المصدر: (السجل اليهودي) جيويش كرونيكل
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: مايكل أريزانتي & إيرينا توكيرمان
أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن عشرات الصواريخ الباليستية التي أصابت أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق في الساعات الأولى من صباح الأحد. وفي ضوء ذلك، لا يوجد شيء يمكن لإيران أن تفعله من شأنه أن يُعرقل التزام فريق بايدن بإبرام اتفاق مع إيران.
وقد أطلقت إيران يوم أمس صواريخ هددت القوات والمنشآت الأمريكية في إقليم كردستان العراق. لقد رأينا اليوم كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية يقللون من شأن العدوان الإيراني ويبررونه إلى حدٍّ ما. لكن يجب أن يدفع هذا الهجوم وحده إدارة بايدن إلى إنهاء محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني. وقد كررت إيران هذه الهجمات مرات عديدة حيث إن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الهجمات الجبانة سيُمهّد الطريق لاستمرارها.
طهران تقوم بالتصرف بازدراء بحق الرئيس جو بايدن. فحتى منتقدو دونالد ترامب يمكن أن يعترفوا بأن طهران كانت تعلم أنها إذا ما قامت بتهديد المصالح الأمريكية، فسوف يتابع ترامب الرد. ففي حين كان أسلوب بايدن هو ضرب أهداف إيرانية ذات أولوية منخفضة للغاية في سورية، إلا أنه في كل مرة كان رداً على تهديد مباشر.
وعندما تولى بايدن منصبه، كان أول ما فعله هو التعهد بإحياء مبدأ أوباما بوقف التصعيد مع إيران (والإخوان المسلمين)، حتى بشكل مباشر أو غير مباشر عرض عليهم أن يصبحوا شركاء دوليين من خلال تخفيف العقوبات وخطة العمل الشاملة المشتركة المُوقَّعة في 2015. لكن ملالي طهران لم يتعاملوا مع بايدن على محمل الجد.
منذ توليه منصبه، فعل الرئيس بايدن كل ما في وسعه لاسترضاء إيران. فقد كان أحد أول أعماله عند توليه المنصب هو إزالة الحوثيين المدعومين من إيران من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ولولا مطالب روسيا بتخفيف العقوبات بعد غزوها لأوكرانيا، لكنا قد شهدنا بالفعل إحياء الاتفاق النووي، مع تخفيف العقوبات عن الإرهابيين الإيرانيين البارزين وممولي الإرهاب، وتسليم مليارات الدولارات، وشطب الحرس الثوري الإيراني ووكلائه.
لكن مطالب بوتين جمّدت العملية، لأن بايدن أعطى في الأساس سيطرة تفاوضية كاملة لروسيا.
وبالمقارنة مع تهديد روسيا لحلف شمال الأطلسي، وأزمة الطاقة المستمرة، والتهديد الناجم عن نقص الغذاء العالمي، يجب أن تكون الصفقة الجديدة مع إيران ذات أولوية منخفضة وطهران تعلم ذلك. ومن غير المرجَّح أن تستمر الصفقة لأكثر من 10 أشهر، حيث من المتوقع أن تتغير السلطة في الكونغرس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
يجب أن يكون ملالي طهران غاضبين، وطريقة التعبير عن غضبهم هي مهاجمة أحد الحلفاء الأكثر ضعفاً للولايات المتحدة.
لدى طهران العديد من الأسباب التي تدعو للقلق في الوقت الحالي، ليس فقط لأنه من غير المرجَّح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ الصفقة على المدى الطويل، ولكن لأن إسرائيل كانت مُنشغلة في إصلاح العلاقات مع تركيا، وضع خطط لخط أنابيب جديد مع تركيا، تقويض طموحات إيران في مجال الطاقة وتهديد التعاون بين طهران وأنقرة، على المدى القصير على الأقل، حتى انتخابات تركيا الحاسمة في عام 2023.
وقد تمكنت إيران، على الرغم من ضعفها الاقتصادي، من أن تصبح لاعباً إقليمياً رئيسياً، جزئياً من خلال تأليب الدول الأخرى على بعضها بعضاً، كما فعلوا مؤخراً مع تركيا والإمارات. وكان الهجوم على إقليم كردستان والأهداف الأمريكية متوقعاً، بعد كل فشل إيراني في الآونة الأخيرة، وبعد الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية في الإمارات، المنسوبة إلى الحوثيين.
إن احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي جديد موضوعة على أجهزة الإنعاش، مما يهدد خطط إيران للاستفادة من مكاسب غير متوقعة في السنوات الثلاث المقبلة. وللضغط على المفاوضين، عادت إيران بسرعة إلى العنف والفوضى المعتادة. فقد كانت هذه لعبة إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن وإقليم كردستان.
الليلة الماضية كان بإمكان إيران الاعتماد على وكلائها في العراق لتوجيه ضربة، كما فعلوا مرات عديدة من قبل. لكن ذلك لم يكن في صالح إيران، وشعرت إيران بالحاجة إلى إرسال رسالة مباشرة، لأول مرة منذ عام 2020 – بعد مقتل سليماني.
لم تكن الرسالة موجَّهة فقط إلى إدارة بايدن والمفاوضين الآخرين في فيينا، ولكن أيضاً إلى إسرائيل.
