضاع الأمنية في معظم أجزاء البلاد.
وقد انطلقت بداية تلك التأثيرات من تصدع وانهيار المدن السياحية، والمواقع الأثرية الحالية نتيجةً لارتفاع نسب الملوحة، التي تبعت الجفاف الشديد الذي تعاني منه البلاد، حيث أكد البروفيسور المختص بعلوم بلاد النهرين في جامعة كامبردج أوغست مكهون أن المدن الأثرية، مثل أور وبابل، باتت الآن عرضةً للانهيار بسبب تآكُل بنيانها الطيني نتيجةً لارتفاع نسب الملوحة، الأمر الذي قال إنه سيؤدي إلى “فجوة كبيرة في المعرفة البشرية، حيث تنهار الآن البنى والعمران لأقدم المدن البشرية في التاريخ”، محذراً مما وصفه بـ”انهيار المعالم التاريخية في بلد مهد الحضارات”.
وكان تهديد المواقع الأثرية العراقية المشهد الأول لتبعات التغيُّر المناخي على الأوضاع العراقية، إذ أكدت الأمم المتحدة بحسب “الغارديان” أن الأجواء العراقية صارت “أكثر حرارةً وجفافاً عن السابق بنسبة الضعفين، وباتت العواصف الترابية، التي تهدد الأمن الغذائي العراقي، ترتفع من 120 يوماً في العام إلى 300 يوم، الأمر الذي سيغمر معظم مدن الجنوب العراقي، خاصةً، بالمياه المالحة التي تدمّر النبات والعمران”.
وفي سياق متصل، أوردت وسائل إعلامية تأكيد منظمة “نيو سيكيورتي بيت”، في تقريرها الصادر في التاسع من الشهر الحالي، أن “غياب الاهتمام الفعلي بالتعامل مع تبعات التغيُّر المناخي في العراق، على الرغم من كون البلاد خامس أكثر بلدان العالم تأثراً بتبعات التغيُّر السلبية، ستؤدي في المستقبل القريب إلى انهيار في البنى التحتية والخدمية للبلاد، إضافةً إلى انتشار أكبر للبطالة، وتراجُع كبير يصل إلى الانهيار في الاقتصاد العراقي”، مشددةً على ضرورة أن تتخذ الحكومة العراقية إجراءات عاجلةً للتقليل من الآثار السلبية للتغيُّر المناخي “قبل فوات الأوان”، على حد تعبيرها.