بقلم: مارك كاتز & جيمس جيفري
المصدر: أتلانتك كانسل..ترجمة: عبدالحميد فحام
سافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة "سوتشي" الروسية الواقعة على البحر الأسود هذا الأسبوع لحضور أول لقاء شخصي له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الوباء.
وخلال المحادثات المُغلقة التي استمرّت قُرابة ثلاث ساعات، ناقش الزعيمان التعاون الثنائي، بما في ذلك التجارة والدفاع، وكذلك القضايا الإقليمية مثل سورية، حيث أظهر وَقْف إطلاق النار الهشّ الذي توسّطت فيه الدولتان في آذار/ مارس عام 2020 بوادرَ تفكُّك خلال الأشهر الأخيرة. مارك كاتز: استمرار عمل بوتين المُتوازِن
لم يَحُلّ اجتماع بوتين وأردوغان في "سوتشي" الخلافاتِ الروسيةَ التركيةَ بشأن سورية، لكن يبدو أنه منعها من التفاقُم. فبالنسبة لبوتين، لطالما كانت العلاقات مع أردوغان بمثابة توازُن بين التحركات التركية المُعارِضة التي تهدِّد المصالح الروسية في سورية وليبيا وناغورنو كاراباخ وأوكرانيا من ناحية وتجنّب تحفيز أردوغان على التراجع عن عدائه لأمريكا وأوروبا (وهو ما يريد بوتين أن يشجعه) من ناحية أخرى.
وبدلاً من ذلك، بدَا أن هذا الاجتماع يشير إلى أن بوتين يرى الآن أن عملية تدهور العلاقات بين أنقرة والغرب قد تقدَّمت لدرجة أن موسكو لم تَعُدْ بحاجة إلى تقديم أيّ تنازُلات كبيرة لتركيا في سورية أو في أي مكان آخر. في الواقع، إن تصميم أردوغان على شراء المزيد من صواريخ "إس – 400" الروسية -وربما أنظمة أسلحة روسية أخرى، على الرغم من التطبيق المحتمَل للعقوبات الأمريكية نتيجة لذلك- قلّل من حاجة بوتين لاستيعاب المصالح التركية في سورية.
الآن، يكمن الخطر بالنسبة لبوتين في أنه قد يصبح شديدَ الثقة في اعتقاده أن أردوغان يحتاج إليه أكثرَ مما يحتاج هو إلى أردوغان. ولكن برغم كل شيء فإن أردوغان قادر على الإضرار بالمصالح الروسية على الرغم من انفصاله عن الغرب. وخاصةً ما ظهر مؤخراً عند دعم أنقرة للحكومة الرسمية في ليبيا ضدَّ القوات المدعومة من روسيا للجنرال خليفة حفتر، ودعمها لأذربيجان في حرب ذلك البلد ضد أرمينيا. إن تأجيج العلاقة مع أردوغان من قِبَل بايدن من خلال عدم حضوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر أمر مُهِمّ بالتأكيد بالنسبة لبوتين.
جيفري: في غياب الدعم الأمريكي، فإن موقف تركيا في سورية تحت التهديد
يُعَدّ اجتماع "سوتشي" في 29 أيلول/ سبتمبر بين الرئيسين أردوغان وبوتين هو الأحدث في سلسلة من الاجتماعات الثنائية التي تركز بشكل خاص على سورية.
كانت القضية الأساسية هي منطقة إدلب شمال غرب سورية، التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين سوري فرّوا من بشار الأسد. وباستثناء انهيار عام 2020، كان هناك وَقْف لإطلاق النار في إدلب منذ منتصف عام 2018، وهو حَجَر الزاوية في تجميد الصراع السوري منذ ذلك الحين. لكن القادة الأتراك أوضحوا أنهم يخشون أن يكون اجتماع "سوتشي" مختلفاً، حيث تضغط روسيا إما من أجل انسحاب تركيا والمعارضة من جنوب إدلب، أو هجوم الأسد الجديد المدعوم من روسيا.
لا توثّق التعليقات اللطيفة التي أدلى بها الجانبان بعد الاجتماع أيّ شيء مثير للغاية، ولكن الجديد في هذا الاجتماع هو دور الولايات المتحدة. فقد نتج وقف إطلاق النار في إدلب عن الدبلوماسية الأمريكية الداعمة للأعمال العسكرية التركية والإسرائيلية في سورية، وإبقاء القوات الأمريكية هناك، للضغط على روسيا والأسد من أجل تسوية شاملة للصراع.
لكن إدارة بايدن، بينما يُفترض أنها لا تزال "تُراجِع" سياسة سورية، تعطي الأولوية لنهج الحدّ الأدنى الذي يركّز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والمساعدات الإنسانية.
ويبدو أن روسيا لديها ضوء أخضر، كما رأينا مع انهيار وَقْف إطلاق نارٍ آخرَ في درعا في الجنوب الغربي، لمتابعة أهدافها التي لم تَعُدْ واشنطن تُقيِّدها. وقد تشهد الأسابيع المقبلة تغيُّراً جذريّاً في سورية، ولكن ليس للأفضل.