نداء بوست- أخبار سورية- تحقيقات
يُشرف الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر على إستراتيجية ومهام الأذرع الإيرانية المحلية في كل من العراق ولبنان واليمن، ومؤخراً بدأ الحرس الثوري -باهتمام أكبر- جمع وتأهيل الذراع المحلية التابعة لإيران في سورية.
وتشرف إيران على تبادُل الخبرات والمقاتلين بين هذه الأذرع المرتبطة بشكل مباشر مع طهران.
وبناء على ذلك يتابع فريق “نداء بوست” من مصادر محلية في دير الزور عملية التجنيد التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني وافتتح لأجل ذلك مكتب تجنيد في البوكمال.
مركز التجنيد في البوكمال
وبتاريخ 10 نيسان/ إبريل 2022 بدأ مكتب التجنيد في البوكمال استقبال المنتسبين من المدنيين والعسكريين الذين اشترط فيهم أن يكونوا من أتباع المذهب الشيعي ولو كان تشيعهم حديثاً، القيادي في الحرس الثوري الإيراني جواد محمد غلام دياني المعروف بالحاج آباد وهو إيراني الجنسية أشرف بنفسه على افتتاح مكتب التجنيد الواقع منتصف مدينة البوكمال في أحد المباني التي تم الاستيلاء عليها من قِبل الحرس الثوري سابقاً.
وقد أفادت مصادر “نداء بوست” بأن 48 شابّاً سجل في المكتب حتى إعداد هذا التقرير، في حين تهدف الدفعة الأولى إلى تجنيد 200 منتسب بعقود مدتها 3 سنوات، وبراتب شهري قيمته 1000 دولار للمدنيين و1200 دولار للعسكريين (الذين لديهم مشاركات سابقة في المعارك).
المعسكرات والإعداد
وبحسب المصدر فإنه مع اكتمال الدفعة الأولى من المنتسبين سيتم تجميع المسجلين ومنحهم بطاقات أمنية صادرة عن قيادة الحرس الثوري الإيراني ومصدَّقة من مكتب الأمن القومي، ثم سيتم نقلهم للخضوع إلى دورات تدريبية في إيران، وبإشراف ضباط وقياديين من فيلق القدس، وسيقوم الحرس الثوري الإيراني مع تخريج الدورات بالإشراف على نقل القادة والعناصر إلى اليمن والإشراف على انخراطهم في مهامّ أمنية وقتالية إلى جانب الحوثيين هناك.
زيارة الحوثيين إلى دير الزور
ووفقاً لمصادر “نداء بوست” فإن عملية التجنيد في المنطقة الشرقية تأتي بعد زيارة قام بها وفد من الحوثيين إلى دير الزور نهاية آذار/ مارس 2022، وقد ضم وفد الحوثيين كلاً من عبد العزيز اليباس وعلي محمد الخدروش ومحمد جحاف بديل وعبد الله ثابت الصبحي وحيدر علي الضالعي.
وقد توجه وفد الحوثيين من السيدة زينب في دمشق إلى أحد مقرات حركة النجباء العراقية في حي الصناعة بدير الزور، وأشرف على حماية الوفد القيادي العراقي في حركة النجباء يحيى الكرعاوي المعروف بالحاج أبي العباس، وقام الوفد في دير الزور بالاجتماع مع مسؤولين عراقيين وإيرانيين في الحرس الثوري الإيراني، وتم الاتفاق على افتتاح مركز لصالح حركة أنصار الله (الحوثيين) لتجنيد السوريين المعتنقين المذهب الشيعي من أبناء المحافظات الشرقية، كما تم الاتفاق على تدريب المنتسبين حالياً في إيران، ثم لاحقاً افتتاح معسكرات تدريب للمنتسبين السوريين في محافظة دير الزور يشرف عليها مباشرة قياديون يمنيون من حركة أنصار الله بالتنسيق مع قيادة الحرس الثوري في سورية.
وفد الحوثيين قدم -بحسب مصادر “نداء بوست”- إلى دمشق من مطار الإمام الخميني في طهران مساء 26 آذار/ مارس 2022، وأقام الوفد في فندق السفير في السيدة زينب حيث التقى هناك الحاج حميد صفار هرندي ممثل المرشد الأعلى في سورية، كما أجرى الوفد عدة لقاءات مع قياديين إيرانيين في الحرس الثوري الإيراني في دمشق قبل أن يتوجه في 29 آذار/ مارس 2022 إلى مدينة دير الزور.
وفي سياق متصل، أسست قيادة “الحرس الثوري” الإيراني، خلال الفترة الماضية ميليشيا جديدة تابعة لها في ريف حمص الشرقي، تحت مسمى “فجر الإسلام”.
وقال مراسل “نداء بوست”: إن التشكيل الجديد ينتشر في منطقة السخنة، ويضم قرابة المئة وخمسين عنصراً تم انتقاؤهم بعناية من العناصر السوريين الذين شاركوا “الحرس الثوري” معاركه في المنطقة.
