قبل الإعلان عن نتائج "مسرحية الانتخابات" كنت ضِمن مَن توقعوا أن يتم الإعلان عن فوز "بشار الأسد" بنتيجة منطقية، مثلاً 75%، وتَرْك هامش لباقي المرشحين لإضفاء نوع من الإقناع على العملية برُمّتها، لكن النتيجة النهائية كانت فوز "الأسد" بنسبة اقتربت من 96%!.
روَّج إعلام النظام السوري كثيراً قبل إطلاق الانتخابات لفكرة أن المرشح "محمود مرعي"، هو مرشح عن المعارضة السورية وأنه حضر استحقاق "جنيف"، وعندما يتم إعلان فوز "الأسد" بهذه النسبة الساحقة فالمقصود التأكيد على أن المعارضة غير قادرة على منافسة "الأسد" وأنها غير مقبولة من الشعب السوري، ولا يثق بها.
نتائج الانتخابات حملت رسائل واضحة إلى السوريين المقيمين في المناطق التي يحكمها النظام السوري، وفي المناطق الخارجة عن سلطته وفي دول اللجوء، ومفادها أن "الأسد" لا يزال قويّاً ويحظى بدعم الأفرع الأمنية والمؤسسة العسكرية والموالين له، وأنه يمتلك القدرة على إرغام مَن لا يرغب على انتخابه؛ لأنه يفرض أمراً واقعاً على الأرض، وقد أتت هذه الرسائل في وقت انتشر فيه التملمُل وسط حاضنة النظام نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، وبالتزامن مع تفاؤل شعبي في أوساط المناهضين للأسد بأن يكون هناك متغيرات دولية أو تفاهُمات معينة تفضي إلى إنهاء معاناتهم.
كان لافتاً ظهور عناصر المؤسسة العسكرية في مراكز الاقتراع، وتوجه الكثير منهم للانتخاب والإدلاء بصوتهم في صناديق الاقتراع، رغم أن هذا يعتبر خرقاً واضحاً لأي عملية انتخابية، بل للدستور الذي يعمل وَفْقه النظام والذي ينصّ على عدم مشاركة أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية في الانتخابات، لكن على الأرجح فإن المقصود من هذه المظاهر هو إفهام المعارضين لاستمرار حكم "الأسد" بأنه لديه كامل القدرة على فرض ما يريد، وعلى تحدي المجتمع الدولي، والتأكيد على أن رفض الأطراف الدولية المختلفة للانتخابات وعدم الاعتراف بشرعيتها لن يؤثر على مستقبل "الأسد" وأنها لا تتعدى كونها بيانات لا أكثر تفتقر إلى برنامج عمل يترجمها في المشهد السوري.
نعم لقد أراد النظام السوري التأثيرَ على معنويات جميع السوريين، وإشعارَهم أن كل تعبهم وجُهْدهم خلال العشر سنوات الماضية لم يُفْضِ إلى نتيجة، وأن نتائج الانتخابات في سوريا لا تزال نفسها منذ زمن الأسد الأب إلى يومنا هذا، بالتالي دفعهم إلى إعادة التفكير بمواقفهم والتسليم بفكرة أن "الأسد" أمر واقع ولا بديل له، وأن الدول المُسانِدة للمعارضة السورية لم تتمكن من الإطاحة به، وأن الدول الداعمة له وفَّت بالتزاماتها معه حتى النهاية.
بدت الصورة وكأنها سوداويّة إلى حدّ كبير، وأن التغيير في سوريا حلم بعيد المنال بالفعل، رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري، إلا أن فكرة أساسية وجوهرية غابت عن مشهد الانتخابات المفتعل، وهي أن كل هذا ما كان ليحدث لو أن روسيا حصلت على صفقة مغرية لها مع المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لأن موسكو وقتها كانت ستطيح بالأسد لحسابات مصالحها، بل يمكن القول: إن هذه المَشاهد التي أدارتها استخبارات النظام في وسائل الإعلام وفي مراكز الانتخابات كانت مطلباً روسياً، وهدفه مناكفة الدول بـ "الأسد".
في جولة "أستانا" الخامسة عشرة في شهر شباط/ فبراير من العام الجاري، عرضت روسيا على وفد المعارضة السورية عملية سياسية برعايتها، مقابل أن تمنع "بشار الأسد" من إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا يؤكد أن "الأسد" تفصيل في المشهد السوري المعقد، والذي باتت ترسمه الدول الفاعلة إلى حدّ كبير.
يمكن القول إن إيران أحد أهم المستفيدين مما جرى؛ لأن بقاء "بشار الأسد" في السلطة هو الضمانة الحقيقية لاستمرار التغلغل الإيراني في مؤسسات الدولة السورية.