المصدر: جيروزاليم بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: سيث فرانتزمان
تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بتطبيق مبدأ “الأخطبوط” في مواجهة إسرائيل لإيران حيث قال: إننا “لم نَعُدْ نُركّز على استهداف الأذرع مع وكلاء إيران بل أنشأنا معادلة جديدة قائمة على التوجُّه لرأس الأخطبوط مُباشَرةً”.
وقد أثار هذا المبدأ دهشة المنطقة وحَظِيَ بتغطية واسعة. ويأتي ذلك وسط توترات مع إيران، وكذلك الانتقاد الأخير لإيران من قِبل مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما يأتي ذلك بعد أن قالت إيران: إن مسؤولاً بارزاً في الحرس الثوري الإيراني تمّ اغتياله، وبينما تقوم إيران بتهديد الإسرائيليين في تركيا. وقد تمّ الإعلان عن تبنّي هذه العقيدة في الوقت الذي تُلقي فيه سورية باللائمة على إسرائيل في شنّ غارات جوّية.
من الواضح أن سورية ستكون المكان الذي سيتمّ فيه تطبيق جزء من هذا المبدأ الجديد. هذا ليس لأن سورية لم تكن مسبقاً في مرمى النيران الإسرائيلية وإنما لأن سورية هي الدولة الواقعة بين لبنان والعراق، وتستخدمها إيران كجزء من الطريق الذي يوصلها إلى البحر المتوسط. وهذا يعني أن إيران تقوم بتهريب الأسلحة عَبْر سورية وتوجّه حزب الله ووكلاء آخرين هناك لتهديد إسرائيل. وتنقل إيران أيضاً طائرات بدون طيّار إلى سورية لتهديد إسرائيل، ومنذ عام 2018 حاولت إيران نقل دفاعاتها الجوية، مثل نظام خرداد الثالث، إلى سورية.
وسط التهديد الإيراني في سورية، كانت هناك زيادة في العمليات الإسرائيلية ضد ترسيخ وجود إيران هناك على مدى العَقْد الماضي. وابتداءً من عام 2017 بدأ المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون بصراحة أكبر عن مواجهة إيران في سورية. وتعهّد المسؤولون الإسرائيليون على مرّ السنين بوقف الترسّخ الإيراني، كما ألمح بينيت عندما كان وزيراً للدفاع إلى أن إيران كانت تنسحب من سورية. وقد تعرّضت إيران منذ ذلك الحين لضربات في سورية حيث قامت إسرائيل بشنّ آلاف الغارات الجوّيّة. كما وسّعت إيران نطاق تهديداتها لإسرائيل من خلال إطلاق طائرة بدون طيّار واحدة على الأقل من العراق في عام 2021. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم إيران بإطلاق طائرات بدون طيار من إيران لتهديد إسرائيل.
ظاهرياً، يقوم مبدأ “الأخطبوط” على فكرة “شنّ حرب وسط الحروب”. حيث يبدو أن هذا الصراع اللانهائي هو نوع من “ضرب العميل” حيث تهاجم إسرائيل إيران في سورية. كما أنها تعمل على “جز العشب” وتشذيب مخالب العدو هناك من خلال الحدّ من التهديد الإيراني على ما يبدو. وقالت إسرائيل: إنها قصفت أرتالاً في سورية. بالإضافة إلى ذلك، أدانت روسيا الضربات الجوية في بعض الأحيان. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2018، ألقت روسيا باللوم على إسرائيل بعد أن أسقطت الدفاعات الجوّية السورية طائرة روسية خلال غارة جوّية. ثم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، كشفت روسيا التفاصيل العملياتية لغارات إسرائيلية مزعومة، زاعمة أن إسرائيل حلّقت فوق الأردن. والآن، انتقدت روسيا ما قالت: إنه غارة جوية إسرائيلية على مطار دمشق الدولي ليلة 9-10 من شهر حزيران/ يونيو.
السؤال الآن ليس فقط كيف يمكن أن يكون رد فعل النظام السوري على التوترات الأخيرة؟، ولكن أيضاً ما إذا كان النظام السوري يستطيع التعامل مع العقيدة الجديدة. ماذا يمكن أن يفعل؟ النظام السوري لديه أنظمة صواريخ S-200s و S-300s. وغالباً ما يطلق هذه النيران على نطاق واسع. فقد أطلق صاروخاً على الأردن في عام 2017 أدّى إلى إطلاق صاروخ “أرو” الإسرائيلي، وأطلق صاروخاً حلّق في سماء صحراء النقب بالقرب من ديمونا. كما أطلق صاروخاً أصاب قبرص. فالنظام السوري لديه سجل سيئ في هذا الشأن. حتى بعد أن قالت روسيا إنها ستزوّد النظام السوري بنظام S-300، فإن أداء النظام لم يكن أفضل بكثير. هذا يعني أن النظام لا يستطيع فعل الكثير لوقف العمليات ضد إيران في سورية. ولا يستطيع تحسين أنظمة الدفاع الجوي بانتسير أو زيادة قدرات راداراتها. فمع تقييد روسيا في أوكرانيا، ليس من الواضح حتى ما إذا كان بإمكان موسكو توفير أجزاء جديدة من دفاعها الجوي وراداراتها للنظام السوري.
من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أنه إذا انسحبت روسيا بشكل نهائي من سورية، فقد تستفيد إيران وتعيد شحن طاقتها. فيمكن لإيران أيضاً استخدام تشتُّت موسكو لزيادة دورها. ويبدو أن إيران قد أعادت العمل في قاعدة الإمام علي بالقرب من البوكمال، وليس من الواضح مدى استخدامها لقاعدة T-4 حتى الآن، لكن إيران لا تزال نشطة. كما استخدمت إيران سورية لضرب القوات الأمريكية في ثكنة التنف وشرق سورية. وشنّت إيران ووكلاؤها نحو 29 هجوماً على القوات الأمريكية في العراق وسورية منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ما يعنيه هذا هو أن إيران نشطة للغاية. ويبدو أن إيران تعمل على تفعيل الوكلاء في العراق باستمرار. إنها تقوم بتحريك أعضاء كتائب حزب الله في العراق لتهديد القوات الأمريكية.
