احتدمت المواجهات في محافظة مأرب شمال اليمن، في شهر شباط / فبراير الماضي، بين القوات المقربة من الحكومة اليمنية، وقوات الحوثيين، التي تحاول التقدم في المحافظة على حساب القوات الحكومية.
وبلغت المواجهات ذروتها في المحافظة الأسبوع الماضي، وتحديداً يوم الجمعة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 عنصراً للطرفين، على الأقل، بينهم 27 من القوات الحكومية، و34 من الحوثيين، وفقاً لمصدر حكومي يمني.
وتعتبر مأرب آخر معقل للحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، في شمال اليمن، ويحاول الحوثيون المدعومين من إيران السيطرة عليها منذ أكثر من عام.
وأفاد الباحث اليمني "عبد الله المخلافي" بأن الحوثيون بدأوا هجومهم على محافظة مأرب بهدف السيطرة عليها، بعد أن تم رفعهم من على قائمة الإرهاب من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأكد "المخلافي" خلال حديثه لـ"نداء بوست" أن قوات الحوثي جمعت أنصارها قبل الهجوم، وجيّشت المواطنين، كما استقطبت شبان من المناطق الخاضعة لسيطرتها، ثم أرسلتهم إلى مأرب.
وذكر أن الجيش الوطني اليمني كان بدوره مستعداً لهذه الهجمات، حيث استقدم تعزيزات من الساحل الغربي، ومن بعض مناطق الجنوب، ما مكّنه من صد كافة الهجمات، وإلحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف الحوثي.
وأشار "المخلافي" إلى أن قوات الحوثي استحدثت منهجية جديدة، وهي قصف المدنيين في مأرب بالأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية.
وأضاف أن المعارك لا تزال مستمرة حتى الآن، حيث تحاول قوات الحوثي التقدم بشكل متكرر، إلا أن قوات الحكومة تصدت لكافة الهجمات، وتحولت من الدفاع إلى الهجوم نوعاً ما.
ما أهمية مأرب للطرفين؟
قال الباحث "المخلافي" إن قوات الحوثي تحاول التقدم نحو مأرب، كون المدينة غنية بالنفط والغاز، كما أن الغاز في صنعاء ومعظم المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مصدره محافظة مأرب.
وتكمن أهمية المدينة بالنسبة للجيش اليمني، كونها قلعته الوحيدة، كما أنها معقل للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وأضاف "المخلافي" بالقول: "إذا سقطت مأرب، فلن يكون هناك أرض للحكومة.. باختصار، مأرب هي الجمهورية".
وفي السياق ذاته، يقول الباحث اليمني "علي الجبلي" إن مأرب تعد أهم معاقل الحكومة الشرعية في اليمن، وفيها مئات الآلاف من نازحي الحرب.
واستطرد في حديث لـ"نداء بوست" أن مأرب تعتبر من أكبر المناطق النفطية في اليمن، ولهذا تحاول قوات الحوثي السيطرة عليها، بهدف تعزيز ميزانية حربها واستكمال سيطرتها على شرق اليمن وجنوبه، باعتبار أن مأرب تمثل حائط صد أمام الجماعة.
وحسم الحوثي لمعركة مأرب، يعني تسهيل سيطرتها على ما تبقى من محافظة الجوف شمال اليمن، وبهذا ستتمكن من السيطرة على مساحة واسعة من الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية.
ويضيف "الجبلي" أن حسم الحوثي لمعركة مأرب، يعني حسم المعركة لصالحها في شمال اليمن، الأمر الذي سيحقق لها نتائج جيدة في أي مباحثات قادمة، كون من يمتلك القوة على الأرض باستطاعته حسم المفاوضات لصالحه.
مرتزقة من إيران ولبنان يساندون الحوثي
أفاد "الجبلي" بأن قوات الحوثي تستعين بقوات مدربة بواسطة مرتزقة إيرانيين ولبنانيين، وتحشد لمعركة مأرب كافة الإمكانات، وفي المقابل تواجه مقاومة شرسة من قبل الجيش الوطني على أسوار المدينة.
