المصدر: إسرائيل هيوم
بقلم: البروفيسور أيال زيسر متخصص تاريخ الشرق الأوسط
ترجمة: عبد الحميد فحام
يوم الأربعاء الماضي، هاجم الحرس الثوري الإسلامي الإيراني القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف -على الحدود السورية العراقية الأردنية – عبر ميليشياته الشيعية داخل العراق. إن هذه القاعدة أنشأت لتضم مئات الجنود الأمريكيين إلى جانب المخابرات البريطانية والفرنسية، لغرض محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها الآن تتعقب الجهود الإيرانية الرامية لإقامة موطئ قدم في المنطقة. لقد تم إصابة القاعدة بأضرار جسيمة لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات بشرية. ومن المحتمل أن يكون هذا هو هدف إيران المقصود منذ البداية توجيه ضربة "ناعمة" وإرسال رسالة تحذير، أنها تذكرنا بـ نهج إسرائيل في سورية، عندما تستهدف آليات ومعدات تابعة لإيران ووكلائها، لكنها تحرص على عدم قتل الإيرانيين.
وعلى الرغم من أن التنف قاعدة صغيرة، إلا أنها شوكة في حلق طهران، وهي تقع على نقطة الربط بين طهران وبيروت ودمشق وبغداد، وهو جزء من الطريق البري الذي خصصته إيران لنقل الأسلحة والصواريخ والمقاتلين إلى حزب الله والقوات الموالية الأخرى في الساحة السورية. ويحاول الأمريكيون منع حدوث نقل تلك الأسلحة، وإن كان ذلك بدون تصميم كبير أو نجاح ملحوظ. وقد قامت إسرائيل أيضاً، في إطار مساعيها لنسف مكائد إيران، بمهاجمة مستودعات الأسلحة وقواعد الميليشيات الشيعية في المنطقة بشكل متكرر.
وفي ظل الظروف العادية، قد يؤدي هجوم من قبل إيران أو وكلائها على قاعدة أمريكية إلى إثارة ضجة كبيرة، فلقد دفعت أعمال عدوانية مماثلة، بما في ذلك محاولة الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد، الولايات المتحدة لقطع رأس الأفعى الإيرانية، قاسم سليماني، في كانون الثاني (يناير) 2020. لكن في ذلك الوقت، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سدة الحكم، وسعى إلى كبح جماح إيران وليس استرضائها. وكان يعتقد أيضاً أنّ التسامح أو التغاضي عن مساعي الإيرانيين لن يؤدي إلى الهدوء، بل العكس تماماً سيشجعهم على فعل المزيد.
أما بالنسبة لمن يشغل البيت الأبيض حالياً، فإن الشرق الأوسط ليس على رأس قائمة أولوياته، على أقل تقدير. فعلى الرغم من أن إدارة بايدن لديها الكثير من وقت الفراغ للتشاجر مع إسرائيل حول افتتاح قنصلية فلسطينية في القدس، إلا أنها لا تملك الطاقة ولا الإرادة لمواجهة إيران.
هذه الرسالة فهمتها طهران جيداً، ومن هنا جاءت المبادرة والوقاحة في مهاجمة الأمريكيين في سورية والعراق. ويشير استخدام الطائرات بدون طيار لمهاجمة القاعدة في التنف إلى قدرات تمتلكها إيران ووكلائها الشيعة في العراق وسورية. لقد كان هذا الهجوم اختباراً، ومن الواضح أن الغياب التام للرد من واشنطن لن يؤدي إلا إلى تشجيع الإيرانيين على تصعيد الأمور وتصعيد هجماتهم في النهاية، عندما يكون لدى الأمريكيين سبب كافي، على غرار أفغانستان، فإنهم سيخلون التنف، ثم قواعدهم المتبقية في سورية، تليها قواعدهم في العراق أيضاً.
كان الهدف من الهجوم أيضاً إرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل. فبسبب عدم القدرة على الوصول إلى إسرائيل نفسها، اختار الإيرانيون ضرب الولايات المتحدة، التي ربما ينظرون إليها على أنها أضعف وأكثر عرضة للخطر وأقل قدرة على الانتقام. ويأملون أن تضغط واشنطن على إسرائيل لكبح أنشطتها في سورية، مثلما تهاجم إسرائيل الأسد للضغط عليه لكبح جماح الإيرانيين. لذلك كان حادث الأسبوع الماضي تصعيداً مُقلقاً وخطيراً يُنذر بخريف مُتوتّر, لا بل حار في منطقتنا. ولا يزال الإيرانيون هنا، مصمّمون على اكمال طريقهم، ولا يسعنا إلا أن نفترض أن دور إسرائيل سيأتي بعد دور واشنطن.