“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
أعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية تفاصيل إعادة نصب “الحرية”، للفنان الراحل جواد سليم، الذي افتُتح وسط العاصمة بغداد عام 1962.
وقال المتحدث باسم وزارة الثقافة أحمد العلياوي لوكالة الأنباء العراقية: إن “العمل المرتقب لإعمار وإصلاح نصب الحرية جاء بعد ما قامت به الوزارة من إعمار وإصلاح مجموعة من القاعات في داخل مبناها، إذ تم إعمار القاعات وفق مواصفات دولية، وافتتحت مؤخراً قاعة فائق حسن التي ضمت مهرجان الواسطي والأعمال الكبيرة للفنانين العراقيين الرواد”.
وأضاف العلياوي أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجه بتشكيل لجنة من الخبراء الفنيين والمعماريين في إدارة دائرة الفنون لإعادة تأهيل نصب الحرية.
ولفت إلى أن مدير الدائرة الفنان فاخر محمد قد أوضح أن النصب ليس فيه إلا بعض الحاجة للتأهيل والإعمار، لأن البرونز الموجود فيه لم يتضرر، لكن بعض الضرر في الجدارية فقط، مؤكداً أنه سيتم إصلاح الجدارية وجليها، والعمل على تأهيلها تأهيلاً كاملاً باستشارة الخبراء من الفنانين والمعماريين، وإعادة الجمال والبهاء إلى نصب الحرية وَفْق المعايير المطلوبة.
ويبلغ طول نصب الحرية 50 متراً، وارتفاعه نحو 15 متراً، أما طول الأعمال النحتية فيه فلا يتعدى ثمانية أمتار، وهي تتكون من 14 قطعة (يشير عددها إلى ثورة 14 تموز 1958) من المصبوبات البرونزية المنفصلة، وبعد أن كانت الحركة مضطربة يمين النصب، فإنها ومع التحرك نحو اليسار تنتظم وتصبح نابضة بالعزيمة والإصرار بصورة إنسان يتقدم إلى الأمام، وبعدها ترتفع اللافتات والرايات الجديدة في السماء.
بعد ذلك يطالعنا رمز البراءة والأمل على هيئة طفل صغير يشير إلى بداية الطريق. وتطالعنا بعده امرأة مشحونة بالانفعال والغضب والحزن، ومن ثَم منظر مؤثر حيث تحتضن الأم ابنها الشهيد، وتبكي عليه.
تلي هذه الرموز صورة الأمومة التي تغمر الحياة الجديدة بالحب والحنان، فقد تكون للثورات والمآسي ضحاياها، لكنها تمتلك في الوقت ذاته أجيالها الجديدة.
بعد ذلك يصل إلى الجزء الأوسط، وهو الجزء الأهم في النصب، حيث يشير إلى نقطة التحول، ويتألف من ثلاثة تماثيل: على اليمين يطالعنا تمثال السجين السياسي الذي تبدو الزنزانة فيه على وشك الانهيار تحت تأثير رجل مزَّقت ظهرَه السياطُ، لكن القضبان لا تنفصل في النهاية إلا بإصرار وقوة وجهد الجندي الذي يظهر في الوسط، وذلك اعترافاً بأهمية دور الجيش في ثورة 14 تموز.
ثم تنقلب صفحة المعاناة والمآسي لتحل صفحة السلام والازدهار والحرية، حيث يظهر مجسم امرأة تمسك مشعلاً، وهو رمز الحرية الإغريقي، وتندفع نحو محررها، وبعد الانفعال يأتي الهدوء فيتوقف الغضب ومواجع الثورة وتحلّ الراحة والسكينة في القلوب، وتتحول بعدها القضبان الحديدية إلى أغصان، وكذلك نهرا دجلة والفرات، اللذان يعتبران العمود الفقري لحضارة وادي الرافدين، وتمثلهما امرأتان إحداهما تحمل سعف النخيل والأخرى حبلى، وثمة فلاحان يرمزان إلى العرب والأكراد، لكن أحدهما في زي سومري والثاني برداء آشوري، وهما يتطلعان إلى النهرين، ويحملان مسحاةً (مجرفةً) واحدةً تعبيراً عن وحدة البلد الذي يعيشان في كنفه. وكذلك هناك رمز عراقي آخر وهو الثور الذي يُعَدّ رمزاً سومرياً.
ويشكّل النصب سجلاً مُصوَّراً صاغه الفنان جواد سليم عن طريق الرموز، التي أراد من خلالها سرد أحداث رافقت تاريخ العراق، ومزج خلالها بين القديم والحداثة، حيث تخلل النصب الفنون والنقوش البابلية والآشورية والسومرية القديمة، إضافةً إلى التعبير عن أحداث ثورة 14 تموز، ودورها وأثرها على الشعب العراقي، وكثير من الموضوعات التي استلهمها من قلب العراق.
ولعل أهم ما يجذب الشخص عندما يطالع النصب أول وهلة هو الجندي الذي يكسر قضبان السجن في وسط النصب، لما فيهِ من قوة وإصرار ونقطة تحوُّل تنقل قصة النصب من مرحلة الاضطراب والغضب والمعاناة إلى السلام والازدهار.
ولم يكن اختيار ساحة التحرير موقعاً لتشييد نصب الحرية اعتباطاً، فهذا الموقع بالذات يربط أهم شارعين في تاريخ بغداد هما “شارع الجمهورية” و”شارع السعدون”، وهو أيضاً مواجه لجسر “التحرير”، ذلك الجسر الذي ينقل البغداديين من الكرخ إلى الرصافة وبالعكس.
ويُذكر أن الفنان جواد سليم لم تُتَحْ له الفرصة لحضور افتتاح هذا النُّصب الأشهر في العراق، إذ توفّاه الله قُبيل ذلك بمدة قصيرة.
وشهد موقع النصب انطلاق شرارة التظاهرات العراقية الكبرى في 1 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 ضد نظام الحكم الحالي في العراق، والعملية السياسية برمتها، وكان شعارها الرئيسي “نريد وطناً”، وامتدت باتجاه بناية “المطعم التركي” القريب من ساحة التحرير لتستمر أياماً عديدةً، ووصلت مطالب المتظاهرين إلى إسقاط النظام الحاكم، واستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة، وإجراء انتخابات مبكرة.
كما ندّدوا بتدخُّل إيران في شؤون العراق، وحرق العديد منهم العلم الإيراني، فعمدت القوات الأمنية والميليشيات المسلحة إلى التصدي لهم بعنف شديد، مستخدمةً الرصاص الحي، وقتلت نحو 740 متظاهراً، وجرحت أكثر من خمسة وعشرين ألفاً، وأُصيب 3 آلاف منهم بإعاقة جسدية، واختطفت المئات، وقطعت شبكة الإنترنت.