المصدر: فاينانشيال تايمز
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: تحقيق صحافي للفاينانشيال تايمز
نشرت صحيفة الفاينانشيال تايمز استقصاءً صحفياً يكشف عن الطرق التي تسلكها السفن الروسية المحمّلة بالحبوب المتنوعة والمواد الأخرى كالصلب وتمخر بتلك الموادّ عُباب البحار لتصل إلى نقاط تقوم فيها تلك السفن بإغلاق أجهزة الاستقبال والإرسال مما يجعل طرقها ومسيرتها ونقاط وصولها غامضة للغاية.
ويقول التحقيق الذي قام فريق “نداء بوست” بترجمته: إنه وبالنظر إلى أنه لا توجد عقوبات على استيراد الغذاء من روسيا، لأنها مصدر رئيسي للحبوب إلى العالم، فإن وصول شحنات روسية إلى معظم الدول لن يمثل أي مشاكل قانونية. وتستفيد روسيا من ذلك لتقوم بخلط الأوراق والتخفّي من أجل إيصال شحنات من الحبوب وموادّ الصلب إلى مناطق مشبوهة وبطرق ملتوية.
وفي عملية الاستقصاء التي قامت بها الصحيفة، قامت باستخدام الصور من (بلانيت لابس)، وهي منصة للتصوير عَبْر الأقمار الصناعية، فجاءت صور تؤكد معظم افتراضات فاينانشيال تايمز وبعض الصور ألغت افتراضات أخرى.
ويقول التقرير إنه “حتى قبل تدفق القوات الروسية على أوكرانيا في شباط /فبراير، كان شحن البضائع من شبه جزيرة القرم غير قانوني بالنسبة للعديد من الشركات: فالمنطقة مغطاة بمجموعة من العقوبات منذ ضمها في عام 2014. واستهدف المالكون المسجلون لمحطة الحبوب في سيفاستوبول بشكل مباشر من قبل العقوبات الأمريكية لكونها شركة تابعة لشركة روسية مملوكة للدولة، شركة بناء السفن المتحدة. كما أن الشركات التي تتاجر مع الأراضي المحتلة في القرم تخاطر باتخاذ إجراءات من قبل المدعين العامين الأوكرانيين”.
لكن في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الشحنات أكثر إثارة للجدل بعد أن زعمت السلطات الأوكرانية أن موانئ القرم، بما في ذلك سيفاستوبول، تستخدم لتصدير الحبوب المنهوبة من بلادهم، بشكل أساسي من مناطق الجنوب الشرقي التي احتلتها القوات الروسية هذا العام. وفي أوائل حزيران/ يونيو، اعترفت وسائل الإعلام الرسمية الروسية بأن الحبوب كانت تُرسل من ميليتوبول، في جنوب أوكرانيا المحتل، لتصديرها من شبه جزيرة القرم.
ولكن لا يوجد دليل على أن الحبوب التي يتم شحنها من شبه جزيرة القرم على متن سفينة فيدور أو غيرها من السفن التي تم تحليلها من قبل الفاينانشيال تايمز قد سُرقت من أجزاء من أوكرانيا تحتلها روسيا الآن.
ومع ذلك، هناك نمط من النشاط يشير إلى زيادة التهريب من القرم. فعلى الرغم من قلّة البيانات حول حجم الصادرات عبر الميناء، يقول النشطاء الأوكرانيون الذين يراقبون الميناء إنهم شهدوا زيادة في حركة الحبوب في سيفاستوبول في أيار /مايو وحزيران/ يونيو مقارنة بالسنوات السابقة.
ويشير تحليل الصحيفة لصور الأقمار الصناعية، جنباً إلى جنب مع سجلات الموانئ، إلى أنه في أيار/ مايو وحده، تم تصدير حوالي 140.000 طن من الحبوب من محطة سيفاستوبول في ثماني شحنات منفصلة. ويعادل هذا التدفق الإجمالي حوالي 6 في المائة من صادرات الحبوب الروسية المعروفة خلال الشهر، وفقاً لمنصة بيانات الشحن (سي). وبالنظر إلى أن روسيا هي واحدة من أكبر مُصدّري المواد الغذائية في العالم، فإن ذلك يمثل كمية كبيرة من الحبوب التي يتم شحنها من ميناء يخضع لعقوبات دولية.
