“نداء بوست” – التحقيقات والمتابعة – شؤون الشرق الأوسط – الرياض
أصدر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، يوم أمس الخميس، قراراً جمهورياً يقضي بإقالة نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، وتشكيل مجلس رئاسي ونقل كامل صلاحيات الرئاسة إليه.
كما نص القرار على تشكيل هيئة للتشاور والمصالحة، وفريق قانوني وآخر اقتصادي، وأكد على استمرار ولايتي مجلس الشورى والنواب، ويجدد الثقة بالحكومة المشكلة بموجب اتفاق الرياض.
وقبل الخوض في تفاصيل قرار منصور هادي، لا بد من التذكير سريعاً بالمشهد السياسي في اليمن، فبعد عامين من ثورة 27 كانون الثاني/ يناير 2011، تم اطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بمشاركة جميع الأطراف اليمنية بما في ذلك “الحوثيون”، وعقد أولى جلساته في 18 آذار/ مارس 2013، واستمر حتى 25 كانون الثاني/ يناير 2014.
بعد أشهر قليلة من المؤتمر انقلب “الحوثيون” على مخرجاته، وسيطروا على العاصمة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر، ليطلب الرئيس الشرعي الذي توافق عليه مؤتمر الحوار الوطني عبد ربه منصور هادي من قادة الخليج العربي التدخل عسكرياً لإنقاذ الشرعية ووقف تمدد “الحوثيين”، وهو ما بدأ فعلياً في 26 آذار/ مارس 2015.
ومنذ ذلك الوقت تشهد البلاد حرباً بين القوات الحكومية مدعومة من التحالف العربي من جهة، وجماعة الحوثي المرتبطة بإيران من جهة أخرى.
إقالة الأحمر
جاء قرار إقالة الأحمر -بحسب بيان منصور هادي- “بعد الاطلاع على دستور الجمهورية اليمنية، وعلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011)، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، والقرار الجمهوري رقم 48 لعام 2016، وبناء على ما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد”.
ويعتبر الأحمر من أبرز الشخصيات العسكرية في اليمن، وأحد مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي العام، وعضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي، ويشغل منصب نائب رئيس الجمهورية منذ نيسان/ إبريل 2016.
وبرز اسمه منذ تولي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح السلطة، حيث ساهم بشكل كبير في إفشال محاولة انقلاب الحزب الناصري عام 1978، ومنع سيطرة الانقلابيين على العاصمة صنعاء.
وعقب اندلاع الثورة في اليمن، أعلن الأحمر في 21 آذار/ مارس دعمه لها، ليتعرض بعد ذلك بأسابيع لمحاولة اغتيال، اتهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالوقوف خلفها.
وبعد الإطاحة بصالح، تم تعيين الأحمر بمنصب مستشار الرئيس للشؤون الأمنية، ومن ثم نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن ثم نائباً لرئيس الجمهورية.
المجلس الرئاسي
بالتزامن مع قرار إقالة الأحمر، أصدر هادي قراراً بنقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وهو “مفوض تفويضاً لا رجعة فيه بكامل صلاحيات الرئيس ونائبه، وفق الدستور، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”،
ويرأس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد محمد العليمي، وعضوية كل من: سلطان علي العرادة، وطارق محمد صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعبد الله العليمي باوزير، وعثمان حسين مجلي، وعيدروس قاسم الزبيدي، وفرج سالمين البحسني، على أن كل عضو بدرجة نائب لرئيس مجلس القيادة.
ويتولى مجلس القيادة مسؤولية إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
كما يتولى المجلس مهمة التفاوض مع جماعة “الحوثي” لوقف إطلاق نار دائم في عموم البلاد، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل، تنتهي بموجبه صلاحيات ومهام مجلس القيادة.
هيئة التشاور والمصالحة
نص قرار هادي أيضاً على إنشاء هيئة تجمع مختلف المكونات تحت مسمى “هيئة التشاور والمصالحة”، مهمتها دعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي، وتعزيز جهوده، وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتالات والصراعات بين كافة القوى.
وبحسب القرار فإن الهيئة تنتخب رئاستها التنفيذية من بين أعضائها في أول جلسة تعقدها بناء على دعوة من رئيس مجلس القيادة، الذي يحق له تعيين من يراه لعضوية الهيئة على أن لا يزيد العدد عن مئة عضو.
لماذا هذه القرارات؟
انطلقت في الثلاثين من شهر آذار/ مارس الماضي، مشاورات يمنية في العاصمة السعودية الرياض، بمبادرة من مجلس التعاون الخليجي، ومشاركة 500 ممثل عن مختلف الأحزاب السياسية اليمنية، على رأسها المؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والمقاومة الوطنية.
