إذا كانت الصورة أعلاه قد تركت لديك انطباعاً بأن الشخص الذي يتلقى الطلقة في رأسه هو ضحية، فستكون قد خبرت بشكل عملي تأثير الإعلام، ذلك أنك اتخذت موقفاً معيناً بناء على تأثير الصورة قبل معرفة كل التفاصيل، ومن نافلة القول أن هذه الصورة كان لها دور كبير في انسحاب أمريكا من فيتنام، مع العلم بأنه ليس من المقطوع به أن القتيل هو ضحية فعلاً.
يقوم الإعلام، من خلال الكلمة والصورة، بعملية تأثير مباشرة وغير مباشرة في سلوك الأفراد، كما شاهدنا في المثال أعلاه، لذلك يقوم السياسيون بتوظيف الإعلام لخدمة أجنداتهم، وربما أشهر مثال في عصرنا الحديث على توظيف الإعلام في خدمة السياسة، هو الدعاية النازية، ورغم أنه يمكن مناقشة فيما إن كان صاحب التأثير الأكبر على سلوك الألمان، هو الدعاية النازية، أم جهاز البوليس السري (الغستابو)، إلا أن ارتباط الإعلام بالسياسة أصبح أمراً لا يمكن إنكاره.
يمكن تقسيم المراحل التي مر بها الإعلام في العصر الحديث من حيث التفاعلية معه، إلى مرحلتين رئيسيتين، الأولى هي مرحلة الإعلامِ ذي التفاعل المحدود، وفي هذه المرحلة كان التفاعل بين الإعلام والجمهور يتم من خلال وسائل محدودة، وبسيطة، مثل رسائل القراء، أو اتصالات المشاهدين، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الإعلام التفاعلي، وهي مرحلة بدأت مع بداية الألفية الثالثة وكانت أداتها الرئيسية هي الإعلام الرقمي، وكان مجال التفاعل فيها في تعليقات القراء في المواقع، ومن خلال نشر المواضيع، والرد عليها في المنتديات، ومن هذه البيئة ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي التي بلغت أرقاماً غير مسبوقة في التفاعلية، فحسب إحصائية نشرتها الأمم المتحدة عام 2020 فإنه يحدث على الإنترنت في كل دقيقة: 1.3 مليون دخول للفيسبوك، و194 ألف تغريدة على تويتر، وإرسال 59 مليون رسالة عبر واتساب وماسنجر. وأصبح للمؤسسات الإعلامية العريقة صفحات على تويتر، وفيسبوك، وبعد أن كانت وظيفة هذه الصفحات في البداية هي نقل المتابعين للمواقع على الإنترنت، أو الدعاية للمواد المبثوثة، أو المطبوعة، أصبح لكل صفحة فريق تحرير خاص بها، وأصبح هناك مواد يتم إعدادها خصيصاً لها.
وحيث إن وسائل التواصل الاجتماعي تسير باتجاه مستوى أعلى من التفاعلية، فإننا اليوم نشهد مستوى جديداً ربما ساهم وباء كورونا في إظهاره، وهو ظاهرة المؤتمرات الجماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح من الممكن دعوة آلاف الأشخاص خلال زمن قصير، ودون إجراءات معقدة، إلى مؤتمر افتراضي لنقاش مسألة ما، وربما يكون السوريون في الشمال المحرر أكثر من هم بحاجة لهذه الميزة الأخيرة، لإبراز القيادات السياسية، والالتفاف حولهم، ونشر الرؤى، ومناقشة الحلول التي تكفل الخروج من الواقع الحالي، وربما يقع عاتق المجتمع المدني من نقابات مهنية وعلمية، وحراك ثوري، ووسائل إعلام، القيام بهذه المبادرة، حتى لا تتحول إلى أداة هدم، وطعن، وتخوين.