1– هل تعتقد أن مقاربة النظام للحل في سوريا تغيرت؟
عبد الرحمن الحاج: من الواضح أن النظام السوري استنفذ إمكاناته ووصل الحل العسكري الذي اعتمد عليه إلى طريق مسدود، لكنه لن يقبل بالدخول في أي حل سياسي لأن ذلك يعني تفككه، هو يراهن على إعادة تعويمه من قبل الحلفاء، أو عبر شرعية مصطنعة من خلال عملية انتخابية يشارك فيها، ويعمل على كسب الوقت أملاً بتفسخ الثورة السورية وتراجع مواقف داعميها الدوليين، معتمداً على الدعم الروسي والإيراني ظناً منه أن الدولتين لن تتخليا عنه على اعتبار أن بقاء أشخاص النظام هو الضامن لمصالحهما.
2– ما هو تقييمك لواقع النظام السوري؟
عبد الرحمن الحاج: يمر النظام السوري اليوم بضائقة اقتصادية غير مسبوقة ومرشحة للتصاعد ضده وضد حلفاءه، ويبدو أنها باتت تؤثر على قاعدته العسكرية والأمنية، صحيح أن بشار الأسد ليس مهتماً بموت شعبه فهو قصف آلاف المدنيين بالكيماوي بينهم مئات الأطفال، لكن ما يهدده من الأزمة الحالية هو تفكك الجيش والأمن والقوى العسكرية التي يعتمد عليها.
هذا أنسب وقت للضغط على النظام وإجباره على الدخول في الحل السياسي، لكن هذا يقتضي استخدام قوة عسكرية أمريكية مثلاً أو التلويح بها، لكن لا يوجد ما يجعلنا نعتقد أن إدارة "بايدن" قد تفعلها.
3– كيف تنظر إلى واقع المعارضة السورية؟
عبد الرحمن الحاج: في الوقت الذي لا تزال فيها شعلة الثورة متقدة في قلوب الناس تستمد حرارتها من ذكرى مئات الآلاف من الشهداء ومن الذكرى الحارقة للبيوت المهدمة في خيم النزوح ومنافي الشتات أصبحت المعارضة السياسية بعد عشر سنوات مقطوعة الصلة بمجتمعها تماماً، فقدت كل رصيدها لأسباب ذاتية تتعلق بطموحات شخصيات مؤثرة فيها وتدخل دول عديدة لتغير بنيتها وهندستها لتلائم المسارات السياسية والعسكرية التي تفرضها التفاهمات الدولية، فقدت استقلالها، صارت لدينا معارضة موالية لدول بعينها، وأصبحت أكثر الشخصيات نزاهة وقرباً من المجتمع خارج مؤسساتها، في حين أن القوى العسكرية الثورية التي نافست المؤسسات السياسية على لعب دور سياسي آذت المسار السياسي وأضرت به.
4–ماهو تأثير الدور الدولي على واقعة المعارضة السورية؟
عبد الرحمن الحاج: كان للدول المنخرطة في سوريا ثلاث نتائج على المعارضة:
الأول: هو تغيير في بنية المعارضة السياسية ذاتها وإعادة هندستها وهيكلتها لتكون مطواعة أكثر مرونة وأكثر استجابة للتحولات في مواقف الدول ،بانتظار أن يلعب الوقت دور المفكك للتحالفات وإعادة رسم المشهد السياسي لصالح النظام، ولا شك أن الروس كانوا الفاعل الرئيس في ذلك، تم إخراج الشخصيات الجذرية بدعوى أنها "متشددة" وخلق منصة جددة للتفاوض بهدف تقويض الائتلاف (الذي اعترفت به الهيئة العامة للأمم المتحدة ممثلاً للشعب السوري) وتقزيم دوره، ثم تم إعادة إدماج لمعارضات محسوبة على موسكو أو مقربة منها في جسم هيئة التفاوض لتصبح في نهاية المطاف "ممثلة للشعب السوري".!