وتهدف المشاورات، التي غابت عنها جماعة “الحوثي”، إلى إيقاف الحرب، وتأسيس مرحلة للسلام، ومعالجة الأزمة الإنسانية في اليمن.
وناقش المشاركون في المشاورات التحديات التي تواجه اليمن سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وضرورة تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات تجاه قضايا مختلفة.
كذلك تم خلال المشاورات مناقشة مقترحين، أولهما تعيين نائبين للرئيس، وهو ما تم رفضه، وثانيهما تشكيل مجلس رئاسي يدير البلاد، مع بقاء منصور هادي كرئيس فخري وهو ما حدث بالفعل بعد أيام من المحادثات.
وحول أسباب هذه القرارات، يرى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الله المخلافي أن السعودية والإمارات هما المحرك الأساسي لها، خاصة وأن الوضع داخل الحكومة الشرعية جامد مع غياب أي تحركات للرئيس.
وأضاف المخلافي في حديث لـ “نداء بوست” أن الإمارات غير راضية على منصور هادي منذ مدة، وتبحث عن مقترحات لإيجاد البديل، معتبراً أن ما جرى هو إعادة هيكلة للشرعية بقصد تحريك الملف اليمني وضم جميع الأطراف إلى المجلس، حيث ينتمي الأعضاء الثمانية إلى أحزاب وتيارات مختلفة.
ويعتقد المخلافي أنه من المبكر التفاؤل أو الحكم بصوابية أو سلبية هذه الخطوة، كون كل عضو من أعضاء المجلس من طرف معين ما يصعب توافقهم على قرار معين، مضيفاً أن الأمر الإيجابي في تشكيل المجلس هو اجتماع كل الأطراف ضمن إطار الشرعية، وسحب السلطة من منصور هادي، وبدء التحريك في الشرعية نفسها.
وتستحضر هذه التغيرات التي شهدها الملف اليمني برعاية السعودية والإمارات الترتيبات التي أجرتها الدول الراعية للملف الليبي، والتي انتهت إلى تشكيل المجلس الرئاسي في نهاية عام 2021، وأفرزت قيادات جديدة وأطاحت ببعض الشخصيات التي كان قد أفرزها اتفاق الصخيرات عام 2015، والتي لم تنه الصراع الدائر في ليبيا، بقدر ما أدخلتها في مراحل جديدة تزيد المشهد تعقيداً، وفقاً للمخلافي.
المواقف العربية من قرارات هادي:
السعودية: رحبت السعودية بقرار هادي بإنشاء مجلس القيادة الرئاسي ونقل صلاحياته له، وأكدت دعمها الكامل للمجلس والكيانات المساندة له، كما أعلنت تقديم دعم عاجل للاقتصاد اليمني بمبلغ 3 مليارات دولار أمريكي.
وحثت الرياض في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية “واس”، المجلس على البدء في التفاوض مع الحوثيين تحت إشراف الأمم المتحدة “للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن فترة انتقالية تنقل اليمن إلى السلام والتنمية”.
كما استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيس أعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وأعرب عن أمله بأن تكون المرحلة القادمة في اليمن مختلفة.
التعاون الخليجي: أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، دعم المنظمة لمجلس القيادة، “لتمكينه من ممارسة مهامه في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية، وإنهاء الأزمة اليمنية لينعم الشعب اليمني الشقيق بالرخاء والتنمية والسلام”.
الجامعة العربية: رحب أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بإنشاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني وأكد دعمه للمجلس كتجسيد للشرعية، كما أعرب عن أمله في أن يحقق مجلس القيادة الرئاسي اليمني السلام ويدعو مختلف الأطراف اليمنية للحفاظ على الهدنة الحالية.
جماعة “الحوثي” تعلق
اعتبر عضو المكتب السياسي لجماعة “الحوثي” محمد البخيتي، في مقابلة مع قناة “الجزيرة” أن مجلس القيادة الجديد “غير شرعي”.
كما نشر البخيتي تغريدة على “تويتر” تساءل فيها عن سبب اختيار العليمي لرئاسة مجلس القيادة، قال فيها: “أثناء مؤتمر الحوار الوطني اقترح أنصار الله مشروع قرار يمنع تواجد القوات الأمريكية ووقف عملياتها العسكرية في اليمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب وكان أبرز المعترضين على ذلك رشاد العليمي وقد دخلت معه في نقاش حاد استمر لأكثر من ساعة”.