نداء بوست- ملفات- أنقرة
أعلنت وزارة الخارجية التركية، يوم أمس الإثنين، إطلاق الآلية الاستراتيجية التركية الأمريكية في أنقرة، عملاً بالتفاهم الذي توصل إليه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والأمريكي جو بايدن، خلال لقائهما في العاصمة الإيطالية روما، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وعقد نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ومستشارة وزارة الخارجية الأمريكية المسؤولة عن الشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، اجتماعاً استعرضا خلاله القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والدفاعي، ومكافحة الإرهاب، والقضايا الإقليمية والعالمية.
وبحسب بيان صدر عن وزارة الخارجية التركية فإن مستشارة وزارة التجارة الأمريكية، ماريسا لاغو، ستزور أنقرة يومي 5 و6 نيسان/ إبريل الحالي، لتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية للآلية الاستراتيجية.
كما أنه من المقرر أن يعقد الجانبان اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية خلال العام الحالي، في إطار الآلية الاستراتيجية.
في ذات السياق، التقى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، نولاند والوفد المرافق لها في المجمع الرئاسي بأنقرة، وبحث الجانبان قضايا إقليمية في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، وملفات سورية وأذربيجان وأرمينيا وإسرائيل.
كذلك استعرض الجانبان مسائل أمن الطاقة، والتعاون الدفاعي، والعلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية.
كما تمت الإشارة خلال اللقاء إلى المفاوضات التي استضافتها إسطنبول أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، بين الوفدين الروسي والأوكراني، وأكدا أنها أعطت دفعة إيجابية لمسار المفاوضات.
الآلية الاستراتيجية
في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التقى الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي جو بايدن، على هامش قمة قادة مجموعة العشرين في روما، واتفقا على إنشاء آلية لتعزيز العلاقات الثنائية.
وخلال اللقاء ناقش الزعيمان خطوات توسيع حجم التجارة الثنائية، وشددا على أهمية حلف الناتو والشراكة الاستراتيجية، وأعربا عن ارتياحهما للخطوات المتبادلة المتخذة بشأن تغير المناخ.
وعقب اللقاء، أكد الرئيس التركي أنه اتفق مع نظيره الأمريكي، على تكثيف التعاون في أفغانستان وسورية وليبيا وشرق المتوسط والمجال الاقتصادي.
أنقرة وواشنطن والعلاقة المتأرجحة
على الرغم من أن تركيا والولايات المتحدة تجتمعان تحت مظلة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتتقاطع مصالح البلدين في العديد من القضايا، إلا أن العلاقات بينهما شهدت خلال السنوات الماضية، توترات كبيرة بلغت ذروتها بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض.
وفي مؤشر على حدة الخلاف بين البلدين، هدد الرئيس التركي في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بطرد السفير الأمريكي في أنقرة، بعد بيان أصدرته عدة دول من ضمنها الولايات المتحدة، يطالب الحكومة التركية بإطلاق سراح رجل الأعمال التركي عثمان كافالا، المتهم بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وخلال زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، تحدثت مصادر صحفية عن رفض بايدن استقباله على هامش تلك الاجتماعات وعقد لقاء ثنائي معه كما جرت العادة.
الرئيس التركي وجه حينها انتقادات لاذعة لإدارة بايدن وقال في تصريح من نيويورك: “عملت بشكل جيد مع جورج بوش الابن وأوباما وترامب، لكن لا أستطيع القول بأن بداية عملنا مع بايدن كانت جيدة، ما نتمناه هو أن تسود الصداقة علاقاتنا مع الولايات المتحدة عوضاً عن الخصومة كوننا حليفين في الناتو”.
محاور التوتر والاختلاف
تختلف تركيا والولايات المتحدة في عدة ملفات رئيسية، أبرزها الملف السوري، وصفقات السلاح، وانقلاب غولن، ومزاعم “مذبحة الأرمن”.
السلاح: تأتي مسألة صفقات السلاح على رأس الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة، حيث رفضت واشنطن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما تزويد تركيا بمنظومات دفاع جوي “باتريوت”، لتقوم تركيا بعقد صفقة مع روسيا للحصول على منظومة “S- 400”.
