اختار "بشار الأسد" مدينة "دوما" بريف دمشق مكاناً للإدلاء بصوته ضِمن انتخابات رئاسية تبدو محسومة النتيجة قبل إجرائها، وذلك من خلال الأجواء التي رافقتها من نزول موالين للأسد وعناصر أمنية للشوارع والتأكيد على أنه الرابح.
وظهر "الأسد" بمظهر المنتصر في مدينة قتل واعتقل وهجّر الآلاف من سُكّانها على مدار 10 سنوات ماضية، في رسالة يراها سوريون بأنّها تحدٍّ ورقص على دمائهم ، نظراً لما تحمله "دوما" من رمزية لدى السوريين.
وندَّد بشار الأسد، بعد إدلائه بصوته رفقة زوجته، بالانتقادات الغربية الأخيرة المشكِّكة في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي تشهدها بلاده، معتبراً أن قيمتها "صفر".
ولم يلتفت "الأسد" إلى المدينة التي دمّرت طائراته أجزاء واسعة منها، ولا إلى مقبرة "الشهداء" التي تتراصف فيها مئات الشواهد لضحايا قتلهم "الأسد" خنقاً وحرقاً وقصفاً، وَفْق ما وثّقت عدسات الناشطين منذ 2011.
ضحايا بالآلاف
قدّر ناشطون في مدينة دوما، عدد الضحايا المدنيين جراء قصف النظام السوري للمدينة منذ بدء الثورة السورية في آذار عام 2011 حتى 2018 (تاريخ خروج الفصائل منها) بما لا يقلّ عن 8 آلاف مدنيّ، معظمهم من الأطفال والنساء، ومن بين الضحايا ، 1400 مدني قضوا بالسلاح الكيماوي، في أكبر مجزرة شهدتها سوريا شهر أغسطس/ آب 2013.
وفي نيسان/ إبريل عام 2018 قضى حوالي سبعين شخصاً على الأقل إثر هجوم كيماوي على مدينة دوما، وسعى النظام السوري بعد ذلك، إلى العبث بمسرح الجريمة، واعتقال بعض الشهود من الكادر الطبي الذي عالجوا الضحايا، وحضروا وفاتهم خنقاً، وأرغمهم على الإدلاء بشهادات كاذبة عَبْر وسائل إعلامه.
رأى "محمد الصطوف" عضو المركز السوري للحريات الصحفية، أنّ بشار الأسد يعتقد نفسه انتصر فعلاً، ولعل اختياره لمدينة دوما مكاناً للإدلاء بصوته في انتخابات شكلية، هو دليل على اعتقاده بأنه انتصر.
وقال "الصطوف" في حديثٍ لـ "نداء بوست": قد يريد الأسد من هذا الظهور في "دوما" توجيه رسالتين للداخل والخارج، الأولى يريد القول إنّه انتصر على خصومه، متناسياً دمار المدينة وتهجير أهلها، والثانية، رسالة للخارج، وهي ما وجّهها علناً أمام صندوق الاقتراح حين قال: ما تتحدثون عنه بخصوص الانتخابات لا يساوي شيئًا.
بينما اعتبر الصحفي "أحمد عليان" أنّ ظهور الأسد في "دوما" لا يعدو عن كونه مشهداً من مشاهد مسرحيته التي اعتاد عليها السوريون، واستكمالاً لفصول السيطرة بالقوة على إرادة السوريين وحقهم في الحرية والعيش الكريم.
وأضاف "عليان": "دوما" – وأي مكان قدّم شهداء في درب الحرية- تعطي رمزية مثلها مثل أي بقعة في سوريا، ولكن يبدو أنّ الأسد اختار أكثر المدن تأثيراً خلف أسوار دمشق، ولكن اختياراته على اختلاف أشكالها، أصبحت مكشوفة للسوريين وللعالم أجمع، والرفض الشعبي والدولي لانتخاباته خير دليل.
الانتخابات
أعلن النظام السوري اعتباراً من صباح اليوم الأربعاء، البدء بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية، التي يخوض فيها "الأسد" منافسة شكلية، مع مرشحيْنِ اثنين، لا شعبية لهما، في حين تتدفق على الأسد الأموال الداعمة في حملته الانتخابية.
وتجري الانتخابات في المناطق الخاضعة للنظام السوري، والمقدَّرة بأقل من ثلثَيْ مساحة البلاد، ويقطن فيها حوالي 11 مليون شخص، في حين يقول النظام السوري إنّ عدد الذين يحقّ لهم التصويت هو 18 مليون سوري.
ويبلغ عدد المراكز الانتخابية، وفق الداخلية، أكثر من 12 ألفاً، فيما تغيب الانتخابات عن شمال غربي سوريا الذي يقطنه أكثر من 4 ملايين نسمة، ويخضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية إلى جانب "هيئة تحرير الشام" ، كما رفضت غالبية مدن وبلدات محافظة "درعا" افتتاح مراكز انتخابية فيها، في حين اعتبر "قسد" أن الانتخابات لا تعنيهم، وامتنعوا عن إتاحة الفرصة للنظام السوري لإقامة مراكز انتخابية.