أصدر الدكتور محمود حمو الحمزة، الأستاذ والباحث العلمي السابق في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا (أكاديمية العلوم الروسية)، كتاباً بعنوان “الاستشراق الروسي والعالم الإسلامي”.
ويُعتبر هذا الكتاب جزءاً من مشروع علمي كبير عمل عليه الحمزة لأكثر من 20 عاماً في مجال تاريخ الاستشراق الروسي وتاريخ دراسة العلوم العربية، وخاصة المخطوطات الرياضية.
ويوضح الكتاب أن مدرسة الاستشراق (الاستعراب) في روسيا تتمتع بتاريخ عريق وسمعة علمية قيّمة؛ لأنها أنصفت العلوم العربية وقيَّمتها بموضوعية وحياد علمي.
ويكرس الحمزة هذا الكتاب للحديث عن تاريخ الاستشراق الروسي على مدى أكثر من 300 عام، وعن العلاقات الروحية بين روسيا والمشرق العربي الإسلامي والمسيحي خلال ألف سنة.
كما يسلط الكتاب الضوء على تاريخ دراسة المخطوطات العلمية العربية ودور المستشرقين الروس وإسهاماتهم في إحياء التراث العلمي العربي والإسلامي.
ويتألف الكتاب من سبعة فصول، يتحدث أولها عن العلاقات الثقافية بين روسيا والعرب في 1000 سنة، وتأثير التراث العربي والإسلامي في الثقافة الروسية، والعلاقات الروحية المسيحية بين روسيا والمشرق العربي.
وأما الفصل الثاني فيتحدث عن تاريخ الروس في الأبحاث والمؤلفات العربية، ويبحث في أصول الروس، ورسالة أحمد بن فضلان كأقدم مرجع عن تاريخ الروس.
والفصل الثالث يتناول تاريخ الدراسات الاستعرابية في روسيا، وأشهر المستعربين الروس، إضافة إلى سِيَر ذاتية لشخصيات أدبية عربية مؤثِّرة في الاستعراب الروسي، وكذلك المتحف الآسيوي الذي بات معهد المخطوطات الشرقية في سان بطرسبورغ، ومعهد لازاريف لِلُّغات الشرقية في موسكو.
ويتناول الفصل الرابع تاريخ الاستعراب العلمي في روسيا، ويشير إلى مدرسة الاستعراب، وإسهامات المستعربين الروس في دراسة المخطوطات العلمية العربية، والموسوعات الروسية لدراسة المخطوطات العربية، وأشهر مؤرخي الرياضيات العربية في روسيا.
أما الفصل الخامس، فيتحدث الحمزة فيه عن خزائن المخطوطات العربية في روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة.
ويتناول الكاتب في الفصل السادس تاريخ العلوم العربية في المغرب العربي والأندلس، والتواصل العلمي بين المشرق العربي والمغرب العربي.
في حين يتحدث الحمزة في الفصل السابع عن مكانة العِلْم العربي وأسباب تراجُعه، وأهمية التراث العلمي العربي والإسلامي في الرياضيات، وتدهور العِلْم العربـي وإمكانية استعادته.
وحول أهمية هذا الكتاب يقول الحمزة في حديث لـ “نداء بوست”: إن أهميته “تأتي من خلال الأهمية البارزة للثقافة العربية والإسلامية في التاريخ العالمي بعامة وفي تاريخ العلم بخاصة، والتي أصبحت الآن أمراً معروفاً ومتفقاً عليه”.
وأضاف: “فقد احتلّ التراث العربي، منذ زمن، مكانة مرموقة في الثقافة العالمية، وأصبح جزءاً أساسياً من الثقافة الإنسانية العامة. كما أدت أبحاث العلماء في كثير من الدول والتي بدأت منذ عدة قرون إلقاء الضوء على دور المؤلفين العرب في القرون الوسطى (الذين عاشوا وعملوا في مساحة واسعة ممتدة من إسبانيا وشمال إفريقيا حتى الهند) في تطوير فروع كثيرة من العلم: التاريخ، الجغرافيا، الكيمياء، البيولوجيا، الطب، العلوم الرياضية والفيزيائية”.
ويشير الحمزة إلى أن الكتاب يهدف إلى إطلاع العالَم على الدور الهائل للمستعربين الروس في دراسة التراث العربي والإسلامي في القرون الوسطى.
