نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
حذّرت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، يوم أمس الجمعة، من إقدام السلطات الإسرائيلية على تهجير فلسطينيِّي يطا الخليل والمضي قدماً في مخططات بناء (3988) وحدة استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكّد الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير هيثم أبو الفول، أن “التوسع الاستيطاني يُعدّ خرقاً صارخاً وجسيماً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وفي مُقدمتها قرار مجلس الأمن رقم (2334)”.
وشدّد الناطق باسم الوزارة، أن “سياسة الاستيطان سواء بناء المستوطنات أو توسيعها أو مصادرة الأراضي أو تهجير الفلسطينيين هي سياسةٌ لا شرعية ولا قانونية ومرفوضة ومدانة وخطوةٌ أحادية تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وتقويضاً لأسس السلام، وجهود حلّ الصراع، وتحقيق السلام الشامل والعادل وفرص حلّ الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية”.
في سياق متصل، كانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، أدانت يوم أمس السماح للمتطرفين باقتحام المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسي الشريف تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير هيثم أبو الفول أن المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسي الشريف بكامل مساحته البالغة 144 دونماً هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وتكون الزيارة لغير المسلمين له بتنظيم من إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، بصفتها الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة جميع شؤون الحرم وتنظيم الدخول إليه.
وطالب الناطق الرسمي باسم الوزارة تل أبيب، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بالكف عن جميع الممارسات والانتهاكات بحق المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسي الشريف، واحترام حرمته ووقف جميع الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم، واحترام سلطة إدارة أوقاف القدس.
شعبياً يواصل الأردنيون يومياً إقامة “صلاة الفجر العظيم”، بوصفها ممارسة تضامُنية مع الشعب الفلسطيني على وجه العموم، ومع المقادسة والمرابطين منهم في المسجد الأقصى على وجه الخصوص، كون “صلاة الفجر العظيم” هي بالأساس فعلٌ فلسطينيّ.
ويعود أصل هذه الممارسة الفلسطينية النضالية، إلى حملة شعبية أُطلقت بداية في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019، متزامنةً مع بدايات انتشار جائحة كورونا خارج الصين.
وكان هدفها المعلن تكثيف الوجود الفلسطيني في المسجد الإبراهيمي، الذي أعلنته سلطات الاحتلال تراثاً يهودياً عام 2009، بهدف إعادته إلى واجهة الأحداث في مدينة الخليل وتحويله إلى نقطة تجمع للفعاليات الشعبية المناهضة للاحتلال وإجراءاته.
بعد ذلك، تلقّف المقدسيون هذه المبادرة ليعلنوا أول صلاة فجر (الفجر العظيم) في المسجد الأقصى المبارك يوم الجمعة 10 كانون الثاني/ يناير 2020، وكان عنوان هذه الحملة تكثيف الوجود الفلسطيني في المسجد الأقصى المبارك في صلاة الفجر كل يوم جمعة، وجاء اختيار يوم الجمعة تحديداً كونه يوم عطلة أسبوعية للفلسطينيين في القدس وفي مناطق الخط الأخضر. وكان حجم الاستجابة الشعبية لهذه المبادرة مفاجئاً لحكومة الاحتلال، فاختيار صلاة الفجر كان يمثل تحدياً كبيراً لسكان مناطق الخط الأخضر، خصوصاً أن الوصول للقدس في وقت مبكر يستلزم الانطلاق في ساعات متأخرة من الليل، بالنظر إلى أن غالبية سكان الخط الأخضر يعيشون في مناطق المثلث والجليل التي تبعد عن مدينة القدس بين ساعتين وثلاث ساعات بالسيارة. وعلى الرغم من ذلك فقد توافد الآلاف منهم إضافةً إلى آلاف المقدسيين كل جمعةٍ ليصلّوا صلاة الفجر في المسجد الأقصى في مشهدٍ مهيبٍ غير مسبوقٍ منذ بداية الاحتلال.
وبسرعة البرق تحول الفجر العظيم إلى تظاهرةٍ دينيةٍ سياسيةٍ أسبوعيةٍ في المسجد الأقصى المبارك تعكس خيارات الشارع الفلسطيني وأولوياته واهتماماته، من خلال تسمية كل جمعةٍ باسمٍ معيّن يشير إلى إحدى القضايا التي يواجهها الشارع المقدسي مثل قضية الأسرى وغيرها.
ما أثار حفيظة الاحتلال من الفجر العظيم، فترجم غضبه من المبادرة في إجراءاتٍ مختلفة اتخذها لمحاولة تقليل الأعداد الوافدة إلى المسجد الأقصى المبارك.
فتارةً كانت سلطات الاحتلال توقف الحافلات القادمة من مناطق الخط الأخضر وتُعطّلها ساعات حتى طلوع الشمس، وتارةً ترسل رسائل تحذيرية إلى هواتف المقدسيين تحذرهم مما سمّته “التحريض” و”خرق القانون” في صلاة الفجر، إشارةً إلى التظاهرات التي تجري بعد صلاة الفجر في المسجد الأقصى المبارك كل جمعة وتنادي بشعارات تلك الجمعة، وتارةً أخرى تحجز هويات المقدسيين وتنصب الحواجز التعطيلية في شوارع البلدة القديمة وأمام بوابات المسجد الأقصى المبارك وتعتقل بعض مَن كانت تصفهم بالمحرضين على المبادرة.
في سياق متصل، جاءت جائحة كورونا بوصفها طوق نجاةٍ لحكومة نتنياهو في ذلك الوقت، إذ أُغلق المسجد الأقصى المبارك بالكامل ضِمن إجراءات الإغلاق التامّ في شهر آذار/ مارس من ذلك العام، مما أدى إلى إجهاض المبادرة ووقفها، فلم تعُد المبادرة بعد فتح المسجد الأقصى المبارك وسط الانشغال بإجراءات مكافحة كورونا ثم أحداث 28 رمضان الماضي وغيرها.
لكن شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي حمل دعواتٍ شبابيةً مقدسيةً لإعادة المبادرة مرةً أخرى، فأُعلنت عودة الفجر العظيم يوم الجمعة 10 كانون الأول/ ديسمبر 2021، لتبدأ الاستجابة التدريجية لها، وتبدأ الاستجابات الواسعة للمبادرة مع نهاية ذلك العام وبداية عام 2022، فتعود مبادرة الفجر العظيم الآن لتمثل حالة تحدٍّ من المقدسيين وفلسطينيّي الداخل للاحتلال، فعادت الشعارات الشعبية لتأخذ طابعها الأول الذي يترجم المزاج الشعبي في القدس أسبوعياً، وسط عناوين لافتة، فأول جمعة من هذا العام كانت بعنوان (فجر وعد الآخرة)، تلاها (فجر حرّاس الأقصى)، في إشارات واضحةٍ للعناوين التي تثير الرأي العامّ في القدس والأراضي الفلسطينية.
والحال كذلك، فإن تفاعل الشارع الأردني ومرتادي المساجد من الأردنيين، يمثّل دعماً لافتاً لمبادرة خليلية مقدسية صامدة ومؤثرة وحاملة لدلالات دينية، كون الصراع يأخذ، في ظل رعاية دولة الاحتلال للمتطرفين اليهود، بُعداً دينياً ينذر في المنظور من مقبل الأيام، بما هو أكثر استقطاباً وأوسع تفاعلاً، وبما هو أبعد من دول الإقليم، نحو العالميْن العربي والإسلامي.