نداء بوست- أخبار سورية- متابعات
أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم الإثنين أن الذكرى الأربعين لمجزرة حماة 1982 تزامنت مع عودة رفعت الأسد إلى سورية.
وأشارت الشبكة إلى أن هيئات الأمم المتحدة خلَتْ من أية إشارة إلى المجزرة على الرغم من أن جرائم القتل والاختفاء القسري تُشكِّل جرائم ضد الإنسانية.
كما ذكر التقرير -الذي جاء في 25 صفحة- أن شهر شباط/ فبراير يحمل في طيّاته ذكرى أليمة لدى الشعب السوري، ويمثل شباط/ فبراير 2022 ذكرى مرور أربعين عاماً على ارتكاب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد مجزرة مروّعة في مدينة حماة عام 1982 امتدت على مدى الشهر بأكمله.
وأكد التقرير أن سورية ما زالت تُحكَم من قِبل العائلة ذاتها، بل إن أربعين عاماً من الإفلات من العقاب تُوِّجت بعودة رفعت الأسد المتورِّط الأبرز في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدينة حماة 1982.
وأشار التقرير إلى أن إحياء ذكرى المجازر الضخمة، والتي سبقت اندلاع الحراك الشعبي في آذار/ مارس 2011 وما زال أثرها ممتداً حتى الآن يُعتبَر جانباً مهماً من كشف جزء من الحقيقة ومن الدفاع عن حقوق الضحايا وفضح مرتكبي الانتهاكات. وقال: إن الإحصائيات الواردة فيه هي إحصائيات تقديرية وليست بيانات لجميع الضحايا، لكنها مُستنِدة على قسم كبير من البيانات.
وذكر التقرير وجود بيانات لقُرابة 3762 مختفياً قسرياً من أبناء مدينة حماة، إضافة إلى بيانات لقُرابة 7984 مدنياً تم قتلهم.
إلا أن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود، وقال التقرير: إن مما جعل من توثيق المجزرة عملية معقَّدة: طولَ المدة الزمنية، والضعفَ الشديد في التغطية الإعلامية العالمية أو الإقليمية، وانعدامَ وجودِ الصحافة المحلية، وقضاءٍ وطنيٍّ مستقلٍّ، بسبب هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث.
ويقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في ذكرى مجزرة حماة : “تتزامن ذكرى مجزرة حماة شباط/ فبراير 1982 هذا العام التي قتل فيها النظام السوري عشرات الآلاف من أبناء المدينة وأخفى عشرات آلاف آخرين مع عودة رفعت الأسد إلى بشار الأسد، وهو المتهم الرئيس في ارتكاب المجزرة بعد أن تُوفِّي حافظ الأسد، والذي كان يرأس الجيش والقوات المسلحة، وهذا تجسيد فظيع لثقافة الإفلات التامّ من العقاب، كما أن من المخزي عدم وجود أية وثيقة أممية توثّق المجزرة وتطالب بكشف مصير عشرات آلاف الضحايا ومحاسبة مرتكبيها، على الأمم المتحدة واجب تصحيح خطئها التاريخي”.
وأشار التقرير إلى هيمنة حافظ الأسد على الدستور والإعلام والأحزاب والحياة السياسية، وكيف أن كل ذلك مهَّد الطريق لارتكاب مجزرة حماة دون ردة فعل من المجتمع أو المعارضة. وسردَ التقرير بشكل موجَز تفاصيل منذ استيلاء حزب البعث عَبْر انقلاب عسكري دموي على السلطة في سورية في آذار/ مارس 1963، مُطِيحاً بالرئيس الأسبق ناظم القدسي وحكومته المنتخَبة ديمقراطياً، وما تَبِعَ ذلك من إعلان حالة الطوارئ، وصولاً إلى استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، ثم إصداره دستور 1973، الذي وصفه التقرير بأنه يعارض أبسط مبادئ حقوق الإنسان. وطبقاً للتقرير فقد أصبح حافظ الأسد يهيمن على الدولة السورية، مستنداً إلى حالة الطوارئ، والمحاكم الشاذة، والتحكم بالسلطات الثلاث، إضافة إلى قوات الأمن، والجيش، والنقابات، وإعدام الصحافة، وكل هذا مهَّد له ارتكاب مجزرة سجن تدمر 1980، وبعدها مجزرة حماة 1982، دون أيّ تداعيات داخلية تُذكر، وأيضاً دون إدانات وتداعيات دولية على مستوى الكارثة التي وقعت.
