أثناء دورة اللغة التركية المكثفة، نصحني أستاذي بمتابعة بعض الأفلام التركية كي أطور مهارة الاستماع لدي، وفعلاً التزمت بنصيحته وتابعت عدداً من الأفلام، منها فيلم “أسرار المائدة”، الذي يحكي قصة نسليهان، وهي سيدة متزوجة كان تحلم بأن تقدم برنامجاً تلفزيونياً لتعليم الطبخ، لكن في أحد الأيام يأتي زوجها حاملاً حقيبة مليئة بالأموال ومسدساً، ويخبرها أنه سيطلقها ويتزوج جارتهم، فقتلته، وسجلت الشرطة سبب الوفاة على أنه حادث منزلي، ثم انتقمت نسليهان من الجارة بأن قدمت لها فطراً ساماً، وأيضاً سجلت الشرطة الوفاة على أنها طبيعية، ثم طالبها صديقا زوجها بحصتهما من السرقة التي نفذاها مع زوجها ليلة مقتله، فقتلتهما، وطلبت من شاب تعرفت عليه دفن الجثث لقاء حصة من المال المسروق، فتم القبض عليه واعترف بما جرى، أنكرت نسليهان كل شيء وتركت هذا الشاب يواجه تهمة ارتكاب جريمة القتل، ولكن المحقق لم يقتنع بذلك، وربط جريمة القتل تلك بالوفيات التي وقعت في الفترة الأخيرة، وطلب الإذن للتحقيق مع نسليهان كونها العنصر المشترك بين كل تلك الحوادث، فلم يقتنع الضابط الأعلى رتبة بذلك وطلب منه التركيز على الشاب المقبوض عليه، أثناء خروج نسليهان من قسم الشرطة قدمت للشاب الذي اعترف عليها بعضاً من المعجنات التي تحتوي الفطر السام، ومضت إلى مستقبلها مع حقيبة النقود.
ارتكبت نسليهان خمس جرائم قتل بسبب ثغرة أمنية سببها عدم كفاءة الضابط الذي يرأس قسم التحقيق، ورغم أن هذا مجرد فيلم إلا أن الواقع يؤكد أن المجرم يستمر بارتكاب جرائمه إذا لم توقفه القوى الأمنية.
عام 2004 بدأت وزارة الداخلية في سورية مجموعة إجراءات لتحديث السجل المدني، كان منها استبدال البطاقات الشخصية القديمة بأخرى حديثة، وكان يتم تسليم البطاقة القديمة وتسلُّم “إشعار بصم” وهو ورقة عليها صورة واسم المواطن وممهورة بختم السجل المدني، وكانت تستخدم كبديل للبطاقة الشخصية ريثما تصدر البطاقة الجديدة بعد حوالي ستة أشهر، لكن مشكلة هذه الورقة أنها كانت سهلة التزوير، وفعلاً، ظهرت في معظم المحافظات السورية عصابات تقوم بنقل ملكيات عقارية ضخمة مستغلة هذه الثغرة الأمنية في التعرف على الأشخاص، ولم يكف سد هذه الثغرة وإلغاء “إشعار البصم” لوقف هذه العصابات، فقد طورت العصابات أساليبها، وأصبحت تستعين بالمحامين والقضاة وضباط الشرطة الفاسدين لنقل الملكيات العقارية، وكلما يتم الكشف عن عصابة تظهر عصابات أخرى.
وهكذا كنت شاهداً على ثغرة أمنية غير محسوبة أدت لظهور نمط إجرامي جديد في سورية لا يزال نشطاً حتى اليوم ولم تنفع كل الإجراءات التي اتخذت لوقفه.
أيضاً، الوضع الأمني في المحرر سهل الاختراق، والتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية كبيرة جداً، وأعتقد أنه من المفيد إعادة النظر في البنية الأمنية لمواجهة هذه التحديات قبل أن تستفحل وتتحول لمرض عضال يصعب استئصاله.