أرسلت لي صحافية -نشيطة، ومحبة لعملها- سؤالاً حول ما إذا كان التسويق الإلكتروني الذي بدأ ينتشر بين سيدات الشمال السورية يمكن أن يشكل بديلاً عن الوظيفة؟ وللأمانة ترددت كثيراً قبل الإجابة، حيث تخيلت أن تقرأ الإجابة إحدى الساعيات إلى العمل فيصيبها الإحباط فتحرم من خير كان ليصيبها أو فرصة قد تحصلها، حيث إنني أعلم مدى صعوبة الدخول في هذا المجال ومقدار التحديات التي يمكن أن تواجه الراغب بالانخراط في الأمر، فحاولت صياغة إجابة مختصرة ومباشرة تساعدهن على فهم الموضوع بطريقة سليمة.
ما زلت أعتقد أن الانفتاح الإلكتروني الذي يشهده العالم –خاصة عالم ما بعد “كوفيد 19”- يوفر الكثير من الفرص للشباب والشابات الباحثين عن العمل والموجودين في الشمال السوري، فالمعارف المتراكمة لدى الشباب السوري في الشمال لا بد من أن تتحول لقطف ثماره على شكل دخل ومؤسسات جديدة يمكن أن نفتخر بها.
بعد “كوفيد-19” أُصيب العالم بفجوة سلعية نتيجة ضعف الإنتاج وعمليات الإغلاق والعزل التي مُورست على نطاق دولي، وأتت مرحلة ارتفاع سعر النفط والحرب الروسية الأوكرانية لتزيد الطين بلة، مما دفع جميع الزبائن لإعادة دراسة البدائل الجديدة بما في ذلك قطاع الأُسَر الذي أنهكته الأسعار المرتفعة. وهنا تلوح فرصة عرض السلع والخدمات التي يريد المسوق ترويجها بعرضها بالأسلوب الأفضل وإظهار بعض المزايا التي تتعلق بالسعر والجودة والقدرة على الوصول للزبون في الوقت المناسب.
عن ماذا نتحدث هنا؟ فالسلع في شمال سورية بالكاد تكفي الداخل السوري وهناك صعوبة في إيصال أي فائض خارج المناطق التي يعيش فيها الراغب|الراغبة بعملية التسويق! لا يشترط في عملية التسويق الإلكتروني أن تكون أنت صاحب السلعة أو أن تروج لسلعة موجودة في محيطك الجغرافي، فأنت تستطيع أن تروج خدمات سفر في إيطاليا لزبائن من مصر أو المغرب على سبيل المثال وذلك مقابل عمولة، كما يمكن أن تروج لملبوسات تركية الصنع لتُباع في الخليج فهذا كله ممكن وضمن المتاح، فالجغرافيا والحدود هنا أصبحت أقل أهمية في عملية التسويق والبيع. كل ما عليك فعله أن تجد منتجاً جيداً تتعاقد على تسويقه ومنصات وقنوات بيع موثوقة وذات سمعة حسنة.
ولا شك أن العمل في إطار التسويق الإلكتروني يتطلب بِنْية تحتية أولية يجب أن نتأكد من وجودها في محيطنا لبدء العمل، حيث نتحدث عن بِنْية اتصالات جيدة مثل خط الإنترنت السريع، وأحسب أن هذا متوفر في حالة الشمال السوري عَبْر الخدمات المقدمة من المشغلين هناك، كذلك إمكانية الاتصال الهاتفي لمختلف أنحاء العالم، وهذا يمكن تأمينه عَبْر الإنترنت من خلال شراء أرقام هاتفية عَبْر برنامج “سكاي بي” على سبيل المثال مقابل مبالغ بسيطة لا تتجاوز بضعة دولارات تتيح لنا الاتصال بمختلف العالم عَبْر الإنترنت، أو أي خدمات أخرى تتيح لنا الاتصال وتلقي المكالمات فالمسألة مهمة لحل بعض المسائل المتعلقة باللوجستيك أو خدمة ما بعد البيع.
على جانب آخر فإن أُسس التسويق الإلكتروني يجب أن تكون متوافرة لدى العاملين في هذا المجال، ابتداءً من اختيار السلعة المناسبة للسوق المستهدف مروراً بمعرفة الزبائن وقراراتهم وقدراتهم على الدفع إضافة لبناء الثقة مع العميل وتحقيق الرضا عن الخدمة وتنويع أدوات الترويج وغيرها من المسائل التي تُعَدّ متاحة على شكل كورسات مجانية عَبْر منصات التعليم أو على شكل كتب إلكترونية يمكن الإطلاع عليها.
ثم يجب أن تتأكد السيدة أو السيد الراغب بالعمل في هذا المجال من قدرته على استقبال الأموال، وهذا قد يكون متاحاً عَبْر خدمة البريد التركي (PTT) الموجودة في بعض المناطق أو من خلال شركات التحويل الموثوقة أو حتى عَبْر أحد المنافذ في دول الجوار.
يمكن أن يأخذ التسويق الإلكتروني هنا أكثر من طريقة ولعل أبرزها تكوين مركز خدميّ لتسويق السلع تتوفر فيه الخدمات الرئيسية ويتم العمل فيه بأسلوب مؤسساتي ضِمن فريق متضامن يتخصص كل منهم في جانب ويمكن أن تكون لهم شركتهم الخاصة ومعرفاتهم أو موقعهم عَبْر الإنترنت أو حسابات على منصات البيع العالمية مما يجعلهم يحققون وصولاً مضاعفاً عن طريق العمل الجماعي وتقاسُم المهامّ، كما يمكن أن يكون لديهم خدمة (call center) لصالح أحد الشركات في سبيل تقديم خدمات ما بعد البيع. يمكن توسيع عمليات الترويج لتشمل مبيعات الفيديو والصور وخدمات برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية ومبيعات الألبسة والطعام والأدوية والمعدات الثقيلة وأي خدمات أو سلع يمكن التحصل على إمكانية ترويجها من الشركة بشكل مباشر أو من وكالات الترويج الكبرى.
قد تكون فكرة التسويق الإلكتروني مناسبة ومتوائمة مع ظروف المرأة في الشمال السوري بحيث تفتح لها بوابة للعالم الخارجي فتجعلها أكثر اطلاعاً على ما يجري في محيطها من تطوُّرات، وبنفس الوقت تدرّ عليها دخلاً يساعدها على تحقيق استقلاليتها وإعالة نفسها في واقع صعب ويتجه نحو مزيد من الصعوبة مع الأسف.
ولا شكّ أن العمل المخطَّط والمرتَّب وقِيَم الصدق وبناء الثقة والحرص على تحقيق مصالح الزبون والمنتج سيجعل من الأمر مثمراً في النهاية وقد يؤدي لتأسيس تجربة قابلة للاستنساخ من قِبل عدد واسع من الساعيات للعمل.