نداء بوست- قسم التحليل والمتابعة- أحمد عكلة
كشف الباحث الاقتصادي السوري محمد نبال قلعة جي عن عدة خيارات أمام دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد بدائل عن استيراد الغاز الروسي وذلك بعد الحرب الأوكرانية.
وقال قلعة جي لموقع “نداء بوست”: إنه “يعتبر قطاع الطاقة من أهم القطاعات الاقتصادية إلى جانب القطاع الزراعي والصناعي وكافة منتجات الطاقة من بنزين وديزل وغاز تعتبر عصب الاقتصاد ومشغل الماكينة الاقتصادية بشقيها الزراعي والصناعي”.
كما أضاف في حديثه أن “النهضة الزراعية والصناعية الحالية في أوروبا لا يمكن أن تستمر عند انقطاع مصادر الطاقة، ومن المعلوم أن القارة الأوروبية غير مكتفية ذاتياً من الطاقة إنما تستوردها من دول أخرى، وإلى جانب الأهمية الاقتصادية الحيوية لمصادر الطاقة في أوروبا يوجد عامل آخر يزيد أهمية مصادر الطاقة للمواطن الأوروبي وهو الشتاء القارس الذي يستمر لما يقارب 5 أشهر في معظم الدول الأوروبية ويتم استخدام الغاز المستورد للتدفئة في جميع الدول الأوروبية”.
وأشار “قبل الحديث عن البدائل الأوروبية للغاز الروسي يجب التنويه إلى أن إمدادات الطاقة من روسيا إلى أوروبا لم تتوقف حتى هذه اللحظة إنما المضاربات التي تحدث في سوق الطاقة هي السبب وراء زيادة الأسعار”.
يبلغ استهلاك أوروبا من الغاز سنوياً ما يقارب 552 مليار م3 ويتم استيراد ما يقارب 70% من استهلاكها السنوي من الخارج أي ما يقارب 386 مليار م3 والـ 30% المتبقية يتم إنتاجها محلياً، وتبلغ حصة روسيا من الواردات الأوروبية من الغاز نحو 45% سنوياً أي ما يقارب 174 مليار م3 , وهذا يؤكد الاعتماد الكبير لأوروبا على الغاز الروسي الذي يُستخدم لأغراض التدفئة والصناعة والزراعة والمواصلات، وأيضاً تعتمد أوروبا على النفط الروسي بنسبة 25% من وارداتها النفطية بحسب قلعة جي.
ولفت في حديثه إلى أن الدول الأوروبية تختلف في نسبة اعتمادها على الغاز الروسي فهناك بعض الدول الأوروبية تعتمد بنسبة 100% على الغاز الروسي مثل مقدونيا والبوسنا والهرسك ومولدافيا ودول أخرى تعتمد بنسبة تتراوح من 80 إلى 90% مثل فنلندا ولاتفيا وصربيا والتشيك وسلوفاكيا والمجر وبلجيكا وألمانيا 50% وإيطاليا 46% وبولندا 40% وفرنسا 24%.
كذلك يوجد عدة بدائل للغاز الروسي إلا أن هذه البدائل غير كافية لسد النقص الحاصل، وعلى رأس هذه البدائل تأتي الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر القادرين على تعويض أوروبا إلا أن الولايات المتحدة تقوم بتصدير الغاز المسال الذي يُعتبر مكلفاً مالياً.
إضافةً إلى صعوبات أخرى تتمثل في نقص شبكة الأنابيب بين أمريكا وأوروبا ونقص في منشآت التصدير وأيضاً زيادة في السعر بنسبة لا تقل عن 30%.
حيث إن تكلفة الغاز المسال أعلى من تكلفة الغاز بشكله الطبيعي حيث يتم تبريد الغاز الطبيعي إلى درجة حرارة 162 درجة تحت الصفر قبل شحنه ليتحول إلى سائل ثم يتم تحميله على سفن وبعد الوصول إلى الدولة المستوردة يتم تحويله مرة أخرى إلى غاز.
