مرَ الجميع بتجربة مغادرة المكان الذي كان يقطنُ به أو الذي نشأ في بيئته، والبعض كان ينتقل من القرى إلى المدن لغايات وأسباب كثيرة، لكن هل سمعتم بشعب يغادر أرضه وبلده بالكامل ولا يتمنى العودة إليه.
اختار الشعب السوري أن يغادر سورية للبحث عن مكان أكثر أماناً وحياة أفضل من العيش بمزرعة ومسالخ الأسد، فلا يوجد عائلة إلا وقد ذاقت ويلات الاضطهاد والانتهاكات والعيش بأدنى مقومات الحياة والانسانية كما حدث ومازال مستمراً في سورية لغاية الآن.
فمنهم من فرّ لمجرد أن هويته سنية ومنهم من فر لأنه يعتنق ديانة السيد المسيح والنسبة الأكبر هربت بسبب آرائهم السياسية وعدم القدرة على العيش في تلك المزرعة.
وعندما لاحت تلك الرحلات بأمل جميل ومستقبل أفضل في بعض البلدان، وجد السوريون أن فوبيا المخاطر والخوف مازالت ترافقهم، فلا استقروا ولا استطاعوا التخلص من عقدة الحماية المؤقتة، ناهيك عن العنصرية والكراهية والتمييز اليومي، فالعزلة والوحدة جعلتهم منغلقين على أنفسهم لأنهم فقدوا شبكات الدعم التي تُعرف بالمجتمع والأقارب والأصدقاء.
لم يطلب الشعب السوري من أصدقائه الكثير سوى عمل محترم بأجر كريم يساعده على توفير احتياجاته وملاذ يحميه وعائلته من الكوارث البشرية والطبيعية، ورغم أن الكثير من السوريين قدم التنازلات إلا أنها لم تشفع لهم من خطابات براعم السياسة وحسابات الأحزاب المتنافسة، فوجد السوري نفسه ورقة يلوح الجميع، بها فتارة يضرب بتلك الورقة على طاولة الحوار وتارة أخرى تعود إلى رفوف المكاتب المكدسة بمشاكل ذلك البلد أو غيره.
لم يعد الشعب السوري يبالي بكثرة التصريحات حوله، ويبدو أن قضية العودة والموت بكرامة أفضل بكثير من حلم لن يتحقق، فلا تقديم التنازلات والسكوت قد حسن من وضعه ولا العيش بشكل مهين قد وافق كرامته.
واليوم نرى الشباب السوري الذي سعى وحاول بكل الوسائل أن يتأقلم ويندمج وألا يضطر للمغادرة مرة أخرى لأوروبا بالتفكير بإعادة رحلة اللجوء والمخاطرة لعله آخر فرصة في الوصول إلى الجنة الموعودة والشق الآخر والذي يعتبر هو الأكبر نوعاً ما بالعودة إلى سورية مُسلماً نفسه وذويه إلى القدر، لأن المضحك المبكي في قضية لجوء السوريين والتحكم بمصيرهم يديره ساسة معظمهم لاجئون.