من بين السفن الثماني التي تم تصويرها في سيفاستوبول، لم يتم التعرف على واحدة أو تعقبها. وقد تمّ إرسال أربع إلى سورية، مع تصريحات الجمارك والموانئ التي تشير إلى أن الكمية المحمولة على متن تلك السفن كانت حوالي 90 ألف طن. وذهب الثلاثة الآخرون – وهم يحملون حوالي 43 ألف طن – إلى مواقع أخرى.
تُظهر الرحلات الخطوات المباشرة نسبياً التي يمكن للشركات الروسية العاملة في البحر الأسود استخدامها للتهرّب من العقوبات غير المكتملة المفروضة على البلاد – من إيقاف تشغيل الأجهزة التي تبلغ عن مواقع السفن في البحر إلى تزوير البيانات الورقية.
ويعتقد خبراء الشحن أن خرق العقوبات عبر القرم يبرز مدى صعوبة منع تهريب الحبوب وغيرها من السلع المنهوبة من أوكرانيا. كما يُسلّط الضوء على الصعوبات المحتملة لفرض عقوبات على تصدير السلع الروسية الأخرى، مثل الفحم والصلب عبر البحر الأسود.
وقد أعلنت روسيا أنها بدأت في إعادة فتح موانئ أخرى على البحر الأسود تم احتلالها، بما في ذلك بيرديانسك وماريوبول، واتُهمت باستخدام تقنيات منتشرة في تجارة الحبوب غير المشروعة لتهريب الصلب الذي صادرته القوات الروسية.
ووفقاً لماثيو رايت، كبير محللي الشحن في (كبلير)، وهي شركة تحليلات للسلع الأساسية، فإن الشحنات التي جاءت من سيفاستوبول في الأسابيع الأخيرة “ربما تكون أكثر الحبوب غير القانونية بشكل صارخ التي تدخل السوق – ربما سُرقت، بالتأكيد من مصدر خاضع للعقوبات وتم تصويرها بالفعل”.
موقع إستراتيجي
عندما ضمت روسيا شِبه جزيرة القرم في عام 2014، سيطرت بشكل كامل على القاعدة البحرية في سيفاستوبول التي كانت لفترة طويلة موطناً لأسطولها في البحر الأسود. لكن موسكو سعت أيضاً إلى تطوير الميناء كمشروع تجاري. فالعديد من الشركات التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من شحن الحبوب من القرم هي شركات تابعة لمؤسسات حكومية روسية.
وتريد روسيا تشجيع التجارة عبر سيفاستوبول لدمج شبه جزيرة القرم في بقية البلاد وبناء قبول دولي لاحتلالها للمنطقة. وقد حدّدت فاينانشيال تايمز صادرات الحبوب من شبه جزيرة القرم التي تمت قبل هذا العام إلى سورية، الحليف الروسي الذي يتجاهل العقوبات الأمريكية، وكذلك إلى ليبيا ودول أخرى.
ووفقاً لأحد مصدري الحبوب الروسي، فإن نقل الحبوب عبر شبه جزيرة القرم سريع ورخيص بسبب بنيتها التحتية وموقعها. مع وجود ميناء في المياه العميقة يمكن أن يستوعب السفن الكبيرة، كما يقول، فإن سيفاستوبول أفضل ميناء لتصدير الحبوب منه.
ومنذ بدء الغزو، في نهاية شباط/ فبراير، أصبح سيفاستوبول أقرب ميناء رئيسي لكثير من الأجزاء المحتلة حديثاً في أوكرانيا. وقد تمّ الإبلاغ عن وجود شاحنات مُحمّلة بالحبوب مُتّجهة إلى مستودعات القرم والصوامع من الأراضي الأوكرانية المُحتلة.
ويقول مسؤولو الحكومة والصناعة إنه من المستحيل تقريباً تتبع ما إذا كانت أي شحنات تحتوي على حبوب سُرقت من المزارع الأوكرانية، لأنه يمكن دمجها بسهولة مع الحبوب من المصادر القانونية. ووفقاً لمسؤول أوروبي واحد، فإنه إذا أخذت شركة محاصيل من أوكرانيا و”قامت بخلطها مع الحبوب الروسية وتصديرها من الموانئ الروسية، فمن الصعب للغاية المتابعة”.
