توقع مركز ”أبعاد للدارسات الإستراتيجية” أن يترك قرار تخفيض إنتاج النفط الذي اتخذته الدول الأعضاء في منظمة ”أوبك بلس”، آثاراً عميقة بين دول التحالُف والولايات المتحدة.
وتوافقت منظمة ”أوبك بلس” المصدِّرة للنفط يوم الأربعاء الماضي، على تخفيض الإنتاج اليومي بحوالَيْ مليونَيْ برميل، هو ما يُمثل 2% من الاحتياجات العالمية اليومية.
وتتحمل كل من السعودية وروسيا مليون برميل يومياً من التخفيضات؛ تتوزع بينهما مناصفة، بينما يأتي كل من العراق والإمارات بحصة تخفيض تقترب من 400 ألف برميل يومياً، وتتوزع بقية التخفيضات على أكثر من 15 دولة.
ولفت المركز إلى أن هذا التوافق يأتي في ظلّ الصراع الذي تخوضه الدول الغربية لتأمين احتياجاتها من الطاقة، وموجة التضخُّم العالمي التي تهيمن على الأسواق العالمية، مُعتبِراً أن ذلك يعني مزيداً من الارتفاع في أسعار الطاقة، حيث ارتفع سعر برميل النفط بأكثر من دولارين عقب إعلان القرار؛ مع احتمال ارتفاعه أكثر في الأيام المقبلة.
كذلك جاء القرار في ظل استعداد الإدارة الأمريكية لانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، التي ستجري في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي ظل مساعي واشنطن لمساعدة أوروبا في تأمين الموارد النفطية بأسعار مخفضة قُبيل بَدْء فصل الشتاء.
وأيضاً يأتي بعد عدة أشهُر على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض، حيث يرى المركز أن الإدارة الأمريكية كانت تهدف من هذه الزيارة بصورة رئيسية إلى حثّ السعودية على زيادة الإنتاج النفطي اليومي ليصل إلى 13 مليون برميل، وهو ما استجابت له الرياض جزئياً خلال الفترة الماضية، قبل أن توافق في اجتماع ”أوبك بلس” على تخفيض الإنتاج بصورة كبيرة.
ويؤكد المركز أن قرار تخفيض إنتاج النفط يصبّ في صالح الدول المنتجة والمصدِّرة للنفط لجهة قدرتها على زيادة مواردها عند سعر نفط مرتفع وبالتالي، تصحيح اختلالات مالية نتجت عن أسعار نفط منخفضة أثناء وباء كورونا.
كما أنه يأتي في صالح منح تلك الدول أهمية أكبر في الوضع العالمي الحالي لجهة التفاوض على ملفات مهمة، حيث تسعى السعودية لتحصيل اعتراف غربي بأخذ حقوقها بعين الاعتبار في أي اتفاق يحصل مع إيران، كما ترغب بالضغط على الغرب للموافقة على إعادة تأهيل وليّ العهد محمد بن سلمان.
من جانبها، ترى روسيا أن قراراً كهذا يأتي لصالحها وفي الوقت المناسب، لجهة الضغط الممكن على الغرب في مجال النفط علاوة على الغاز، ويساعد موسكو في إضعاف أوروبا في حرب الطاقة التي يأمل بوتين في الفوز بها خلال فصل الشتاء.
ويرجح المركز أن ترفع الولايات المتحدة من قدرتها الإنتاجية، وتخفض من مخزون النفط الإستراتيجي لديها، مما سيدفع بسعر النفط لمستوياته السابقة.
في حين ستبقى الدول الأوروبية هي ”الحلقة الأضعف” في معادلة الطاقة الحالية على المدى القصير، ولكن المدى الطويل قد يكشف عن كثير من التحوُّلات خاصة في الاعتماد على مصادر نفط متنوعة وكسر احتكار كبار المنتجين في سوق الطاقة، وهو ما يجعل قرار هذه الدول ”قصير النظر” بحسب وجهة الرئيس الأمريكي.
ويشير المركز إلى أنه من الناحية الاقتصادية فإن الدول المُستورِدة للنفط أمام موقف اقتصادي صعب، خاصة على أعتاب فصل الشتاء، فيما سيصبّ مالياً وحتى سياسياً في صالح دول ”أوبك بلس” على المدى القصير.
إلا أن قرار المنظمة في هذا التوقيت، يقول المركز: إنه ”يبدو ابتزازاً واضحاً لواشنطن، وهو ما قد يترك آثاراً عميقةً على علاقة بعض دول التحالف مع الولايات المتحدة، وربما يترتب عليه دفع أثمان سياسية واقتصادية باهظة على المدى المتوسط والبعيد”.