ورد في كتاب "كليلة ودمنة" قصة جميلة عن ناسك جمع بعض السمن والعسل ثم استلقى على ظهره وبيده عكازه وجَرَّة فوق رأسه، قال: لقد ارتفع سعر السمن والعسل فسأبيع وأبيع ما في هذه الجرة وأشتري عنزات يَلدْنَ لي في كل خمسة أشهُرٍ بطناً فأستفيد من حليبهن بمزيد من السمن ومن أولادهن بشراء البقر وما هي إلا بضع سنين حتى يصبح لدي مال كثير وأشتري منزلاً وأتزوج وأنجب ولداً أؤدِّبه بعصايَ هذه فأشار إلى الجَرَّة من فوق رأسه فسقطت وانسكب ما فيها".
ينشغل معظم الناس بكتابة خططهم مع نهاية كل عام ليحسّنوا من حياتهم المهنية أو الشخصية أو الاجتماعية ويضعون أهدافاً أكثر من رائعة يتحمسون لتنفيذها بشدة، وما هي إلا أيام أو أسابيع قليلة في أحسن أحوالهم حتى يتراجع الحماس ويخف الدافع للقيام بما خططوا له، وكنت قد اطلعت على استطلاعٍ للرأي يُظهر أن 80% من الناس يتخلفون عن أهدافهم السنوية خلال الأسبوع الأول من الشهر الثاني في عام التخطيط.
يكتب عدد من الناس خططهم على شكل قصة الناسك هذه فيعيشون في أحلام لا تلبس أن تتحطم مع أسابيع التطبيق الأولى كونها قد تكون بعيدة عن الواقع أو طَمُوحة بشكل لا يتناسب مع إمكانياتهم وقدراتهم، وقد يستسلمون عند أول عقبة أو مطبّ فيسقطون مُعلِنين فشلهم التامّ.
تتَّسم الأهداف الطَّمُوحة بعدد من الخصائص أهمها أن تكون مُمكِنة وقابلة للقياس وتَتَمَوْضَع في إطارٍ زمنيٍّ ذي بداية ونهاية، كما يفضل أن تكون الخطة متكاملة بحيث تشمل مسارات الحياة كلها فلا يسير الشخص أعرجَ في مسار ويترك الآخر، فما نفع أن يكون لديك المال إذا كانت صحتك غير جيدة أو علاقاتك الأسرية في أضعف أوقاتها؟
معظم الناس يرون في فشل تحقيق الهدف الأول فشلاً لكامل الخطة، وينظرون إلى التعثر على أنه إخفاق حتى لو كان هذا الإخفاق أتى بعد نجاحات متتالية من باب أنه إما أن يحققوا كل شيء أو لا شيء، إما أن يكون أبيض أو أسود، ولكن الحياة لا يمكن أن تسير كذلك فالألوان الأخرى موجودة وهناك الرمادي والأزرق والأحمر وعشرات الألوان الإضافية التي يمكن أن ينظر الإنسان إليها والفشل في جزء لا يعني الفشل في الكل بكل تأكيد.
ومن المسائل المهمة لفشل الأهداف في الأسابيع الأولى هو أن الأهداف تمثل أسلوباً جديداً في التطبيق للشخص وهذا يعني أنه يحاول تغيير سلوك أو اتباع طريق لم يعتد عليه، وتكوين العادة يحتاج إلى بعض الوقت، فحتى تصبح القراءة جزءاً أصيلاً من حياتك يجب أن تجبر نفسك على القراءة اليومية وأن تلتزم بها لفترة طويلة نسبياً ويقول المثل في بلادنا: "من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم وفيهم" أي تمثّل عاداتهم وتقاليدهم، وقبل تلك المدة قد يملّ ويترك الأمر ويفضل أن يعيش في بلاد أخرى أو مكانٍ مَا رافضاً أسلوب الحياة الجديد الذي أجبرته الحياة عليه.
التحفيز كذلك مسألة مهمة فأنْ تُحفِّز نفسك من خلال استراحات أو مكافآت معينة على تنفيذ الأهداف في الشهر الأول مثلاً هذا سيعطيك دافعاً للتنفيذ في بقية الفترة، كما أن تَجْزِيء الأهداف لأقسام صغيرة سيُعتبر أمراً مثالياً لك في حال كنت تُطبِّق خطتك. في جميع الأحوال عليك أن تعلم أن النجاح قد لا يكون نجاحاً كلياً أي ليس من الضروري أن يكون مائة بالمئة بل قد يكون 80% من الأهداف أو حتى 70% والتخلي عن فكرة الأبيض والأسود يجب أن يكون حاضراً في ذهنك عند التخطيط.