الثاني: أدت هذه الهندسة والعبث في بنية المعارضة إلى دخول المعارضة في لعبة التقزيم والتجزيء المستمر للحل السياسي المتمثل في بيان جنيف 1، إلى أن وصلت إلى إحلال "اللجنة الدستورية" محل "هيئة الحكم الانتقالي"، أي احلال ما هو يفترض أنه نتيجة العمل ليكون هو العمل ذاته، هكذا فُرٍّغ المسار السياسي من مضمونه وأصبح مجرد مضيعة للوقت يشعر السوريون عموماً أنه كان مجرد خديعة لا يعول أحد اليوم على مسار جنيف.
الثالث: أدت التغيرات السابقة مع تحولات المشهد في سوريا وتغير في مواقف الدول ونظرتهم إلى الصراع الناتج عن الثورة في سوريا بعد صعود السلفية الجهادية وتنظيم داعش إلى التخلي المتدرج عن المعارضة الرئيسية من قبل المجتمع الدولي مع زيادة رغبة الأطراف تحويل المعارضة إلى ورقة بيدها، أدى كل ذلك إلى أن تفقد المعارضة استقلالها تماماً، سهل هذا التحكُّم بالمعارضة خروج شخصيات وطنية كثيرة من المؤسسات الرسمية.
5– ماهو رأيك بالمسارات السياسية المرعية من الأمم المتحدة؟
عبد الرحمن الحاج: بيان جنيف 1 هو أفضل حل فعلاً كان يمكن أن يضع سوريا على عتبة مرحلة جديدة من التغيير ويولد دولة جديدة تماماً يمكنها أن تحقق آمال السوريين وتطلعاتهم، لكن لم يكن النظام في وارد التخلي عن موقعه والدخول في مفاوضات لتنفيذ بيان جنيف وظل مراهناً على الوقت لتفكيك خصومه وإضعاف التأييد الدولي للمعارضة معتمداً على الحسم العسكري، ولم يكن المجتمع الدولي أيضاً راغباً في حشره في الزاوية لإجباره على الدخول في مفاوضات، لا بل إن الولايات المتحدة في عهد أوباما كانت ترسل له الإشارة تلو الأخرى أنها لن تفعل شيئاً مهما حصل، ولولا مجزرة الغوطة الهائلة لما اضطر أوباما للتحرك مغتنما الفرصة لتفكيك السلاح الكيميائي السوري، وترك النظام يفعل ما يريد، كان النظام قد استخدم السارين نجو 23 مرة قبل مجزرة الغوطة الشرقية في 21 آب/أغسطس 2013، ولم يكن لخط أوبا الأحمر الشهير أي معنى.
ساهم الروس في تمترس النظام، وقاموا بحمايته عبر مجلس الأمن مستفيدين من صعود داعش وخوف المجتمع الدولي من انهيار "مؤسسات الدولة"، وفي الأثناء فتتوا مسار جنيف، وتلاعبوا بالمبعوث الدولي الذي كان مواليا لهم، ثم تدخلوا عسكرياً وخلقوا مسار جديد لإضعاف مسار جنيف ونقل الحل السياسي ليكون تحت نفوذهم وأيضاً لتنفيذ رؤيتهم للحل التي لم تكون سوى إعادة انتاج الشرعية لبشار الأسد.
لقد عمل الروس بجهد ودأب لكي يصبح الحل السياسي في جنيف مستحيلاً، وراهنوا مثل النظام على حسم عسكري، وكانت النتيجة أن الحل السياسي لم يتقدم بالفعل أي خطوة لكنه بقي حياً، ولم يمكنهم الحسم العسكري فقد أدى التدخل الأمريكي في عهد ترامب إلى تغير جذري في المشهد العسكري وأنعش من جديد مبدأ الحل السياسي وأنهى الرهان على الحلول العسكرية مع تثبيت خطوط النفوذ التي يستند إليها الطرف التركي أيضاً في الشمال الغربي.
