من نافذة البيت المطلة على الحديقة، على الشارع، على صندوق البريد، كان يترقب وصول الرسالة المنتظرة، كلّ يوم. في وقته المحدد يصل، عادةً، ساعي البريد، دون أن ينظر إلى الصندوق المرصود. من نافذته كان يرى الحديقة كيف تشهد تبدّل المواسم، في أشجارها وفي عشبها، عاماً بعد آخر. وكثيراً ما كان الثلج يغمر مساحة العشب، حتى لتبدو مجرّد ورقة بيضاء كبيرة فارغة، كالرسالة المنتظرة. زمن طويل مرّ عليه، هذا ما عرفه من المرآة التي عكست وجهه وهو في طريقه، هذه المرّة، إلى صندوق البريد. كان يقنع نفسه، بأنّ يداً خفيةً قد تكون وضعت له الرسالة المنتظرة. وما إن فتح علبة البريد، حتى فوجئ بها وقد امتلأت تماماً، وبدا أنّه لا متسع لرسالة جديدة. حمل رسائله عائداً إلى البيت، مبتهجاً بأغلفتها الملونة، وهاهي تشغل مساحة الطاولة أمامه. كان يقول، لابدّ أن الرسالة المنتظرة تكون بينها، لكنه لم يجرؤ على فتح واحدة منها، وهو ينقّل بصره بين المرآة التي تخبره بتراكم الأزمنة وبين الرسائل التي يعتقد بوجود الرسالة المجهولة بينها، وكانت منتظرةً ذات يوم.
باسم المرعبي شاعر عراقي يعيش في السويد صدر له العديد من الدواوين، أصدر في العام 2006 مجلة "ملامح" المختصة بالشعر ونقد الشعر بالعربية والسويدية. وأسس "بيت الشعر" في السويد.