ولقد أنشأت مجموعات جديدة في سنجار لتهديد الولايات المتحدة في أربيل، وكذلك إطلاق الصواريخ على قاعدة تركية بالقرب من بعشيقة. هذا يعني أن إيران ليست مُحاصَرة، بل هي تشعر بالقوة. ومع انتقاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُقلّص إيران تعاوُنها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي. وقد تتشجّع بسبب غزو روسيا لأوكرانيا وعلاقاتها الجديدة مع الصين. وقد قامت إيران مؤخراً باحتجاز سفينتين يونانيتين. فإيران تعتقد أن لديها حصانة، كما تقوم باستخدام العراق وسورية أيضاً من أجل الإفلات من العقاب. وهذا يعني أن سورية قد تدفع ثمناً مُستمرّاً لأفعال إيران.
ماذا عن النظام السوري. كيف سيكون رد فعله وهل يمكنه التعامل مع الإجراءات المتزايدة من قِبل إسرائيل؟ هل يمكن لخوف النظام السوري من هجمات كبيرة، أو الإضرار بالبِنْية التحتية الإستراتيجية، مثل المطار، أن يدفعه إلى الاتّكاء على إيران أكثر؟ أم سيختار محاولة إيجاد طريقة لتقليل استهداف دولته؟ إلى أي درجة يمكن للنظام أن يُخبر إيران بما يجب أن تفعله؟ وهل تستمع طهران لسورية أصلاً؟ هل يهم النظام أن تدفع سورية ثمن الوجود الإيراني؟ وهل يهتم حزب الله لذلك؟ تلك هي الأسئلة الرئيسية.
يبدو أن ادعاءات إسرائيل بأنها تريد العمل ضد “رأس” الأخطبوط تعني أيضاً أن إيران نفسها قد تدفع ثمن تهديداتها المستمرة. ومع ذلك، فإن التقارير الواردة حتى الآن من سورية، والتي تدّعي شنّ غارات جوّية كبيرة على المطار ليلة 9-10 حزيران/ يونيو، يبدو أنها تعني أن دمشق حتى الآن في مرمى النيران. وتشير إلى مقتل العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني في إيران والادعاءات في إيران بحدوث بعض الحوادث في بارشين إلى مخاوف إيرانية من أنها مستهدفة أيضاً. وقد هاجمت إيران أربيل مستخدمة الصواريخ وشجعت الوكلاء على مهاجمة إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي؛ لأن إيران تبدو قلقة أيضاً بشأن مواجهة إسرائيل مُباشَرة. فإيران تُفضّل ضرب الأهداف السهلة، مثل الناقلات التجارية قُبالة سواحل اليمن أو عمان.
على هذا النحو، قد لا يكون لدى إيران خيارات رئيسية حتى الآن لمواجهة أي نوع من العقيدة الإسرائيلية الجديدة. وأشارت طهران إلى أنها قد تزيد من حِدّة التوترات بين حزب الله ولبنان بشأن حقل كاريش للطاقة. لكن وجود إيران في سورية هو القضية الحقيقية.
إنها سورية حيث تسعى إيران إلى توفير تهديد لا يشمل فقط نقل الأسلحة إلى لبنان ولكن نقل أعضاء حزب الله بالقرب من الجولان وإيجاد طائرات بدون طيار وصواريخ في سورية وبالتالي خلق فرصة لشن حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل. تريد إيران أيضاً نقل الميليشيات العراقية إلى سورية. كما تستخدم مرتزقة آخرين للسيطرة على رقعة من سورية من البوكمال إلى دير الزور.
كل هذا يعني أن الأخطبوط يبسط كل أذرعه فوق الأراضي السورية. سيتعين على دمشق أن تُفكّر ما قد تعنيه العقيدة الإسرائيلية الجديدة. كما أنها قلقة من هجوم تركي جديد في شمال سورية، وتتساءل عمّا إذا كانت روسيا ستسحب قوات بالفعل من سورية للتعامل مع الأزمة الأوكرانية.
العديد من القضايا في حالة من التسارُع، وتحرُّك متلاطم وشِبه عشوائي في المنطقة. وقد عزّز النظام السوري قوته منذ عام 2018، وحقّق تقدُّماً دبلوماسياً من خلال التواصل مع الإمارات ومصر. وقد حصل أيضاً على بعض الفوائد من صفقة الطاقة التي تريد الولايات المتحدة المضيّ قُدُماً فيها، والتي تتضمن دعماً ينتقل من مصر عَبْر الأردن وسورية إلى لبنان، لذا فالنظام يريد تخفيف العقوبات. لكنه في الوقت نفسه يسمح لإيران وحزب الله وآخرين باستخدام عصابات المخدرات لنقل المنتجات إلى الأردن والخليج، مما يُزعزع استقرار جنوب سورية.
وقد واصل جنوب سورية أيضاً مشاكله مع الفصائل السورية السابقة ومجموعة من الجماعات المتنافسة. هذا يعني أن إيران يُمكنها العمل هناك بسهولة. فالنظام ببساطة لا يستطيع السيطرة على كل هذه المشاكل دفعة واحدة. إن جولة جديدة من الضغط على إيران في سورية ستؤثّر بالتأكيد على النظام وستُجبره أيضاً على اتخاذ خيارات صعبة.