نداء بوست- أخبار سورية- إسطنبول
نشر مركز جسور للدراسات، تقريراً تحليلياً، يوم أمس السبت، ناقش فيه مستقبل المقاتلين الأجانب المتواجدين على الأراضي السورية عموماً، ومحافظة إدلب على وجه الخصوص.
وأشار المركز إلى أن إغلاق ملف المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات الجهادية شمال غربي سورية، يُعتبر من ضِمن الملفات العديدة المرتبطة بإنجاز الحل السياسي النهائي، خاصة أنّ قضية مكافحة الإرهاب ما تزال ذات أهمية لدى القُوَى الدولية والمحلية.
4 شرائح للمقاتلين الأجانب
قسم المركز في تقريره المقاتلين الأجانب في إدلب إلى 4 شرائح، ورصد سياسات الفاعلين الدوليين تجاه هذا الملف، وخلص إلى وجود 6 سيناريوهات لمستقبلهم.
وتُعتبر هيئة تحرير الشام الشريحة الأكبر التي تضم مقاتلين أجانب في إدلب، حيث يقدر عددهم بـ2500 مقاتل، انضموا إليها عندما كانت فرعاً لتنظيم القاعدة، وفضلوا البقاء في صفوفها على الالتحاق بتنظيم “داعش” أو حُرّاس الدين.
وصاحب قرار البقاء ضِمن صفوف الهيئة -بحسب المركز- تحوُّلات أيديولوجية من قَبيل تبني الجهاد المحلي وتقديمه على الجهاد الدولي، إلا أنه ورغم ذلك لا يوجد دليل على تخليهم عن نهج القتال خارج الحدود.
ولفت المركز إلى أن هؤلاء المقاتلين ملتزمون بشكل كامل بسياسات الهيئة التي تعتبر نفسها مسؤولة عن تقديم الحماية لهم، وتمنع أي تنسيق بينهم وبين الفصائل المعارضة أو التنظيمات الجهادية الأخرى ما لم يكن هناك علم مسبق لها.
أما الشريحة الثانية، فهم مقاتلو تنظيم حراس الدين، الذي تأسس بعد فكّ هيئة تحرير الشام ارتباطها بتنظيم القاعدة، ويشكل المقاتلون الأجانب تقريباً نصف قوامه بنحو 400 عنصر، مقابل مثلهم من العناصر المحليين.
وتقوم العلاقة بين مقاتلي التنظيم الأجانب والمقاتلين الأجانب في باقي التنظيمات على مبدأ عدم الصدام، وبحسب المركز، فإن العنصر الأجنبي في قيادة حُرّاس الدين تعرض لاستنزاف كبير بسبب الحملات الأمنية التي شنتها الهيئة ضده وغارات التحالف الدولي.
والشريحة الثالثة بحسب تصنيف المركز هم مقاتلو تنظيم “داعش”، والذين يعتبرون الأقل عدداً مقارنة مع باقي التنظيمات الجهادية، وذلك بسبب ضعف نشاطه في المنطقة واعتماده على العنصر المحلي.
وتشمل الشريحة الرابعة، مقاتلي المجموعات القومية، التي تضم العدد الأكبر من الأجانب في شمال غربي سورية، وبالرغم من أنهم يعملون بشكل مستقل عن باقي التنظيمات إلا أنهم موزعون على مجموعات تعمل مع الهيئة وتنسق معها كالتركستان، ومجموعات غير مرتبطة نسبياً بأي تنظيم كالطاجيك والأوزبك والشيشان والكزخ، الذين لم يشاركوا بأي قتال ضد الفصائل بعكس التركستان.
سياسات الفاعلين
يشير المركز إلى أن قضية المقاتلين الأجانب شمال غربي سورية تختلف باختلاف تأثيرهم، ولا يوجد قرار أو إستراتيجية واحدة متفَق عليها للتعامل معها.
حيث لا يمتلك التحالف الدولي أي خطة لمعالجة هذه القضية بشكل مستدام ويتعامل معها كجزء من إستراتيجية مكافحة الإرهاب، من خلال استهداف المقاتلين الذين يشكلون مصدر تهديد للسلم والأمن الدوليين.
ولم يستبعد المركز أن تكون قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تُبدي تقبلاً نسبياً لسياسات هيئة تحرير الشام في التعامل مع المقاتلين الأجانب، من خلال تقويض تهديدهم ونشاطهم خارج الحدود عَبْر الملاحقة الأمنية والمواجهات العسكرية.
وتتعامل تركيا مع أولئك المقاتلين كجزء من إستراتيجية مكافحة الإرهاب، مستخدمة السبل العسكرية والأمنية ضد العناصر المنتمين لداعش، والسبل السياسية والأمنية مع المنتسبين للهيئة وباقي التنظيمات.
ويشير المركز إلى أن تركيا تقوم بشكل مستمر بالحملات الأمنية ضد عناصر داعش بريف حلب، فيما تتعامل مع المقاتلين الأجانب في صفوف الهيئة وبقية التنظيمات بموجب سياسة الاحتواء، المتمثلة بعزلهم عن الفصائل المعارضة، وإجراء محادثات أمنية مع بعض المجموعات والاستعداد للتدخل في حال وجود خطر.