وأوضحت إيران أن الهجوم هو ردّ انتقامي على تدمير إسرائيل هدفين إيرانيين في سورية مؤخراً. لقد أصبح عدوانها على إسرائيل أكثر جرأة مع مرور الوقت، إذ سبق أن تجنبت إيران حتى إمكانية المواجهات المباشرة مع إسرائيل. وتؤكد إيران أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة بقيادة بايدن للدفاع عن مصالحها أو للرد على العدوان الإيراني المتزايد بشكل عامّ.
ومما يثير القلق بنفس القدر أن طهران لم تميز قطُّ بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولم توضح لماذا تضمّن الانتقام من إسرائيل استهداف قنصلية أمريكية.
الرسالة الأساسية هنا هي الطبيعة المعادية لإسرائيل إذ إن إسرائيل تسيطر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي من خلال مهاجمتها لأي واحدة (إسرائيل أو أمريكا)، فإنها ترسل الرسائل إلى الآخر.
لقد حسبت إيران بشكل صحيح أن بايدن غارق في أوكرانيا لدرجة أنه لا يمكنه فعل أي شيء حيال هجماتهم الإرهابية. علاوة على ذلك، فهي تعتمد على يأس بايدن لإنهاء الاتفاق النووي باعتباره إنجازاً رئيسياً قبل انتخابات التجديد النصفي.
لكن في النهاية، فإن خيارات بايدن محدودة. يمكنه إما ممارسة الردع من خلال ضربات قوية ومدمرة ضد أهداف الحرس الثوري الإيراني في إيران والعراق وإقليم كردستان، أو الاستمرار في الاستسلام والخسارة على جميع الجبهات.
وقد كشفت الأزمة الأوكرانية أيضاً عن عيب آخر في إستراتيجية الرئيس بايدن تجاه إيران. لقد تعاملت واشنطن مع الصين وروسيا كما لو كان لديهما مواقف مماثلة بشأن إيران، بينما تعمل بكين وموسكو مع إيران لتقويض القيادة والتحالفات الأمريكية.
وهذا ما أكده النظام الإيراني قبل أسبوعين، عندما قال محمود آبازاده مشكيني، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: “لقد تشكّل في النظام العالمي الجديد مثلث يتكون من ثلاث قوى؛ إيران وروسيا والصين”. كان واضحاً بشأن تحديد غاية التصريح أَلَا وهي: “هذا الترتيب الجديد يبشر بنهاية الهيمنة الجائرة للولايات المتحدة والغرب”.
كالعادة، لم تستمع إدارة بايدن، لكن التطورات الأخيرة قد تدفع بالقضية في النهاية إلى الواجهة.
خلقت صفقات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل منصة أكثر استقراراً للدول ذات التفكير المماثل في المنطقة للتعاون ضد العدوان المدعوم من إيران، في شكل وكلاء عنيفين مثل حزب الله وحماس. ومع ذلك، هناك حاجة إلى دعم وقيادة الولايات المتحدة. فالدول الثلاث جميعها صغيرة ويمكن أن يكون لها تأثير محدود ضد إيران وجميع وكلائها الإقليميين. هناك حاجة إلى لاعب أكبر من حيث الموارد والقيادة السياسية والتأثير.
هناك أيضاً إمكانية للتنسيق مع الجهات الفاعلة غير الحكومية والحلفاء، مثل الأكراد. من المفهوم أن الأكراد يشعرون بخيبة أمل بسبب تصرفات الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، لا تزال هناك إمكانية لتعزيز تحالُف وثيق معهم. يجب على الولايات المتحدة أن تلعب دور الجزرة والتمسك بالتحالف مع الإدارة الذاتية الكردية، وتُقدِّم دعماً أكبر للإدارة الذاتية ولكنها تطالبهم بقطع جميع الروابط والعلاقات مع حزب العمال الكردستاني، أو بدلاً من ذلك تطالب بتكامل أكبر بكثير للأكراد السوريين والأتراك، والابتعاد عن المؤيدين لروسيا والتاريخ الموالي لإيران لحزب العمال الكردستاني، وإعادة هيكلة هذا التنظيم بما يتوافق مع المصالح المشتركة في هذه الأمور. الاقتتال الداخلي والرسائل المتناقضة من قِبل الفصائل الكردية المتنوعة يتم استغلالها بسهولة من قِبل الخصوم، الذين، على النقيض من ذلك، يعملون بشكل متضافر.
من المحتمل أن تكون روج آفا المستقرة والموحدة والمستقلة هي الجانب المشرق من سحابة العنف المظلمة للغاية في سورية على مدى العَقْد الماضي.
وستكون كردستان المستقلة في إقليم كردستان العراق بمثابة حصن ضد النظام الإيراني، ومن المرجَّح أن تشكل شراكة وثيقة مع التحالف المزدهر بين دول الخليج وإسرائيل. في الوقت نفسه، سيكون شيئاً يمكن أن يُمكِّن من كبح النفوذ الروسي في المنطقة دون وجود كبير للقوات الأمريكية فيها من خلال دعم الكرد بشكل قوي.
ثانياً، يجب أن تكون مواجهة سَرْدِيَّة الإسلام السياسي في جميع أنحاء المنطقة بمثابة خط رئيسي لسياسة الشرق الأوسط. سعى أوباما إلى تسوية مع جماعات مثل الإخوان المسلمين، وفشل في الاعتراف بالمجتمعات غير الليبرالية غير الديمقراطية التي سعوا إلى تطبيقها. يمكن لبايدن التراجُع عن أخطاء أوباما المدمرة.