نداء بوست – محمد الشيخ
في ظهور هو الأول من نوعه، أجرى زعيم “هيئة تحرير الشام” الملقب بـ”أبي محمد الجولاني”، لقاء مع صحفي أمريكي، تحدث خلاله عن نشأته وانتقاله من شاب يعيش في مجتمع “ليبرالي”، إلى قيادي في “تنظيم القاعدة”.
وحمل اللقاء الذي أجراه “الجولاني” مع الصحفي “مارتن سميث” مطلع العام الحالي، ونشره موقع “فرونت لايت” الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي، ضمن فيلم وثائقي تحت عنوان “الجهادي”، العديد من المفارقات، التي لم يكن ظهور قائد “تحرير الشام” بالبدلة الرسمية آخرها.
فإلى جانب ذلك، أفصح “الجولاني” وللمرة الأولى عن شيء من نسبه وسيرته الذاتية، حيث قال إن اسمه “أحمد الشرع” وينحدر من الجولان المحتلة، ونشأ في حي “المزة” بدمشق وسط مجتمع وصفه بـ”الليبرالي”، قبل أن يلتحق بـ”تنظيم القاعدة” ويبدأ حياته “الجهادية”.
ونال الحديث عن “تنظيم القاعدة” جزءاً كبيراً من اللقاء، حيث لم يتوانَ “الجولاني” في توجيه الانتقادات له وللسياسات والأفكار التي يتبناها، كما أنه لم يفوت فرصة لتبرئة نفسه من التنظيم وإعلان أنه كان معارضاً للكثير من سياساته حتى عندما كان مقاتلاً عادياً ضمن صفوفه، في المرحلة التي سبقت تشكيل “جبهة النصرة”.
وأيضاً، فإن “الجولاني” لم يفوت فرصة كهذه في توجيه الرسائل والتطمينات إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوربية بأن “تحرير الشام” لا تشكل خطراً أمنياً أو اقتصادياً عليهم، ولا تخطط لتنفيذ هجمات ضدهم، كما أنه كرر عدة مرات أن الفصيل الذي يقوده “جزءاً من الثورة والشعب السوري”.
تصريحات “الجولاني” هذه وإن كانت تدور في فلك الخطاب الذي تبنته “تحرير الشام” منذ فترة ليست بالبعيدة، الهادفة لمحاولة كسب ود الدول الغربية وإغرائها بإمكانية التعاون والعمل المشترك، إلا أنها كانت مختلفة هذه المرة، خاصة وأنها صدرت عن رأس الهرم، وركزت على مظلومية “الهيئة” مع التصنيف، كما أنها عزفت على الوتر الحساس بالنسبة لتلك الدول، كمشكلة اللاجئين السوريين وإمكانية إيجاد حل لها.
رسائل “الجولاني”
ينضوي ما قام به “الجولاني” ضمن المسار الطويل الذي بدأته “تحرير الشام” منذ فك ارتباط “جبهة النصرة” بتنظيم “القاعدة” عام 2016، حيث سعت لتقديم نفسها كحركة سورية وطنية لا صلة لها بما يسمى بـ”الإرهاب العابر للحدود”.
وأشار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية “حسن أبو هنية ” إلى أنه على الرغم من تلك المحاولات، إلا إن “تحرير الشام” ما زالت مصنفة على لوائح “الإرهاب” لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى تركيا.
ويسعى “الجولاني” إلى تقديم صورة مغايرة لـ”تحرير الشام” بأنها تشكيل محلي وطني، تمكن من السيطرة على محافظة إدلب، وقادر على التحكم في إعادة تشكيل الفضاء الجهادي في شمال غربي سوريا، وأنه لا بد للغرب من أن يدعم هذه الحركة.
وأشار “أبو هنية” في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى التدرج في خطابات “الجولاني” والتحولات الكبيرة التي طرأت عليها، ومغايرتها للقائه الأول مع قناة “الجزيرة” حين كان يخفي وجهه، ويرتدي الزي الشامي، وصولاً إلى مقابلته مع “مجموعة الأزمات الدولية” وعدد من الصحف الغربية.
من جانبه، قال الباحث في مركز “الحوار” السوري، “محمد سالم” إن رسائل “الجولاني” موجهة في الدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة والفاعلين الدوليين في الملف السوري، مفادها أن “تحرير الشام” و”الجولاني” شخصياً، تنظيم يمكن الاعتماد عليه في الوقت الحالي.
وأضاف “سالم” في حديثه لموقع “نداء بوست” أنه بالرغم من أن “تحرير الشام” ليست أفضل الخيارات إلا أنها فرضت واقعاً في منطقة إدلب الحرجة، كما فعلت حركة “طالبان” في أفغانستان، موضحاً أن “الجولاني” يحاول أن يؤكد على عدم ارتباطه بتنظيم “القاعدة” وأنه لا يشكل تهديداً للغرب ويمكن أن يحصل على شرعية الوجود.