وأشار مراسلنا إلى أن الميليشيا تضم خليطاً من عناصر “لواء فاطميون”، و”لواء الباقر”، و”لواء زينبيون”، بالإضافة إلى”حركة النجباء”.
وأنشأت الميليشيا خمسة مقرات لها داخل مدينة السخنة وعلى أطرافها، فيما وعد “الحرس الثوري” الإيراني العناصر المنتسبين له براتب شهري قدره خمسون دولاراً ومئة ألف ليرة سورية لكل مهمة قتالية.
يُذكر أن الميليشيات الإيرانية عملت خلال الفترة الماضية على تعزيز نفوذها في منطقة البادية بريف حمص الشرقي، حيث استقدمت تعزيزات عسكرية جديدة إلى المنطقة، وأعادت تموضع بعض قواتها هناك.
بدوره، كشف مركز جسور للدراسات أنه مع مطلع عام 2022 بدأت إيران اتخاذ مجموعة من الأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية بالتنسيق مع النظام السوري، وهي بمثابة مؤشرات على إعادة التموضع في سورية.
وأضاف المركز في دراسة أنّ التحركات الإيرانية تتزامن مع اندلاع الصراع في أوكرانيا وتحقيق تقدُّم في المفاوضات النووية.
وأشار المركز إلى أن الزيارة غير المسبوق والمُعلَنة لمدير مكتب الأمن الوطني للنظام السوري علي مملوك إلى طهران في 27 شباط/ فبراير 2022، ولقاءه الرئيس الإيراني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، تدلّ على الحاجة الملحّة إلى تعزيز التنسيق الأمني بين الطرفين والاستعداد لأي تأثير محتمل للصراع في أوكرانيا على سورية.
وبحسب المركز فإن الزيارة الطارئة لرئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي -وهي ميليشيا تابعة لإيران- فالح الفياض إلى دمشق في 2 آذار/ مارس 2022 ولقاءه رئيس النظام السوري بشار الأسد، والتي يبدو أنّها تتعلّق بحاجة إيران لرفع مستوى التنسيق الأمني على طرفَي الحدود بين العراق وسورية، بغرض التضييق على أنشطة حزب العمال الكردستاني، والضغط على قوات سورية الديمقراطية بعد إغلاق المعابر التي كانت تربط مناطق سيطرتها بإقليم كردستان العراق.
واعتبر المركز أن زيادة معدّل نشاط الخلايا الأمنيّة التابعة للميليشيات الإيرانية ضِمن مناطق سيطرة “قسد” تؤدي لارتفاع مستوى التهديد الأمني الذي تمثّله ضدّ قواعد قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكيّة بشكل خاص.
ورجحت الدراسة أن هذا الأمر قد يدلّ ذلك على مساعي إيران لإعادة توسيع حضورها شرق الفرات؛ بعدما تراجع على حساب روسيا منذ توقيع اتفاق حي طي في نيسان/ إبريل 2021.
ورأى المركز أن توسيع عمليات نقل الأسلحة ومنظومات الاستطلاع والدفاع الجوي والطيران المسيَّر من العراق إلى سورية ولبنان خلال شباط/ فبراير 2022 محاولة إيرانية لاستغلال تراجُع التنسيق بين روسيا وإسرائيل، التي لجأت إلى استخدام الصواريخ الأرضية في قصف سورية بدل الضربات الجوية خلال الشهر الفائت.
وأكد المركز توسيع النشاط العسكري والأمني للميليشيات الإيرانية في درعا والسويداء جنوب سورية لا سيما بما يخصّ عمليات تهريب المخدّرات إلى الأردن، والتي استدعت قيام الملك عبد الله الثاني بإجراء محاكاة عسكرية لسيناريو ملاحقة خلايا التهريب عند الشريط الحدودي.
كما أوضح المركز أن هناك تكثيفاً للقاءات بين الوفود الاقتصادية والتجارية بشكل غير مسبوق منذ تدخُّل إيران في سورية، بما في ذلك تأكيد إبراهيم رئيسي وعلي شمخاني لعلي مملوك على ضرورة تسهيل وتسريع تنفيذ مذكّرات التفاهُم المشتركة في المجال الاقتصادي. ويبدو أنّ طهران تحرص على ضمان الانخراط الفعّال في مشاريع إعادة الإعمار في قطاعات الطاقة والحبوب والنقل، لا سيما في حال بَدْء مرحلة التعافي المبكّر.
واعتبر مركز جسور أن استمرار الصراع في أوكرانيا قد يؤدي إلى تراجُع اهتمام روسيا بالقضية السورية، ولن تُفوِّت إيران هذه الفرصة لتعزيز وتوسيع نفوذها في قطاعات مختلفة، مستفيدة من حاجة النظام للحصول على المساعدة والدعم، لا سيما في حال توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب وما قد يترتب عليه من تخفيف القيود الاقتصادية عنها.