1- ما هو التغيير الذي طرأ على المجتمع السوري بعد الثورة؟
ديرانية: أحدثت الثورة في المجتمع السوري تغييراً انقلابياً يصعب حصره بكلمات أو التعبير عنه بجمل قصيرات، ولن يدرك حجمَ هذا التغيير الهائل إلا مَن عرف أهل سوريا قبل الثورة ثم عرفهم بعدها، فقد نشرت الثورةُ روحَ الحرية والكرامة فعاد السوريُّ إنساناً حراً كريماً كما كان قبل فترة البعث الكئيبة وحكم الأسد الثقيل، وانقرض من النفوس الخوفُ الذي كان سفيرَ الاستبداد في تلك السنين الطوال، وتحققت الوحدة الوطنية بأبهى صورها عندما هتف ابن درعا للمعضمية وفدى أهلُ إدلب حمصَ بأنفسهم وتكاتف الريف مع المدينة والتحمت البادية مع الحاضرة وانصهر الشمال مع الجنوب والشرق مع الساحل، فصار أهل الثورة لحمة واحدة في مواجهة نظام البطش والاستبداد. كما انعكست أجواء الحرية الجديدة بتفجر الطاقات وصقل الكفاءات وظهور إبداعات غير مسبوقة بين السوريين.
2- هل لانحسار الثورة جغرافياً تأثير على استمرارها؟
ديرانية: إن الربط الحتمي السببي بين الثورة والأرض المحررة خطأ وقع فيه كثيرون، فالثورة ترتبط بالإنسان وليس بالأرض، وقد كان الثائر السوري ثائراً من أعظم ثوار الزمان يومَ لم تكن له أرض محررة سوى الشارع الذي يمشي فيه هاتفاً بنداء الحرية ومنادياً بإسقاط النظام. ولولا أن الثورة تعسكرت (راغمةً لا راغبة) لما كان للجغرافيا أي أهمية في تقييمها والحكم عليها بفشل أو نجاح، فتحريرُ الأرض هو الهدف في حالة الحرب العسكرية، أما الثورة الشعبية فهدفها هو إسقاط النظام وتحرير الإنسان من العبودية والأغلال.
3- هل لا تزال مقومات استمرار الثورة وانتصارها قائمة؟
ديرانية: إن العنصر الأهم في أي ثورة هو الإنسان كما قلت قبل قليل، قوتها الحقيقية هي قوة الجماهير، هي "قوة الروح"، وقد شاهدنا كيف وُلدت ثورتنا في فم الأسد وخرجت من جوف البركان عندما امتلك أحرار سوريا الإرادة والعزيمة والرغبة في الحرية والكرامة. لم يكن في أيديهم سلاح ولا كانت لهم أرض محررة، ورغم ذلك عاشوا وتكاثروا وانتصروا وعجز النظام عن إخماد ثورتهم والقضاء عليها رغم أنه امتلك من السلاح قدراً هائلاً ورغم أنه كانت عنده مئات الآلاف من الأمن والشبيحة والتشكيلات العسكرية الطائفية. لذلك كله يمكننا أن نقرر بكل اطمئنان: إن مقومات استمرار الثورة قائمة ما بقي لها جمهور متشبع بروحها ومقتنع بأفكارها وأهدافها ومستعد للتضحية من أجلها والمشي لآخر الطريق.
4- برأيك ما سبب ظهور التنظيمات المتطرفة في سوريا وما تأثيرها؟
ديرانية: فأما تأثيرها فخبره في صحائف التاريخ الحزينة، لا حاجةَ لمزيد من الشرح ولا إضافةَ تُضاف على حكاية الثورة المأساوية مع هذه التنظيمات. وأما سبب ظهورها فأمران، داخلي وخارجي. الخارجي يعرفه كل الناس، فقد أدرك النظام منذ وقت مبكر أن الغلو من شأنه أن يمزق الجسد الثوري وأن الغلاة المتطرفين هم أفضل من يمكنه تدمير الثورة من داخلها، وكانت له نظرة ثاقبة فأدرك أن غياث مطر وأمثاله من حملة "مشروع الحرية" أشد خطراً من قادة ومنظّري جماعات العنف الإسلامي، فلم يكن غريباً أن يفتح أبواب سجونه للفريق الأول داخلين وللثاني خارجين. ثم كان ما كان وانتهينا إلى تدمير الثورة من داخلها بأيدي الغلاة، بعدما فشل عدونا بتدميرها من خارجها بكل ما أوتي من قوة وقدرات.
أما السبب الداخلي فأشد أثراً وخطراً، فقد انعدم الوعي (أو كاد) بالتأثير المدمر لتلك التنظيمات فلم ترفع الثورة -في جملتها- أسواراً دفاعية بينها وبينها، بل إن العكس هو الذي حصل، فقد فتحت كثيرٌ من الفصائل أبوابها لدعاة الغلو ومنظّريه فعاثوا فيها الفساد، ثم فتح فريق من أهل الثورة أبواب حصن الثورة لحصان طروادة وأدخلوه إلى الحصن بأيديهم، فتحقق على أيديهم من الأذى والخراب ما لم يتحقق بصواريخ العدو ومدافعه وطياراته وجيوشه الجرارة.
وبعد ذلك كله: هل علّمتنا الكارثة ومنحتنا الحصانةَ من الإصابة بجراثيم الغلو والتطرف مرة أخرى؟ أقرر بكل أسى وأسف: ليس بعد، وما تزال التجربة المُرّة مرشحة للتكرار في أرضنا مرات ومرات.
5- ما هو المطلوب اليوم لنجاح الثورة؟
ديرانية: ينبغي على أهل الثورة اليوم التحلي بالشجاعة والصراحة في وصف الداء والبحث عن أسباب الانهيار ومعالجتها قبل فوات الأوان. ولا أظن أن ثورتنا ينقصها بحث وتحليل، فما أكثرَ ما حذر العقلاء ونصح الناصحون، وقد لا أبالغ لو قلت إن ما كُتب في إنقاذ الثورة وما خُطَّ في هذا الباب من وثائق ومشروعات يبلغ المئات ويملأ مجلدات، فماذا ينقصنا إذن؟ لا تنقصنا إلا العزيمة الصادقة والرغبة المخلصة في الإصلاح، تنقصنا الشجاعة والجرأة لمعالجة الخطأ ومحاصرة المخطئين وتقييم المسار.