انتهاء الحرب لا يُنهي معاناة مَن شهدوها، كما هو حال أحمد الناصيف مدني من قرية "الباغوز" بريف دير الزور شرق سورية، الذي فقد عدداً من أفراد عائلته في قصف جوي من قِبل طائرات التحالف الدولي في 25 فبراير 2018، عندما كانت تشهد المنطقة حرباً ضد تنظيم "داعش".
خسر الناصيف 18 من أفراد عائلته بينهم أربعة من أطفاله نتيجة الضربات الجوية التي استهدفتهم بشكل مباشر، أثناء نزوحهم من المنطقة، "جميعهم قُتلوا في هذه الضربة"، كما قال لـ"نداء بوست" من خلال تسجيل صوتي.
الباغوز هي آخِر نقطة تم استعادتها من تنظيم "داعش" على يد القوات الكردية بدعم جوي وبري من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد أن شهدت معاركَ عنيفةً وقصفاً شديداً عام 2019. يسيطر على الباغوز الآن قوات سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية تحت مظلة التحالف الدولي.
بعد مرور قُرابة ثلاث سنوات على انتهاء الحرب لا يزال قسم من أهالي الباغوز مهجَّرين خارجها، حيث لم يتمكنوا من العودة بسبب منازلهم المدمَّرة، في حين حاولَ الأهالي في "الباغوز" إرسال الشكاوى لقوات التحالف الدولي والمطالبة بإعادة الإعمار وتحسين الوضع الخدمي، وتعويض أهالي الضحايا كأحمد الناصيف، إذ لم تقدم الولايات المتحدة أي مشروع إعادة إعمار منذ انتهاء الحرب عام 2019 وفقاً لممثل البلدة ورئيس المجلس المحلي فيها حواس الجاسم.
عدم اكتراث
"منذ 2019 لم يقدم لنا الأمريكان أيّ مشروع إعادة إعمار أو دعم للمنطقة التي لا تزال منكوبة، منذ انتهاء الحرب على "داعش" لا يوجد أي مؤسسة خدمية تعمل، منها المدارس"، مشيراً إلى تأثُّر القطاع الزراعي بشكل كبير وانعدام الثروة الحيوانية وكذلك لديهم 7 مدارس ومحطة للمياه بحالة دمار كامل، "المستوصف تدمر أيضاً، وهو فقط ما قامت ببنائه الإدارة الذاتية لكن الخدمات فيه سيئة، لا يوجد كهرباء نهائيّاً، وأنا أخبرتهم عن كل هذا، وقلت لهم: أنتم لم تقدموا شيئاً سوى الاجتماعات". بحسب ما ذكر الجاسم لـ"نداء بوست" عَبْر مكالمة هاتفية.
لم تكترث القوات الأمريكية المتواجدة في "الباغوز" بشكاوى ممثل البلدة المتكرِّرة، وطلب تحسين الوضع الخدمي وتعويض أهالي الضحايا، "لدينا عوائل تم قصفها في منازلها وأنا حملت المسؤولية للأمريكان، لدينا في الباغوز 1400 منزل مدمَّر على الأرض"، يضيف.
ردَّت القوات الأمريكية على الجاسم بقولها: "إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة وقُتِلَ مدنيون عن طريق الخطأ، فعليكم تزويدنا بالأسماء والبيانات"، بعد أن قدّم الجاسم البيانات التي طُلبت بينها أسماء عوائل كاملة من ضِمنهم نساء وأطفال وشيوخ، كما تم تقديم كتاب من قِبل أحمد الناصيف عن طريق رئيس المجلس المحلي للباغوز، في حقل "العمر"، تم الرد عليه بعد ذلك بأنهم سوف يبلغون الخارجية الأمريكية بهذا، ثم لم يتم الرد حتى لحظة نشر هذا المقال.
ردّ الخارجية
حتى ساعة نشر هذا المقال، لم يتلقَّ "نداء بوست" رداً على بريده الإلكتروني الذي أرسله للخارجية الأمريكية للاستفسار حول عدم الرد على شكاوى أهالي قرية "الباغوز".
جريمة حرب
في سياق متصل، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" من خلال تحقيق موسع نشرته في 2021 عن مجزرة ارتكبتها طائرات أمريكية بحق عدد كبير من المدنيين العزّل، إبان المعركة الأخيرة ضد تنظيم "داعش" في 18 آذار 2019.
أوردت الصحيفة أنه في الساعات الأخيرة من المعركة ذلك اليوم، وبعد رصد مكثّف من قِبل طائرات الاستطلاع، باغتت طائرات حربية أمريكية من طراز F15 تجمُّعاً للمدنيين النازحين والمتواجدين على ضفة نهر الفرات، وأسقطت عليهم قنبلتين، الأولى تزن 226 كغ والأخرى 907 كغ، ما أدى لإحداث انفجارات هائلة في المنطقة ومقتل ما لا يقل عن 70 امرأةً وطفلاً، إذ كانت هذه هي المجزرة الكبرى التي يرتكبها التحالف الدولي في غضون حربه ضد التنظيم.
وفي ردّها على استفسارات نيويورك تايمز، أقرّت القيادة المركزية الأمريكية بوقوع الغارة، حيث قالت: إن ثمانين شخصاً قُتلوا وإن الضربة كانت مبرَّرة، كما نقلت الصحيفة عن بيان القيادة بأنه ليس من الواضح أنهم مدنيون، لأن النساء والأطفال في تنظيم "داعش" كانوا يحملون السلاح في بعض الأحيان، حسب زعمهم.
ووفقاً للتحقيق فإن الوحدة التاسعة (وحدة سرية من القوات الخاصة الأمريكية)، وهي ذات الوحدة التي أمرت بالقصف الذي أوقع المجزرة، أبلغت القيادة المركزية أن القصف كان قانونياً؛ لأن المدنيين الذين قُتلوا كان عددهم قليلاً، ولا يوجد ما يستدعي القيام بتحقيق جنائي أو إجراء تأديبي.
وهي الوحدة ذاتها التي نفذت ضربات بقنابل تزن قُرابة طن ونصف على تجمُّع للمدنيين في بلدة "الباغوز" شرق سورية، والتي أدت لمقتل 70 من الأطفال والنساء. إبان الحرب على تنظيم "داعش" عام 2019. والتي أزاحت عنها الستار "نيويورك تايمز" في تحقيق سابق.