واستعرض التقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة حماة في شباط/ فبراير 1982 والتي شكَّل بعضها جرائمَ ضد الإنسانية، وأوردَ قائمة بأبرز القوات المتهمة بتنفيذ المجزرة، وقال: إن النظام السوري حشد قوات من الجيش وأجهزة الأمن، فرضت شكلاً من أشكال الحصار على مدينة حماة نهاية كانون الثاني/ يناير 1982. واستعرض التقرير تفاصيل الهجوم الذي استمرَّ قُرابة شهر، وتحدث بشيء من التفصيل عن أبرز الأيام الدموية التي شهدتها المجزرة، وعلى هذا الصعيد قال التقرير: إن قوات تابعة للنظام السوري قوامها نحو 20 ألف شخص قد بدأت قصف مدينة حماة، قُرابة الساعة 20:15 من مساء يوم الثلاثاء 2 شباط/فبراير 1982 بقيادة رفعت الأسد، وكانت ذريعة السلطات، هي القضاء على بضع مئات من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والتي كان قد دخل قسم منها في صراع مسلح مع السلطة، واختبأ بضع عشرات منهم بين صفوف المدنيين من أبناء المدينة. بدأت قوات النظام السوري بقصف تمهيدي واسع لأحياء عديدة وبشكل عشوائي بالمدافع والرشاشات، ثم اقتحم عدد من القوات المدينة من عدة محاور، وقامت بعمليات إعدام ميداني وقتل عشوائي، إضافة إلى العشرات من عمليات النهب والعنف الجنسي، تحدث التقرير عن تدخُّل سلاح الطيران ودخول الدبابات وقصفها المنازل دون تمييز بين مدنيين ومسلحين، وأكد التقرير اعتقال قوات النظام السوري المئات من أبناء المدينة، دون توجيه تهمة، وقامت بإعدام البعض منهم رمياً بالرصاص في الشوارع.
وبحسب تقرير الشبكة السورية فقد بقيت عمليات القصف والاشتباكات مستمرة دون توقُّف حتى يوم الجمعة 5 شباط/ فبراير، عندما بدأت قوات النظام السوري عمليات اقتحام الأحياء، واستكملت دباباته تدميرها، وقتلت عشرات المدنيين داخل منازلهم، إضافة إلى عمليات قتل لجرحى، واستهداف عائلات بأكملها بمن فيها من نساء وأطفال وشباب، لمجرد انتماء بعض أفرادها لجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى نهب محتويات المنازل، ثم حرقها، مع ترديد وكتابة عبارات تحمل صبغة تطهير طائفي. ووفقاً للتقرير فإن هذا العنف المتوحش من قِبل السلطة، وإدخال البُعد الطائفي، دفع جماعة الإخوان المسلمين للنداء عَبْر مكبرات المنازل للانضمام لقتال النظام السوري على خلفية دينية، وقد التحق قسم من شباب المدينة من غير المنضوين إلى الإخوان المسلمين بالمسلحين للدفاع عن منازلهم وعائلاتهم.
ووفقاً للتقرير فقد شهد السادس من شباط/ فبراير عمليات إنزال جوي قامت بها قوات النظام السوري ترافقت مع أفعال سادية. ومن ثَمّ استمرت عمليات القصف والاقتحام والاشتباك في مختلف أحياء المدينة حتى الإثنين 8 شباط/ فبراير، تاريخ سيطرة قوات النظام السوري على منطقة السوق جنوب نهر العاصي، لتبدأ من اليوم التالي سلسلة اقتحام الأحياء تباعاً، واحتجاز أُسَر كاملة، ثم قتلها رمياً بالرصاص، واستمرت الاشتباكات في عدد من الأحياء حتى 23 شباط/ فبراير، واتبعت قوات النظام السوري سياسة التدمير الشامل، ولم ينجُ تقريباً أحد من سكان تلك الأحياء. وقال التقرير إن قوات النظام السوري استمرت بعمليات الملاحقة، والقتل على الهُوِيَّة، حتى يوم الأحد 28 شباط/ فبراير، وبدأت بعض القوات المحيطة بالمدينة بالعودة إلى ثكناتها العسكرية، وبقيت العديد من الحواجز العسكرية داخل المدينة، ولكن عمليات القتل والتصفية الفردية لم تتوقف، بل استمرت حتى منتصف آذار/ مارس 1982.