لكن السفن التي تُصدّر الحبوب من شبه جزيرة القرم استخدمت الممارسات التي تم تصميمها إلى حد كبير للتهرب من العقوبات. وبموجب القانون الدولي، فمن المفترض أن تقوم السفن بتشغيل مستجيبات ورادارات، وأجهزة تقوم تلقائياً بالإبلاغ عن موقعها وتوجهها إلى السفن والموانئ الأخرى، ما لم تواجه ظروفاً استثنائية. ومع ذلك، ففي عدد من الحالات التي تتبعتها الفاينانشيال تايمز، أطفأت السفن الموجودة في البحر الأسود أجهزة التواصل – في كثير من الأحيان عندما كانوا يقتربون من شِبه جزيرة القرم.
إن القيام بذلك يجعل الأمر أكثر صعوبة في تتبع الرحلات والتقاط السفن التي تكون أوراقها غير صحيحة – مما يسمح للسفن التي أخذت البضائع من ميناء خاضع للعقوبات بالمطالبة بتحميل البضائع في مكان آخر.
ويقول المسؤولون التنفيذيون في صناعة الحبوب: إن ميناء كافكاز يلعب أيضاً دوراً مهماً آخر في الجهود المبذولة للتهرب من العقوبات لأنه مركز لنقل البضائع من سفينة إلى أخرى، باستخدام المراسي خارج الميناء. في الحقيقة التحميل في البحر له استخدامات مشروعة، خاصة أن ميناء كافكاز غير قادر على قبول السفن الكبيرة. ولكن التحميل في البحر يمكن أيضاً أن يتيح التهريب، لأنه يجعل من الصعب تحديد المكان الذي تم فيه تحميل البضائع في البداية.
يقول مُصدّر حبوب روسي: إنه تم استخدام مرسى معين في ميناء كافكاز لعدة سنوات كنقطة مفضلة لغسيل الحبوب المحملة في شبه جزيرة القرم، باستخدام عمليات النقل من سفينة إلى أخرى.
ويقول رايت، محلل الشحن: “من المؤكد أنك ستستخدم الشحن من سفينة إلى سفينة لإخفاء مصدر الشحنات الجافة”. “إنه إلى حد كبير السلوك المعتاد لأي نشاط غير مشروع”.
ويُظهر التصوير بالأقمار الصناعية من (بلانيت لابس) أن هناك حالياً قدراً كبيراً من النقل من سفينة إلى سفينة يحدث في مرسى ميناء كافكاز. على الرغم من توقف هذه الممارسة لمدة شهر في بداية الحرب، إلا أن صور الأقمار الصناعية من أواخر أيار/ مايو أظهرت سبع سفن كبيرة يتم ملؤها أو تفريغها في سفن أصغر في وقت واحد.
ولقد حددت فاينانشيال تايمز أيضاً الرحلات التي توقف فيها السفن في ميناء كافكاز مستجيباتها قبل أو بعد التوجه إلى شبه جزيرة القرم ليتم ملؤها – مما يخلق انطباعاً بأنها تم تحميلها في الميناء الروسي. وفي بعض الحالات، أظهرت الأوراق سفناً تقوم بإعطاء تقارير إلى السلطات الروسية أنها حمّلت من سيفاستوبول ولكنها تخبر الحكومات الأخرى بأنها تم تحميلها في بورت كافكاز.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل مباشر على أن أياً من الحبوب التي تم تصديرها من ميناء كافكاز في الأسابيع الأخيرة قد سُرقت، فقد كانت هناك زيادة كبيرة في استخدام الميناء هذا العام. وفقاً لما ذكرته شركة (شيبفيكسر) وهي شركة تتعقّب السفن، أنه تم الإعلان عن 576.000 طن من السلع الزراعية على أنها قادمة من ميناء كافكاز في أيار/ مايو. وهذا تدفق كبير للغاية في هذا الوقت من العام، وإن كان ذلك بعد عدة أشهر من التجارة المنقطعة.
في شهر أيار/ مايو، شكل ميناء كافكاز ما يعادل 28 في المائة من إجمالي صادرات الحبوب الروسية، مقارنة مع المتوسط الشهري للسنوات الأربع السابقة حوالي 11 في المائة.
الدبلوماسية الحسّاسة
إن مزاعم تهريب الحبوب عبر البحر الأسود تخلق معضلة حادة للحكومات الغربية التي فرضت عقوبات على روسيا. إنهم لا يريدون تفاقُم أزمة الطعام العالمية التي ساعدت الحرب في إنتاجها، لكنهم يحجمون عن غضّ الطرف عن التهريب.