وأضاف "على الرغم من محدودية الدعم وضعف الإمكانيات لدى الجيش الوطني، إلا أنه استطاع صد كل محاولات التمدد التي تشنها المليشيات بين كل فترة وأخرى، والمعركة الأخيرة أظهرت التحاماً واسعاً لليمنيين وتكاتفاً حقيقياً، وإدراكاً لخطورة سقوط اليمن بيد إيران، ولهذا لم تستطع هذه المليشيات تحقيق أي تقدم جديد".
هجمات حوثية ضد السعودية
كثفت قوات الحوثي من هجماتها بواسطة الصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية، بما فيها العاصمة الرياض.
وأثارت الهجمات الحوثية استهجان العديد من الأطراف الدولية، الغربية والعربية، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعلن الحوثيون اليوم عن استهداف مرابض الطائرات الحربية في مطار "أبها" الدولي في السعودية، عبر طائرة بدون طيار.
وبهذا الخصوص، يقول "المخلافي" إن قوات الحوثي تقوم بين الحين والآخر، باستهداف الأراضي السعودية، عبر الصواريخ الباليستية، مضيفاً أو صاروخ أو اثنان يسقط في الأرض، في حين تفشل بقية الصواريخ في تحقيق أهدافها، بفعل تصدي الدفاعات الجوية لها.
وتابع "في الآونة الأخيرة بات القصف أشبه بورقة ضغط على السعودية، أو تهديد أمنها، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن، برفع الدعم اللوجستي والعسكري والاستخباراتي عنها، وهو ما قلل من تفاعل المملكة في الوضع اليمني".
ولفت إلى أن ذلك انعكس إيجاباً على فاعلية الجيش اليمني، حيث بات القرار في المعارك الحالية، قراراً يمنياً، بينما كان الجيش ينتظر في المعارك السابقة أوامر التقدم من التحالف العربي".
الحوثيون يفشلون بسحب جثث القتلى
فشلت قوات الحوثي في انتشال الجثث قتلاها، الذين لقوا مصرعهم خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين، على يد القوات الحكومية، أثناء محاولتهم التقدم نحو مأرب.
وأفادت مصادر مطلعة لـ "نداء بوست" بأن قوات الحوثي طلبت عبر وسطاء السماح لها بسحب الجثث من جبال "البلق"، إلا أن الحكومة رفضت، واشترطت للقبول، أن يتم سحب كافة الجثث، وليس جثث محددة كما جاء في طلب الوسطاء.
وأردفت أن عدد قتلى الحوثي فاق الـ 200، مضيفة أن القوات تحاول سحب جثث قادة ميدانيين في صفوفها، قتلوا خلال الاشتباكات الأخيرة، والإبقاء على جثث العناصر "المغرر بهم".
ومؤخرا تزايدت الضغوط الغربية على المملكة العربية السعودية والإمارات، لإنهاء الحرب في اليمن، حيث دعا البرلمان الأوروبي إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة لكل من الرياض وأبو ظبي، وإحالة ملف اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وصادق البرلمان على مشروع قرار، طالب بتقديم "مرتكبي جرائم الحرب" في اليمن للمساءلة، ورحب بقرار الولايات المتحدة القاضي بوقف بيع السلاح إلى السعودية، ووقف صفقة مقاتلات "F-35" مع الإمارات.
وفي الرابع من شهر شباط/ فبراير الماضي قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إن الحرب في اليمن "يجب أن تتوقف"، مضيفاً أنه وجه بفرض هدنة هناك، وإنهاء دور الولايات المتحدة في العمليات الهجومية في اليمن، وإيقاف صفقات السلاح المتعلقة بذلك.
وبدأت حرب اليمن عام 2015، حيث أطلقت السعودية والإمارات وعدة دول حليفة لهما حملة عسكرية، بهدف إخراج جماعة "الحوثي" المرتبطة بإيران من العاصمة صنعاء.
وحظيت الحملة العسكرية المذكورة بدعم من الإدارتين الأمريكيتين السابقتين، برئاسة كل من "باراك أوباما" و "دونالد ترامب"، كما أن الأولى عملت على تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لقوات التحالف الدولي.