لم يعد ثمة إمكانية للحل العسكري، والطريق الوحيدة للخروج من هذا الوضع صار محتماً بحل سياسي، لكن هل مسار جنيف سيضمن هذا الحل؟ أي حل هذه المرة سيمر عبر صفقة بين الولايات المتحدة ومعها تركيا، وروسيا ومعها إيران، وسيكون لمسار جنيف وظيفة الإخراج السياسي لهذا الحل الذي سيكون دور السوريين فيه محدوداً للغاية.
6-هل يدل التصعيد الأمريكي – الأوروبي الأخير على تغيرات في المواقف الدولية؟
التصعيد السياسي في موقف الولايات المتحدة ليس مؤشراً على تغيير، فقد كان هذا الموقف من البداية، إنما ساهم تغير الأوضاع على الأرض في هذا التصعيد، من جهة لا يملك بشار الأسد ولا روسيا إمكانية للحل العسكري، ومن جهة ثانية إدارة "بايدن" مدركة لحجم الكارثة التي تسببت بها إدارة أوباما، ومن جهة ثالثة خرج داعش والقوى المتطرفة عموماً من المشهد، ومن جهة رابعة هنالك قانون قيصر والأوضاع الاقتصادية الكارثية في مناطق النظام التي تسبب بها الأسد نفسه.
بعد عشر سنوات صارت إمكانية العودة للحل السياسي أكبر من أي وقت مضى، لم يقدم النظام أي خطوة تشي بأنه يسعى لإخراج سوريا من الوضع الذي جرها إليها، وباعتقادي أن موقف الولايات المتحدة الذي ضبط إيقاع المواقف الإقليمية يمثل القاطرة التي أعادت للمواقف الدولية هذه الروح بعد عشر سنوات من الثورة.
7-ماهو المطلوب اليوم من المعارضة السورية؟
عبد الرحمن الحاج: تأسيساً على ما سبق؛ تحتاج المعارضة الآن وبعد كل ما حدث إلى ثلاثة أمور: أولها تعزيز تمثيل السوريين وتعديل هياكلها لتناسب الوضع الراهن من الوجود السوري في أنحاء العالم وفي الشمال السوري، وإعادة تجميع شخصيات المعارضة التي تتمتع بسمعة طيبة بين السوريين والتي خرجت من هياكلها لأسباب تتعلق بالصراع الداخلي للمعارضة والاستقواء بالدول أو بسبب الخلافات السياسية العميقة بشأن التعاطي مع المسار السياسي ،الثاني مد جذورها إلى المجتمع السوري والعمل على الارتباط بالأرض، لا يكفي التواجد الفيزيائي على أهميته الشديدة يجب أن يشعر الناس أن المعارضة جزء منهم، وهذا يحتاج إلى تفاعل يومي ومساعدة السوريين في الداخل بتنظيم أنفسهم وتوفير ما يمكن من الإمكانات على قلتها لخدمتهم، الثالث استقلالية القرار، بعد كل هذه السنوات صارت المعارضة الممزقة رهينة إرادة دول، هذا مؤسف ومحزن، يجب أن لا يكون الوضع على هذا النحو، يجب أن تحرص المعارضة على المسافة من الدول التي تسمح لها بالاستقلال، لا يجب أن تقبل التدخل بشؤونها الداخلية مثلا، لا يجب أن يتكرر رياض 2 ولا أن يكون لأي طرف دور في تحديد تمثيل أطراف المعارضة كما حصل سابقاً، ولا القبول بلعب دور لصالح أحد على حساب المصلحة الوطنية البينة، كما تحتاج المعارضة إلى حلفائها يحتاج حلفاؤها لها ويجب أن يتحقق الحد الأدنى من هذا الاستقلال لأن هذا الشيء الوحيد الذي يضمن حد أدنى من مصالح السوريين عند أي اتفاق.