وأكد أن الكتاب يُعتبر رسالة للمهتمين بالتراث والثقافة للتعرف على أشهر المستعربين والباحثين الروس في تاريخ وفلسفة العلوم العربية والاهتمام بتلك البحوث القيمة التي نُشرت بالمئات ولم يصل إلا النادر منها إلى القارئ العربي.
وأضاف: “كما أنني أحقق حلمي بنشر جزء من أبحاثي العلمية المتعلقة بتاريخ الرياضيات العربية في القرون الوسطى والتي عملتُ عليها خلال 20 سنة في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية وحتى اليوم”.
ويرى الحمزة أنه “من واجبنا كعرب ومسلمين وكأبناء المنطقة الواسعة المنتشرة من الأندلس (إسبانيا) وحتى الهند والصين، أن نمدّ يد العون والدعم المادي والمعنوي للمستعربين الروس، الذين ربطوا حياتهم ومصيرهم وقضوا أجمل سنوات عمرهم مع المخطوطات العربية، سواء بالقيام بترجمتها أم دراستها ونشرها، ولأنهم قالوا كلمة منصفة وعادلة بحق ذلك التراث العلمي والحضاري العظيم وهؤلاء العلماء يستحقون منا كل الاحترام والتقدير”.
وبدأ الحمزة العمل على إعداد هذا الكتاب منذ سنوات قبل أن يعود إلى موسكو عام 2002، واستمر خلال عمله في أكاديمية العلوم الروسية بصفة كبير باحثين علميين في قسم تاريخ الرياضيات بمعهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا، الذي يُعَدّ من أبرز المراكز البحثية في تاريخ العلوم في العالم.
ويقول الحمزة: إن الحظ حالفه بالعمل مع الباحثة والمستعربة المعروفة مريم روجانسكايا، حيث أجريا أبحاثاً مشتركة في تاريخ الرياضيات في المغرب العربي والأندلس، وترجمَا عدداً من المخطوطات العربية الرياضية إلى اللغة الروسية ونشراها في مجلة المعهد “أبحاث في تاريخ الرياضيات”.
ويضيف: “كانت تلك فترة مهمة جداً لاطلاعي الواسع على ما قام به المستعربون الروس في دراسة المخطوطات العربية والعلمية منها بشكل خاص الرياضيات- الفلك- الميكانيكا وغيرها”.
وتابع: “لقد ذُهلت بحجم الأعمال والأبحاث العلمية التي قدمها الباحثون الروس من ترجمات لمخطوطات علمية ودراسات تاريخية وكذلك تعليقات علمية عليها، ويصل عددها إلى عدة مئات، وتولدت لدي رغبة كبيرة في الكتابة عن “جنود العلم والمعرفة المجهولين” في روسيا، عرفاناً بالجميل لهم لقاء جهودهم العلمية الصادقة وإنصافهم للتراث العلمي العربي والإسلامي وإبراز أثره على الأدب الروسي الكلاسيكي وعلى الحضارة الأوروبية، حيث كرسوا عقوداً من عمرهم لدراسة المخطوطات العربية وتعريف القارئ الروسي بمساهمات عشرات العلماء العرب والمسلمين ودورهم في ترجمة التراث اليوناني والحفاظ عليه من الضياع وتمكينه من الانتقال إلى أوروبا من خلال حملة ترجمة هائلة إلى اللغة اللاتينية بدأت في القرن 12م”.
وأردف: “سعيت من أجل تضمين الكتاب خبرات ونتائج أبحاث العديد من المؤلفين الروس والعرب، بالإضافة إلى بعض أبحاثي العلمية في مجال تاريخ الرياضيات، والتي اخترتُ بعضها بدون رموز رياضية لتسهيل مهمة القارئ غير المتخصص بالرياضيات”.
والدكتور محمود الحمزة من مواليد الحسكة عام 1954، حصل على دكتوراه في الرياضيات (Ph.D.) في موسكو ودرّس في العديد من الجامعات العربية والأجنبية، وله أكثر من 70 بحثاً علمياً في الرياضيات البحتة وفي تاريخ الرياضيات العربية في القرون الوسطى.
وألّف الحمزة عدداً من الكتب الجامعية في الرياضيات وكتاباً في تاريخ الرياضيات وتطوُّرها الفلسفي، وله معجمان في مصطلحات الرياضيات (روسي- عربي، وإنجليزي- عربي).
وهو عضو في جمعيات علمية عالمية في تاريخ العلوم، أهمها الجمعية الدولية لتاريخ وفلسفة العلوم العربية والإسلامية في باريس ولندن ونيويورك.