ونوه التقرير بأن الحملة العسكرية تسببت في مقتل 40 ألف مدني بمدينة حماة وقُرابة 17 ألف مفقود حتى الآن، ولا يعلم التقرير عدد القتلى من المسلحين في صفوف الإخوان المسلمين ومن قوات النظام السوري، إضافة إلى تدمير قُرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دُمر العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية منها، وقد عرض التقرير خريطة أوضحت مواقع أبرز الأحياء التي تعرضت للدمار بشكل كلي أو شِبه كلي. ووفقاً لما جاء في التقرير فقد ظلَّت مدينة حماة تحت حصار مُطبق طيلة شهر شباط/ فبراير، مع فرض حظر تجوال واسع على سكانها.
كما جاء في التقرير أنه بموجب القانون الدولي فإن الدول مسؤولة عن الانتهاكات التي يرتكبها أفراد قواتها المسلحة، أو أشخاص أو كياناتٌ مفوضون من قِبلها، ويجب أن تفتح تحقيقات فيها، وأن تلتزم بالتعويض الكامل عن الأذى والخسائر. وحمَّل التقرير مسؤولية الهجوم للنظام السوري، ووصفه بأنه نظام في بنيته شديد المركزية، ولا يمكن القيام بمهامّ عسكرية ضخمة، دون علم وموافقة رأس النظام السوري حافظ الأسد، وهو في الوقت ذاته القائد العامّ للجيش والقوات المسلحة، كما أن مجزرة حماة امتدت قُرابة شهر كامل، وبالتالي يستحيل أن قيادات الجيش والأجهزة الأمنية لم يسمعوا بها، ولم يقم النظام السوري بمنع ارتكاب الانتهاكات، أو المعاقبة عليها، بل تُظهر الأدلةُ والشهاداتُ أنه كان هناك انخراط وأوامر مباشرة بارتكاب عمليات قتل وتصفية واعتقال وإخفاء قسري وتعذيب. وفي هذا السياق استعرض التقرير أبرز الأفراد المتورطين في ارتكاب عمليات القتل والإخفاء القسري والنهب والتدمير في شباط/ فبراير وآذار/ مارس 1982 في مدينة حماة.
وأخيراً اعتبر التقرير أن تجاهُل الأمم المتحدة المخزي للمجزرة هو إهانة للضحايا، ما زال أثرها ممتداً حتى الآن، مُطالِباً الأمين العامّ بالإشارة لمجزرة حماة والاعتذار للضحايا، ومشيراً إلى أنه من غير المقبول، ولا المفهوم، أن تبحث بين سجلات الأمم المتحدة فلا تجد شيئاً يُذكر عن كارثة إنسانية بحجم مجزرة حماة 1982، كما لفت التقرير إلى تقصير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهيئة حقوق الإنسان في ذلك الوقت بحق ضحايا هذه الكارثة. مؤكداً أن ما فشلوا به في تلك الحقبة، لم يتم تدارُكه بعد تأسيس مجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان حتى اللحظة. وموضِّحاً أن معاناة أهالي مدينة حماة كانت مُضاعَفة بدايةً من الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبها النظام السوري بقيادة حافظ الأسد، وثانياً تخاذُل المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وانعدام شِبه كامل لردة الفعل السياسية من قِبل دول العالم الأول الديمقراطية، وثالثاً غياب رِدّة الفعل الأممية والحقوقية والإعلامية، ووصف التقرير أن معظم ما كُتب عن المجزرة كان يتبنَّى بشكل أو بآخر رواية النظام السوري، مقابل رواية مئات الناجين وأقرباء الضحايا.