بدعم من روسيا حصد الصراع العسكري أرواح آلاف المواطنين فيما قُدِّرت أعداد المهجَّرين والنازحين بأكثر من مائتَيْ ألف شخص يعيشون في ظروف معيشية صعبة، الجريمة والتهريب، الاغتصاب والخطف، لقد تصاعد العنف والإرهاب بشكل كبير في البلاد، ولا يبدو أن هناك بوادرَ لحل الأزمة، فيما تقاتل روسيا بشراسة للدفاع عن النظام الحاكم في البلاد، وتطيل أمد الصراع في سبيل تحقيق مصالحها من خلال التفاوُض مع الغرب.
يبدو هذا المشهد مألوفاً للسوريين، رغم أن الحديث ليس عن سوريا، فأبخازيا تشاطر سوريا في قواسم مشتركة كثيرة، قد يكون أبرزها الهيمنة الروسية الساعية إلى مجابهة الغرب من خلال جبهة من الدمى التي تُكوِّنها وتُجري بينها علاقات صوريّة لا تصبّ بالضرورة في صالح هذه القوى.
الفتور في الصراع في منطقة أبخازيا التي تحاول إثبات نفسها كدولة مستقلة عن جورجيا منذ 1992 ولَّد "منطقة جريمة" يصعب ضبطها من جهة محددة بل تستفيد منها مختلف القوى المنخرطة في الصراع أو الراعية بتحقيق مصالح من خلاله، تحديداً في إقليمَيْ "غالي" و "كودوري جورج" أصبح الاغتصاب والخطف معياراً سائداً في المنطقتين، وفي عموم أبخازيا يسيطر حالة من التهريب والاقتصاد الأسود الذي يندمج مع كل من جورجيا وروسيا مع صعوبة واسعة في تحليل شبكات المصالح وتفاصيل هذه الشبكات.
المعادن والسجائر هي أبرز السلع التي يجري تهريبها من أبخازيا عَبْر نهر "إنغوري" ومن منطقة "سوخومي" بمشاركة سفن روسية وتقدر مُهرَّبات أبخازيا من السجائر شهرياً بأكثر من 4.5 مليون علبة، ويبلغ سعر الباكيت الواحد قرابة 0.33 من الدولار الأمريكي أي حوالي 1000 ليرة سوريّة، حسب سعر الصرف السائد حالياً، وهو سعر مقارب لسعر "باكيت" الدخان السوري من ماركة شرق أو حمراء، ولكنه أرخص من السجائر الأجنبية بكثير.
على جانب آخر سعى النظام السوري لتنشيط تجارة السجائر، والحبوب والحشيش مستفيداً من سيطرته على مناطق واسعة في سوريا تسمح له بالوصول إلى المعابر الحدودية, في 2019 ضبطت الحكومة الأردنية ثلاث إلى أربع شحنات شهرية قادمة من سوريا عَبْر معبر "نصيب" ، وهذا يعني أن ما لم تضبطه كان أكبر، ومع تشديد الإجراءات في المعبر وإغلاقه أحياناً استخدمت الحدود البرية "الأردنية- السورية" لإدخال كميات ضخمة أعلنت السلطات الأردنية عن ضبط بعضها. البحر كان عاملاً مهماً في إيصال الحشيش السوري إلى أوروبا، ومؤخراً أعلنت تركيا عن ضبط كميات كبيرة موزعة على 17 حاوية بضائع ومتجهة إلى الإمارات، وقبل فترة اشتهرت شحنة "الرمان" الذي احتوى على كمية ضخمة متجهة إلى السعودية، وفي 2020 أوقفت إيطاليا 15 طناً من الحبوب المخدرة قادمة من سوريا، وهي كمية ضخمة نسبياً، ولم تكن الأولى على ما يبدو.
"ما من مصالح اقتصادية لروسيا في سوريا" هكذا عبَّر بوتين عن مصالحهم في سوريا مطلع 2011، ولكن الأمر لم يدم طويلاً، فالمتغيرات جعلت من مصالح روسيا في التواجد في البحر المتوسط مسألة حيوية، كذلك فإن قضايا إعادة إعمار سوريا ومبيعات السلاح التي باتت رائجة بعد عرضها وتجريبها في سوريا إضافة إلى الاستفادة من موقع سوريا كمنصة إستراتيجية للشركات الروسية كلها مصالح ناشئة أدركتها روسيا في وقت لاحق، ولكن المصلحة الأبرز لروسيا كانت إيجاد مساحات عمل لخدمة مصالح شخصيات مقرَّبة من الرئيس الروسي وكبار المسؤولين، مساحات عمل تستطيع من خلالها هذه الشركات تحريك منظومة الاقتصاد الأسود الروسي الضخم المتنامية في مواجهة عقوبات غربية تضيّق الخناق على روسيا بسبب مشاريعها المعادية للغرب.
المصلحة الروسية في دعم بقع جغرافية مجهرية كأبخازيا وأنظمة مجرمة كنظام الأسد لم تعد تقتصر على مصارعة الغرب في ميدان السياسة بل تعدته أيضاً إلى البحث عن مساحات عمل اقتصادي للجانب الروسي في هذه الدول الباحثة عن توسيع شبكاتها الاقتصادية الرسمية و غير الرسمية بعد محاصرتها غربياً.