في العام الماضي، شكّلت روسيا وأوكرانيا أكثر من ربع صادرات الحبوب في العالم وأقل من ثلث جميع صادرات القمح، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وكان القمح البحري الأسود تاريخياً مهماً بشكل خاص في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
يقول تشاد بون، وهو باحث في معهد بيترسون، وهو معهد دراسات في واشنطن: “من الناحية المثالية، نحتاج إلى روسيا وأوكرانيا لتزويد بقية العالم بالحبوب”. “لكننا لا نريد أن تجني روسيا الكثير من المال منها. وبالتأكيد لا نريد أن تكسب أي أموال من الحبوب التي نهبتها من الأوكرانيين، ولا الأماكن التي احتلتها”.
وقد ناقش وزراء خارجية مجموعة السبع الأسبوع الماضي جهداً للأمم المتحدة لتمكين شحنات الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا، والتي لم تشغلها روسيا ولكن تم إغلاقها منذ بداية الحرب. ومع ذلك، يقول مسؤول أمريكي كبير إن الإدارة متشككة في مدى ما يمكن للمحادثات الذهاب إليه.
وتكشف الممارسات المستخدمة للتصدير من شبه جزيرة القرم أيضاً كيف يمكن للشركات الروسية أن تهرب من العقوبات الأوسع التي تواجهها الآن. فعلى عكس التدابير غير المفروضة على إيران، فإن العقوبات على روسيا مدفوعة إلى حد كبير من قبل الحكومات الغربية. هذا يعني أن تأثيرها أكثر عمقاً.
سعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تسيطر دولته على الممرات المائية الحاسمة التي تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، إلى إجراء توازُن دقيق منذ الغزو. وقد زوّدت الدولة العضو في الناتو كييف بطائرات بدون طيار وقيّدت استخدام الجيش الروسي لمياهها ومجالها الجوي. لكن أردوغان حاول أيضاً تجنّب الإضرار بعلاقته الوثيقة مع فلاديمير بوتين ورفض التوقيع على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية.
وقد نصح توجيه صدر عام 2017 عن غرفة الشحن التركية الموانئ بإبعاد السفن عن شبه جزيرة القرم بناءً على طلب المدعي العام الأوكراني. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: إن أنقرة تحقق في مزاعم بأن الحبوب المنهوبة من أوكرانيا وصلت إلى تركيا “ولن تسمح لهذه البضائع بالوصول إلينا”.
لكن المسؤولين الأتراك أحجموا عن إيقاف السفن التي تزعم كييف أنها تحمل حبوباً مسروقة، مشيرين إلى عدم وجود أدلة. ويقول باشاك ألدي من شركة المحاماة AKT ومقرها إسطنبول: إن السفن التي تبحر من شِبه جزيرة القرم قد تواجه غرامات إدارية، لكن هذه العقوبات لا تنطبق إلا إذا كانت السفينة تأتي مباشرة من موانئ القرم دون توقُّف.
لا يزال هناك خطر جسيم للشركات الكبيرة التي تتعامل مع كيانات خاضعة للعقوبات في أماكن كثيرة في العالم. وتقول ألين دوسين، الشريكة في هوجان لوفيلز: إنه إذا تم الكشف عن أن شركة في بلد ما لا تفرض العقوبات على روسيا منخرطة في تجارة محظورة من قبل المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، “فقد يجدون أن الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة من تلك الأماكن تتوقف عن تداول النشاطات التجارية معهم بسبب مخاوف من أنهم كانوا يتاجرون بشكل غير مباشر مع الكيانات الخاضعة للعقوبات”.
وأكدت شركة (يايلا) التركية، التي تصدر منتجاتها لجميع أنحاء العالم، أنها اشترت الشحنة على فيدور لكنها أضافت أنه من “الأولوية المطلقة” العمل “ضمن القواعد الأخلاقية والقيام بالتجارة وفقاً للقانون الدولي”.
وتقول الشركة إنها ستحقق في الادعاءات التي قدمتها فاينانشيال تايمز، مضيفة: “من واجبنا كشركة التحقق مما إذا كانت الشركة التي نتداول معها مدرجة في قائمة العقوبات الدولية. وللتأكد من تنفيذ العقد وفقاً لأحكام العقد الذي أبرمناه”.
فتح المزيد من المنافذ
مع استمرار الحرب، يمكن أن تزداد احتمالية تهرب التجارة في البحر الأسود من العقوبات – وكذلك فرصة بيع السلع الأخرى التي نُهبت.
