مع ساعات الصباح الأولى انطلقت أحضّر قهوتي كما هي العادة، لقد كانت قهوة كولومبية أحضرتها من عند أحد مَحَالّ المدينة، وضعتها في مَاكِينَة القهوة عَلامَة "فيليبس" الألمانية، وكنت قد جهزت كوباً زجاجياً أُفضل الشرب فيه كنت قد اشتريته من شركة "إيكيا" السويدية، وخلال دقائق تحضير القهوة القليلة خطر في بالي أن القهوة التي وصلت إلى مطبخي من كولومبيا نقلت في سفن دولة ما لتحملها شاحنات محلية أو أجنبية لتصل إلى المحل الذي قام بتحميصها وطحنها بماكينات من صناعة دولة أخرى، وبأن أجزاء مَاكِينَة الفيليبس الألمانية كان قد دخل فيها عشرات القطع القادمة من دول مختلفة حيث كنت قد قرأت أن شركة فيلبس الألمانية تمتلك 10 آلاف مورد من حوالي خمسين دولة.
في هذه الأثناء ألقيت النَّظْرَ سريعاً على أجزاء المطبخ وموجوداته ابتداءً من البراد حتى الأضواء والأبواب وكذلك محتوياته من توابل ومواد غذائية لأجد أن العالم كله موجود في مطبخي تقريباً، هناك منتجات من فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والهند، وتركيا، والصين، وباكستان، وهناك أيضاً منتجات من كوريا الجنوبية، وتايلند، وكذلك منتجات غذائية صُنعت في مصر، وبعض الدول العربية، افتقدت للحظة بعض الدول التي تعد اقتصاداتها بين اقتصادات العالم الكبرى كروسيا، قاطعني صوت المَاكِينَة تعلن انتهاء تجهيز القهوة ولكن فضولي لم ينتهِ.
حملت قهوتي إلى الصالون مرة أخرى لأبحث عن منتجات روسية، ولكني لم أجد في كافة أنحاء المنزل أي منتج، بدأت البحث عبر الإنترنت عن منتجات روسية، ولكن الإشارات والمواضيع التي كنت أقرؤها لم تكن منتجات يمكن اقتناؤها من قِبل الأسرة؛ فماذا تفعل الأسرة بالنفط والأسلحة والصواريخ؟ استمر بحثي لقُرابة ساعة، ولكني لم أجد حقاً شيئاً مفيداً.
وجدت عَبْر الأرقام أن أبرز ما تصدره روسيا هو السلاح وقِطَعه من صواريخ وقنابل ودبابات وطائرات وسفن حربية، وهي تبيع منتجات بمليارات الدولارات إضافة إلى خِدْمَات التدريب والصيانة والحماية المتعلقة بالسلاح الذي يدرّ على الاقتصاد الروسي مبالغ كبيرة، كما وجدت أن منتجات الطاقة تدرّ على روسيا مبالغ كبيرة يستخدم جزء كبير من مواردها في صناعة السلاح وتقوية الترسانة العسكرية الروسية ويضاف إلى هذا معادن وخردة وسلع بسيطة متفرقة، مرة أخرى تساءلت ماذا تستفيد الأسرة من هذه المنتجات وكيف لها أن تقتني منتجاً روسياً؟ بالتأكيد لن يضع أحد دبابة في كراجه ولا صاروخاً في مطبخه قلت ما دام ذلك فلربما نجد سكاكين مطبخ روسية وبالفعل وجدت كثيراً من السكاكين المتوفرة على الإنترنت ولكنها ليست سكاكين مطبخ بل سكاكين حربية تستخدم في عمليات القتل والتصفية وهناك استعراض لميزاتها لم أقرأه كوني لا أهتم بالموضوع.
أغلقت كمبيوتري متسائلاً عن القيمة المضافة لروسيا في هذا العالم كاقتصاد كبير يصنف بين اقتصادات الدول العشرين الأكبر في العالم، وماذا ستستفيد الأسرة والفرد العادي من هذا الاقتصاد؟ بل ماذا يستفيد العالم كليًّا من السلاح والقنابل وسكاكين التصفية؟ ثم تذكرت كيف كان يتم إطلاق النار على المتظاهرين في سورية بسلاح كلاشنكوف الروسي ذائع الصيت، وكيف كانت تسقط على رؤوسنا في سورية عشرات قنابل الهاون والصواريخ روسية الصنع، لقد تخيلت للحظة عشرات المشاهد لأطفال وأشخاص رأيتهم مضرجين بالدماء، مرة قال أحد الضباط الروس لوفد مفاوض من المدنيين في مدينة حِمْص، هل ترون تلك الساحة؟ فيها أطفال يلعبون.. يستطيع سلاحنا أن يقوم بقصفهم خلال دقائق! نحن نمتلك السلاح الأحدث في العالم.
تناولت كوب قهوتي لألحظ أنه صار بارداً، فقمت لأعيد تحضير واحدٍ جديد مستخدماً نفس الأدوات ولتخطر على بالي أفكار مشابهة لما خطر على بالي في المرة الأولى، ولكنني أدركت أنه من الجيد ألّا أضيّع فرصة شرب القهوة ساخنة في سبيل البحث عن منتجات بلد لا يمتلك سوى آلة الموت ولا يُصدِّر سوى الخراب.