من جانبها، تعمل روسيا على إنهاء هذا الملف بشكل كامل في إطار مكافحة الإرهاب، وسعت في وقت سابق لتنفيذ عمليات مشتركة مع تركيا ضد المقاتلين الأجانب في إدلب، خشية وصول هؤلاء المقاتلين إلى الأراضي أو الحدود الروسية وبشكل خاص المنحدرون من دول الاتحاد السوفياتي.
أما إيران فتتعامل مع المقاتلين الأجانب كجزء من إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تقوم على المواجهة والتحييد وحتى التوظيف، وساهمت عام 2015 في وصول كبار تنظيم القاعدة من جنوب دمشق ودرعا إلى إدلب، وهم “سامي العريدي”، و”سامي الطوباسي أبو جليبيب”، و”أبو ماريا القحطاني” و”خالد العاروري”.
مستقبل المقاتلين الأجانب
يعتقد المركز أن مستقبل المقاتلين الأجانب في شمال غربي سورية مرتبط بستة سيناريوهات، ويؤكد أن ذلك لا يعني أن واحداً منها فقط هو الذي سيتحقق بل ربما تتحقق جميعها تبعاً للظروف القادمة وشرائح المقاتلين واختلاف الأيديولوجية والجنسية.
والسيناريو الأول هو الدمج والتوطين كما حدث في البوسنة والهرسك، حيث حاولت القيادة البوسنية تجنيس وتوطين المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الحرب إلى جانبها، إلا أن هذا مستبعد في الحالة السورية بسبب صعوبة اندماج المقاتلين من القوميات غير العربية بسبب اللغة والثقافة، كما أنه في حال مناقشة هذه القضية في التسوية السياسية سيكون هناك ضرورة لمناقشة مصير المقاتلين الأجانب في صفوف الميليشيات الإيرانية.
والسيناريو الثاني هو العودة إلى الأوطان بشكل مشابه لما حدث في أفغانستان، ويقوم على قبول الدول التي ينحدر منها المقاتلون باستعادتهم واستيعابهم ودمجهم في المجتمعات دون إجراء محاكمة لهم، ويرى المركز أن هذا النموذج قابل للتطبيق في بعض الدول الديمقراطية التي تمتلك برامج تأهيل ولا يصلح في الدول التي تسارع لملاحقة واعتقال العائدين.
والسيناريو الثالث هو النشاط خارج الحدود كما حدث في العراق بعد عام 2012، حيث يتم نقل هؤلاء المقاتلين إلى مناطق نزاع جديدة أو مجمَّدة خارج الحدود، وهذا النموذج يكون لغياب القدرة والموارد الكافية لمراقبة أنشطة المقاتلين الأجانب وعدم الرغبة بتحمُّل التَّبِعَات الأمنية وتفضيل خيار استنزافهم خارج الحدود.
والسيناريو الرابع، هو الإبادة الجماعية على غرار ما فعلت روسيا في الشيشان بين عامَيْ 1999 و 2009، حيث يرى المركز أن موسكو قد تدفع باتجاه تصفية المتقاتلين الأجانب والمحليين ممن يرفض شكل الحل النهائي الذي تعمل على صياغته وتحاول إقناع تركيا به، مشيراً إلى أنه تم تطبيق هذا السيناريو على نحو جزئي ضد عناصر تنظيم “داعش” في بلدة الباغوز شرق دير الزور.
والسيناريو الخامس، هو الاعتقال والأسر كسيناريو غوانتانامو، ويقوم هذا على إحداث منشأة احتجاز للمقاتلين الأجانب برعاية أو إشراف من القوى الدولية، ومحاكمتهم محلياً أو دولياً، ويعتقد المركز أن ذلك ليس مستحيلاً خاصة وأن “قسد” أنشأت مراكز مشابهة إلا أنها أخفقت في إقامة محاكم لعناصر داعش الذين احتجزتهم فيها.
والسيناريو السادس، وهو اعتماد تجربة بريطانيا وإيران، ويقوم على فرضية منح إحدى الدول حق اللجوء السياسي لعدد من المقاتلين الأجانب كما فعلت بريطانيا مع هاني السباعي وأبي قتادة الفلسطيني، إلا أن المركز يستبعد إمكانية تطبيق هذا في الحالة السورية، لأنه يتطلب خروج المقاتلين إلى دولة أخرى وعدم تعرضهم للمحاكمة، كما أن الحصول على اللجوء السياسي أو الإنساني لا يعفيهم من الملاحقة، وضمان عدم الملاحقة يحتاج اتفاقاً مسبقاً كما فعلت إيران مع قادة تنظيم القاعدة عندما منحتهم حق اللجوء بعد عام 2001 شرط أن لا تكون منطلقاً لأي عمل ضد أي طرف آخر.
وخلص المركز إلى أن مستقبل المقاتلين الأجانب في شمال غربي سورية يرتبط بعدة عوامل أهمها الحل السياسي، والشرائح التي ينتمي لها العناصر الجهادية، ونوع الأيديولوجية التي يحملونها.
كما أنه في حال تجميد النزاع في شمال غربي سورية دون أي تسوية سياسية، فإن ذلك يعني الاحتفاظ بالمقاتلين الأجانب باعتبارهم قوة مؤثرة لا بُدَّ من الاعتماد عليها عند عودة العمليات القتالية أو تنفيذ عمليات خلف الخطوط.
وفي حال التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة فإن مصير المقاتلين الأجانب قد يكون من أبرز قضايا التفاوض والتي قد تخلص إلى واحد أو أكثر من تلك السيناريوهات.