فيما يتعلق بالحبوب وحدها، تدّعي أوكرانيا أن 500 ألف طن سُرقت من أراضيها. ومن الأمثلة على ذلك سفينة الشحن العامة ليدي أوجوستا، والتي تظهر صور الأقمار الصناعية أنها عالقة في مدينة ماريوبول المحتلة، حيث رست قبل اندلاع الحرب لالتقاط 6500 طن من القمح. وقد تطالب بها الآن “جمهورية دونيتسك الشعبية”، المجموعة الانفصالية التي تديرها روسيا.
تقول تيتيانا ألافيردوفا، المديرة التجارية لشركة (هارف-إيست)، الشركة التي كانت تقوم بتحميل السفينة، فقدت منذ شهر شباط/ فبراير 52000 طن من الحبوب كانت في المناطق التي تسيطر عليها روسيا الآن. “سمعنا أن بعض الحبوب الموجودة في مخزوناتنا قد اختفت. لكن لا نعرف كميتها”.
بالإضافة إلى الحبوب التي سُرقت، اضطر بعض المزارعين الأوكرانيين في المناطق المحتلة إلى بيع محاصيلهم بثمن بخس. وتقول ماشا بيليكوفا، محللة الحبوب في دنيبرو في (فاستماركيتس أغريسينسوس): إن التجار أفادوا بأن الشركات الروسية كانت تشتري الحبوب في المناطق المحتلة بأسعار منخفضة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قبل انخفاض الأسعار مؤخراً، يمكن شراء القمح الذي قال المشترون إنه يكلف 192 دولاراً للطن في وسط أوكرانيا الأكثر أماناً مقابل حوالي 90 إلى 100 دولار في المناطق المحتلة.
ويبلغ سعر السوق الأوروبية للقمح حالياً أقل بقليل من 370 دولاراً، مما يعني أن هذه التجارة يمكن أن تكون مربحة للغاية. وقالت شركة (يايلا) إن المبلغ الذي دفعته لشحنة فيدور يتماشى مع أسعار السوق.
إن احتمالية إعادة بيع البضائع المنهوبة لا تقتصر على الحبوب. ففي مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول، كان هناك حوالي 234000 طن من المعدن في الموقع قبل الغزو، تبلغ قيمتها حوالي 148 مليون دولار. ويقول المسؤولون في شركة (ميتنفيست القابضة)، التي تمتلك الفولاذ: إن كل شيء الآن تحت السيطرة الروسية.
وتقول الشركة إنها تمكنت من تتبع ما لا يقل عن 2500 طن تم شحنها من ماريوبول إلى روستوف أون دون في روسيا.
“يوضح تحليلنا أن الوجهات [النهائية] الأكثر احتمالية قد تكون دولاً في آسيا وإفريقيا وهناك فرصة ضئيلة لبعض البضائع، أي الألواح الفولاذية، أن تكون قد ذهبت إلى أوروبا لأن الألواح ليست خاضعة للحظر التجاري، كما تقول سفيتلانا رومانوفا، كبيرة المسؤولين القانونيين في (ميتنفيست).
وتقول رومانوفا إن (ميتنفيست) قد قدمت شكاوى جنائية إلى الحكومة الأوكرانية وتحاول اتباع طرق أخرى، لكن لا يوجد مسار قانوني واضح للقيام بذلك.
تشير سرقة الفولاذ إلى ما يمكن أن يصبح مشكلة متزايدة لتطبيق العقوبات: فتح المزيد من الموانئ المحتلة. فقد دخلت ثلاث سفن على الأقل ميناء ماريوبول لتحميل الفولاذ المسروق، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين في دونيتسك. وهذا الادعاء مدعوم بالتصوير عبر الأقمار الصناعية.
كما صرّح ألكسندر سولينكو، حاكم المقاطعة الذي فرضته روسيا، أن ميناء بيرديانسك سيبدأ قريباً في تصدير الحبوب من أوكرانيا المحتلة.
وقال سولينكو للصحافيين: “إنه بكل تأكيد سيتمّ إرسال الحبوب من هنا [عَبْر بيرديانسك]”. “هناك الكثير من الحبوب في المنطقة. نظراً لأننا سنحصل قريباً على محصول جديد ونحتاج إلى إفراغ المستودعات، يجب القيام بشيء ما بالحبوب الموجودة. فالمزارعون أيضاً يحتاجون إلى بيعها لكسب المال. ولدينا احتمالات توقيع عقود مع دول متعددة”.