وعقب حصول تركيا على المنظومة الروسية في حزيران/ يونيو 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها، وقررت إخراجها من برنامج مقاتلات “F- 35”.
الملف السوري: يعتبر هذا الملف من أهم نقاط الخلاف بين البلدين، حيث تقدم الولايات المتحدة الدعم لـ”قسد” التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب، والذي تخوض معارك ضده منذ أكثر من أربعين عاماً.
وتطالب تركيا الولايات المتحدة بالتوقف عن تهديد أمنها القومي من خلال إمداد “قسد” بشحنات الأسلحة والتعاون مع أنقرة الشريك في حلف “الناتو”، إلا أن واشنطن ترفض ذلك.
يضاف إلى ذلك مشاركة تركيا لروسيا وإيران في مسار “أستانا”، والذي ترى واشنطن أنه أثر على مسار جنيف المعتمد من قبل الأمم المتحدة، وعلى العملية السياسية والعسكرية في سورية بشكل عام.
مزاعم “الإبادة الأرمنية”: في الرابع والعشرين من نيسان/ إبريل العام الماضي، أصدر بايدن بياناً اعترف بحدوث إبادة جماعية بحق الأرمن إبان حكم الدولة العثمانية لمنطقة الأناضول عام 1915، وما بات يعرف لاحقاً بـ”مذبحة الأرمن”.
ورفضت تركيا بيان بايدن، وقالت: “لا يمكن لأحد أن يعلمنا تاريخنا، نرفض إعلان الرئيس الأمريكي حول أحداث 1915، المبني على أساس الشعبوية وندينه بأشد العبارات”.
“غولن” والقس برانسون: بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، أوقفت السلطات التركية القس الأمريكي أندور برانسون، بتهمة الضلوع في محاولة الانقلاب، قبل أن تفرج عنه في عام 2020، وخلال فترة إيقافه فرضت واشنطن العديد من العقوبات ضدّ تركيا ومسؤوليها.
وفي ذات الإطار، ترفض الولايات المتحدة تسليم رجل الدين التركي فتح الله غولن إلى أنقرة التي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب.
مجالات التعاون
على الرغم من الفجوة الكبيرة بين البلدين إلا أن التعاون بينهما ظل قائماً في العديد من القضايا، كملفات ليبيا وأوكرانيا وأفغانستان والتجارة والاستثمارات، وبالتأكيد الملف السوري الذي يتفق به الجانبان على شكل الحل السياسي متمثلاً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ومنع حدوث موجة لجوء جديدة من إدلب.
العلاقات التركية الأمريكية إلى أين؟
تدرك تركيا والولايات المتحدة حاجة كل منهما للأخرى، وصعوبة التخلي عن التعاون المشترك فيما بينهما رغم المواضيع الخلافية التي تم عرضها آنفاً، يضاف إلى ذلك وجود مخاوف حقيقة في واشنطن من تحول البوصلة التركية نحو روسيا، حيث سبق أن وقعت أنقرة مع موسكو اتفاقيات يمكن وصفها بالاستراتيجية وتحديداً في مجال الطاقة، فضلاً عن صفقة “S -400”.
وما لا يمكن إغفاله في هذا الإطار، هو التطور الكبير في الصناعات الدفاعية التركية وتحديداً الطائرات المسيرة، التي رغم أن تركيا لم تعلن ذلك صراحة، إلا أن تلك الطائرات باتت منافساً حقيقياً لنظيرتها الأمريكية، ودفعت واشنطن للتضييق عليها بهدف عرقلة مسيرة تطورها.
وانطلاقاً من تلك القناعات تقوم كلا الدولتين بالتركيز على القواسم المشتركة بدلاً من نقاط الضعف، كما أنه بالرغم من التصريحات التصعيدية التي يتم إطلاقها بين الحين والآخر إلا أن الرغبة بتحسين العلاقات واضحة، ومنها كانت فكرة إطلاق الآلية الاستراتيجية.