هل ينجح “الجولاني” في تحقيق هدفه؟
قال الباحث في مركز “جسور” للدراسات “عباس شريفة” إن الفيلم الذي ظهر به “الجولاني” يمكن أن يكون له تأثير على مستوى الرأى العام في الغرب لتحقيق فهم أكثر لحقيقة “تحرير الشام” وحالتها المختلفة عن “تنظيم الدولة”، إلا أنه في الوقت ذاته يدور في نفس الحلقة ويصور “الهيئة” على أنها تنظيم إسلامي متشدد، و”الجولاني” رجل مستبد غير منفتح على مخالفيه.
وأضاف “شريفة” في حديث لموقع “نداء بوست”: “يمكن أن يشكل الفيلم مع عدد من العوامل المؤثرة كالدراسات والتقارير التي تتناول تحولات “تحرير الشام” تأثيراً على المدى البعيد في مواقف مراكز صنع القرار الغربية منها”.
ويرى محدثنا أن الموقف الغربي من “هيئة تحرير الشام” يبدو أنه لا ينطلق أساساً من نقص في المعلومات عنها أو عدم اتضاح خطابها الإعلامي وسياستها الجديدة، لكنه ينطلق من حسابات سياسية وأوراق تفاوضية مع بعض الدول الإقليمية مثل تركيا.
من جانبه، لم يستبعد الباحث “محمد سالم” أن ينجح “الجولاني” في تحقيق أهدافه، خاصة وأن محافظة إدلب مكتظة بالسكان ولا تريد الولايات المتحدة والدول الغربية أن تشهد هذه المنطقة موجة لجوء كبيرة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وأشار إلى أن هذه الدول ترى لا بد من إرساء نوع من الاستقرار ولو نسبي في شمال غربي سوريا، وقد تكون “تحرير الشام أحد أقل الخيارات السيئة سوءاً” كما قال المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جيمس جيفري” في فيلم “الجهادي”.
وبحسب “سالم” فإن “جيفري” لا ينفرد بهذا الرأي وحده، حيث صبت تقارير عدة بما في ذلك تقرير لمجموعة “الأزمات الدولية”، بأن “تحرير الشام” ليست الخيار المثالي أو المطلوب لكنها انفصلت عن تنظيم “القاعدة” وانخرطت في القتال ضده، وأن انهيار “الهيئة” سيؤدي إلى ظهور الأسوأ كـ”حراس الدين”، كونها تمثل حائط صد أمام الجهاديين الذين قد يتسللون إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
ويعتقد “سالم” أن الدول الغربية لن تقبل بشكل صريح بـ”الجولاني” أو تعطيه شرعية إلا إذا قدم تنازلات كبيرة، مضيفاً أن الغرب في الظروف الحالية لن يقبل به كما أنه لن يرفضه، باعتباره فاعلاً يمكن التعامل معه استخباراتياً.
ومن المحتمل أن يتم رفع اسم “تحرير الشام” من لوائح الإرهاب، أو التعامل معها كجماعة غير شرعية لكنها غير مصنفة، وفقاً لما يرى “سالم”، الذي أشار إلى أن ذلك ممكن على المدى الطويل ومرتبط بسلوك “الهيئة” وانضباطها في المعايير المطلوبة للوصول إلى جماعة مقبولة، بشكل مشابه لكيفية تعاطي الدول مع “حزب الله” ومشاركته في الحكومة اللبنانية.
الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، “حسن أبو هنية” قلل من أهمية رفع اسم “تحرير الشام” من لوائح الإرهاب، خاصة بعد تراجع دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في سوريا، وتسلم تركيا وروسيا زمام الأمور في هذه القضية والملفات المرتبطة بها بما في ذلك مصير “الجولاني”.
ورأى “أبو هنية” في حديثه لموقع “نداء بوست” أنه حتى الآن لا توجد أي إشارات جيدة من روسيا تجاه “تحرير الشام” ولا تزال تعتبرها حركة إرهابية، معتبراً أن “الجولاني” تأخر كثيراً، وغفل متغيراً كبيراً وهو أن الدول الغربية لم تعد لاعباً أساسياً في سوريا، ما يعني أن الرسائل والتنازلات التي يقدمها لم يعد لها أهمية كبيرة وغير مجدية في شيء.
جدير بالذكر أن “أبو محمد الجولاني” جاء إلى سوريا بعد اندلاع الثورة بقرابة العام، على رأس تشكيل مرتبط بـ”تنظيم القاعدة” يحمل اسم “جبهة النصرة”، وفي عام 2016 أعلنت “النصرة” فك ارتباطها بـ”القاعدة”، والتحول إلى “جبهة فتح الشام”، ومن ثم إلى “هيئة تحرير الشام”، إلا أن هذه التحولات لم تحدث تغييراً في الموقف الدولي نحوها، حيث ما زالت تصنفها الأمم المتحدة على لوائح “الإرهاب”، فيما أعلنت واشنطن عن مكافأة مالية قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن “الجولاني”.