نداء يوست- محمد جميل خضر- عمّان
يراقب السوريون في الأردن -بعيون دامعة على ضحايا مذبحة حي التضامن- مآلات الأحوال في بلدهم سورية، منتظرين أي نتائج إيجابية ممكنة في حال ضعفت قوة الدب الروسي بعد تورطه الدموي في أوكرانيا، وضَعْف أوراق سيطرته على رأس النظام وتحكُّمه بمختلف تفاعلات البلد الجريح مع محيطه الأقرب والأبعد.
وهم، في سياق متصل، لا يعوّلون كثيراً على إعلان النظام الاستعراضي إفراجه عن آلاف المعتقلين من سجونه المعتمة، ويتابعون، كما يتابع غيرهم، المشاهد المؤلمة الآتية من دمشق وإدلب وحمص وغيرها، لمئات الناس الواقفين في شوارع الصبر والغضب، ينتظرون طلّة أب، أو ابن، أو شقيق، أو زوج، أو قريب، أو جار، أو صديق، أو حبيب غائب.
خليل المارديني ضحك حين سألته “نداء بوست” عن إمكانية معاقبة المجند (ضابط الصف) أمجد اليوسف الذي ظهر في فيديو جريمة حي التضامن.
وفي ضحكته الجواب جميعه، فالمعروف أن آل المارديني المقيمين في الأردن لا يفضلون الإسهاب بأي حديث حول أوضاع بلدهم سورية التي غادروها قبل الثورة بأعوام طوال.
ضحكة خليل تحوّلت، على ما يبدو، إلى عدوى ينقلها الغبار الذي تكثّف حضوره في أجواء المكان خلال الأيام الماضية، فها هو الممثل السوري محمد كبّور يطلق الضحكة نفسها.
بين الضحكة المعبّرة والصمت الذي يقول أكثر مما يضمر، قال السوريون الذين قابلناهم أو اتصلنا بهم أكثر مما صرّحت كلماتهم القليلة، فالحذر لا يزال سيّد الموقف، والحكومة الأردنية باتت ترقب ردود فعل السوريين داخل المخيمات وخارجها، حتى أن أحدهم قال لي إن علم الثورة أصبح تهمة، ولم يتسنَّ لي التحقق من الأمر من خلال أي مصدر مسؤول.
هم، بمعظمهم، يراقبون ويرقبون، الانتظار الصبور ديدنهم، لا يعدمون أبواب الأمل، “نحن محكومون بالأمل” يقول الإعلامي السوري شكري زين العابدين مقتبساً عبارة سعد الله ونّوس.
أما الجار السوريّ الزبدانيّ (أبو محمد) فإن وجهة حديثه ذهبت باتجاه المخطوفين، فالأولى بالنسبة له أن يعترف النظام ابتداء بمن خطفهم، قبل أن نشرع بالحديث عمّن ينوي الإفراج عنهم.
إشارة (أبي محمد) اللافتة ذكّرتني بابنة خالتي ميسر العيساوي التي اختفت قبل زهاء 38 عاماً أثناء وجودها في دمشق؛ كانت هي وزوجها عندما قرر زوجها الانشقاق عن “فتح” والتحوّل إلى “فتح الانتفاضة” المدعومة من النظام السوري، وهي رفضت الانشقاق متمسكة بانتمائها إلى التنظيم الأم، وما هي سوى أيام، وكان ذلك في عام 1984، بعد موقفها وحصول هذا الشق بينها وبين زوجها، حتى اختفت، وإلى الأبد.
وعندما وصلت المطالبة بها إلى أعلى المستويات المسؤولة في البلديْن، وكما أخبرتني، مرّة، خالتي التي رحلت وهي تنتظر ابنتها (رحلت خالتي في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، قاضية 34 عاماً من الانتظار الحزين)، أن الملك الراحل الحسين بن طلال سأل، بعد إلحاحها، مرّة، خلال تقاربات 1997، بين النظاميْن، عنها، فأخبره حافظ الأسد “إن كنت تستطيع معرفة مكانها، وفي أيّ سجن هي، فلا مانع لدينا من أخذها معك”!
في سياق متصل، تصدّر وسم (#مجزرة_حي_التضامن) خلال الأيام القليلة الماضية، قائمة الترند الأكثر تداولاً في الأردن.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت فيديو يوثق عملية إعدام جماعي نفذتها قوات تابعة للنظام السوري في حي التضامن جنوبي دمشق عام 2013.
الكاتب الصحافي ياسر الزعاترة استهجن إصدار رئيس النظام السوري عفواً عاماً عن (الجرائم الإرهابية) بعد انتشار فيديو وثّق المجزرة قائلاً: “هنا قتلة معروفون لم يسائلهم أحد. يحميهم صاحب المرسوم!”.
وعلق الكاتب والشاعر أيمن العتوم قائلاً، “السّجون لا تحمي الأنظمة القمعية، والمذابح لا تُثبّت سلطتَها، والإكراه لا يجلبُ الاعتقاد”.
الناشط والأسير المحرر سلطان العجلوني كتب: “لم نكن بحاجة لفيديو جديد يثبت إجرام نظام كلب دمشق وتجرده من الإنسانية فهذا أمر ثابت بالتواتر من لحظة تأسيسه حتى زواله القريب، ولم أتفاجأ بردة الفعل الصامتة للنظام الدولي وأنظمة عارنا العربية، فالحقيقة الثابتة أنه ابنهم وخادمهم وواحد منهم”.