وأوضح الباحث السوري أن قطر تُعتبر أكبر مصدر للغاز المُسال في العالم ولكنها مرتبطة بعقود طويلة الأجل مع دول آسيوية وأعلنت قطر زيادة طاقتها الإنتاجية من 77 مليون طن سنوياً إلى 126 مليون طن سنوياً ولكن هذه الزيادة لن يتم الوصول إليها حتى عام 2027.
وتُعتبر النرويج هي ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا ورغم وصول النرويج إلى طاقتها الإنتاجية القصوى فإنها لا تكفي إلا للتعويض عن جزء يسير من الغاز الروسي والجزائر تصدر إلى أوروبا ما يقارب 11% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي عَبْر خط أنابيب ترانزميد مع إيطاليا وخط أنابيب ميد غاز مع إسبانيا ولن تستطيع تعويض النقص الحاصل في إمدادات الغاز الروسية.
ونوه قلعة جي إلى أنه يمكن لأستراليا أن تقوم بتعويض جزء بسيط من الواردات الأوروبية من الغاز حيث تبلغ صادرات أستراليا 72 مليون طن سنوياً إلا أن بُعد المسافة والتكلفة يشكل عائقاً أمام الاستفادة من الغاز الأسترالي فالنفط يمكن نقله بسهولة من مكان إلى آخر أما الغاز فنقله أمر صعب ومكلف.
كذلك يمكن النظر إلى الغاز الكازاخستاني حيث يوجد خط أنابيب ينطلق من باكو مروراً بأرمينيا وتركيا وصولاً إلى أوروبا لكن طاقة الخط هي 10 مليارات م3 سنوياً فقط.
ورأى قلعة جي أن جميع البدائل المتاحة أمام أوروبا هي بدائل محدودة ولن تُسهم إلا بتعويض جزء يسير من الغاز الروسي إضافةً إلى عائق التكلفة والزمن حيث إن هذه البدائل غير جاهزة حالياً بنسبة 100% وفي حال جاهزيتها فإنها ستكون مرتفعة التكلفة ولن تسدّ إلا جزءاً يسيراً من واردات الغاز الروسية إلى أوروبا.
وتشير الإحصائيات إلى أن كافة البدائل المتاحة ربما تزود أوروبا بما يقارب 10 إلى 15% من احتياجاتها من الغاز بينما الصادرات الروسية إلى أوروبا تبلغ ما يقارب 45% من الواردات الأوروبية.
أمام هذا الواقع بدأ المواطن الأوروبي بتخزين الأخشاب تحسُّباً لأي انقطاع مفاجئ في مادة الغاز وقامت ألمانيا وهولندا بالبدء بتنفيذ خطة لتقنين استهلاك الطاقة، وقامت بريطانيا بتفعيل استخدام أساليب الطاقة النظيفة والتوجه نحو بناء المزيد من المحطات النووية.
وأيضاً أعلنت بريطانيا عن رفضها الدفع بعملة الروبل وقامت كل من لاتفيا وإستونيا ولتوانيا بوقف استيراد الغاز الروسي، في الوقت الذي تبدو فيه كافة البدائل المطروحة للاستغناء عن الغاز الروسي طويلة الأمد كمحطات الطاقة النووية أو مكلفة للغاية.
مثل الغاز المسال طاقة الرياح والطاقة الشمسية والفحم ولكنها لا يمكنها إلا التعويض عن جزء بسيط جداً من الاستهلاك الأوروبي.
وفي حال قطعت روسيا إمدادات الطاقة فسوف يتحول ليل أوروبا إلى ظلام دامس وسوف تعاني من موجة حادة من الركود الصناعي.
ويعتقد قلعة جي أن الحل الأفضل أمام الدول الأوروبية هو الانخراط في محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا وإعطاء الضمانات الكافية لروسيا حيث تتصدر روسيا دول العالم باحتياطيات الغاز التي تصل إلى 49 تريليون م3 ، وتصدر كل سنة ما يقارب الـ 200 مليار م3 ويبلغ العائد السنوي لروسيا من صادرات الطاقة 321 مليار دولار وَفْق بلومبيرغ.