"نداء بوست"-تحليل-أحمد عكلة
تدقّ الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون طبول الحرب قبل أن تقرعها روسيا باتجاه أوكرانيا وعاصمتها "كييف" مع حشدها أكثر من 100 ألف جندي على حدود أوكرانيا وكذلك في بيلاروسيا الموالية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
"البروباغندا" الغربية التي وصفتها روسيا بالهستيرية حول الهجوم الروسي على أوكرانيا مستمرة حيث بدأت بسحب السفارات والطلب من الرعايا الخروج من أوكرانيا على وجه السرعة ولم يكتفِ الغرب بذلك بل قامت الولايات المتحدة بسحب بعثة المراقبين من "دونتسيتك" شرقي أوكرانيا.
غزو محتمل خلال أيام
الخطوات الأمريكية ذهبت أبعد من ذلك حيث نقلت وكالة "بلومبيرغ" أن خُطوة روسيا بغزو أوكرانيا قد تبدأ يوم الثلاثاء المقبل وقد تكون من "دونباس" أو باستهداف "كييف".
وقال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إن خطر الغزو الروسي لأوكرانيا وشيك بما يكفي لإخلاء السفارة الأمريكية في "كييف".
كما أوضح الوزير الأمريكي أوستن لنظرائه ببولندا وألمانيا وكندا وفرنسا ورومانيا وإيطاليا أن الغزو الروسي قد يبدأ في أي وقت.
ولتعزيز قدرات دول أوروبا الشرقية المنضمَّة لحلف الناتو قررت الولايات المتحدة إرسال 3000 جندي إضافي إلى بولندا خلال الأيام القادمة.
تهديد أمريكي أوروبي مزدوج
كذلك أكدت الولايات المتحدة أن الحرب على أوكرانيا تستهدف بالدرجة الأولى أمريكا حيث أكد مسؤول أمريكي أن روسيا والصين تعملان على تقويض الولايات المتحدة.
من جهتها أوقفت شركة طيران "KLM" الهولندية تسيير الرحلات إلى أوكرانيا وسط نفي الحكومة الأوكرانية لإغلاق مجالها.
من جانبها اتخذت بريطانيا موقفاً أكثر حزماً حيث واصلت إرسال شحن الأسلحة الدفاعية للجيش الأوكراني طِيلة الأيام الماضية وسط تهديدات لروسيا بفرض عقوبات قاسية عليها.
كما نقلت صحيفة "التايمز" عن وزير الدفاع البريطاني أن الغزو الروسي لأوكرانيا مرجَّح للغاية، مُعرِباً في ذات الوقت عن خشيته أن تتجاوز نوايا بوتين أوكرانيا.
الرئيس الأمريكي جو بايدن كان أكثر حزماً حيث أكد لنظيره الروسي بوتين أن واشنطن وحلفاءها سيُكبِّدون روسيا بشكل فوري كلفةً باهظةً إذا غزت أوكرانيا.
كما أشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أن الرئيس ماكرون أبلغ بوتين رسالة مفادها العزم على الرد بعقوبات شديدة إذا قرر اتخاذ عمل عسكري.
وفي سبيل تحقيق سياسة الردع تجاه روسيا اتخذت واشنطن والناتو قراراً بتعزيز وجودهما عسكرياً شرقي أوروبا.
تركيا تمسك العصا من المنتصف
بذات الوقت تتبع تركيا سياسة "الإمساك بالعصا من المنتصف" من خلال رفض التدخل الروسي في أوكرانيا ودعم "كييف" بالطائرات المسيرة ونفي أن تكون هذه الطائرات مُوجَّهة ضدّ روسيا.
ومع هذا يواصل الرئيس أردوغان عرض وساطته بين الطرفين روسيا وأوكرانيا وسط عدم وجود رغبةٍ روسيّةٍ بدخول تركيا في دور الوساطة بسبب الخلافات بين البلدين في جُلّ الملفات بما وصل في بعض الأماكن إلى التصادم العسكري كما حصل في سورية.
من جهته خاطب رئيس الأركان الأوكراني القوات الروسية بتغريدة: أهلاً بكم إلى الجحيم! مؤكداً أن جيش بلاده مستعدّ لصدّ العدو في أي لحظة على عكس ما حدث في 2014.
مُعتبِراً أنه لا يمكنه تأكيد أو تكذيب المعلومات بشأن غزو روسي محتمل مُستدِركاً: "ولكننا نعمل على تقدير ذلك".
الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا بات يهدد دول أوروبا الشرقية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي وانضمت لدول الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو"، حيث سارعت بشراء الأسلحة والطلب من الحلف إرسال قوات إلى بلادها كما جرى مع مقدونيا.
مع كل تدفُّق الأخبار حول اقتراب المعركة ما زال الدبّ الروسي ينفي تارةً ويهاجم تارةً أخرى هذه الأنباء التي وصفها بالاستفزاز الغربي لفرض عقوبات على روسيا وإقصائها من المشهد.
الخشية من مواجهة مستنقع أفغاني جديد
يدرك بوتين أن هذه الحرب بمثابة لاعب سيرك يُقلّب القنابل بيديه وهو مُعرَّض لأن تنفجر في وجهه وتُرديه قتيلاً، فما حصل للجيش الأحمر في مستنقع أفغانستان ليس ببعيدٍ عندما خرج يجرّ أذيال الهزيمة.
وعلى الرغم من أن الجيش الأحمر كان يضمّ عشرات الدول التي تفوق روسيا قوةً وتنوُّعاً في الأسلحة لكنه مع ذلك خرج مهزوماً وأُعدِمَ الرئيس الأفغاني السابق نجيب الله الموالي له وسُحل في شوارع كابول على يد المقاتلين الأفغان بعد أن أسقطوا عشرات الطائرات الروسية بصواريخ "ستينغر" الأمريكية.
حلم في استعادة أمجاد السوفيات
ولكن في ذات الوقت يدرك بوتين أن استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية حتى تصعد لتكون قطباً ثانياً في العالم لا يتحقق سوى في الحرب وقَضْم المناطق، ومِمَّا شجَّعه على ذلك قُدْرته على التدخل عسكرياً في سورية واستعادة المناطق لصالح بشار الأسد دون إلحاق خسائر بالجيش الروسي.
في الوقت ذاته إذا كان الدور الروسي مَرْضِيًّا عنه في سورية بدعم إسرائيلي ولذبح الشعب السوري الثائر وتثبيت بشار الأسد الذي يُعَدّ حامياً لحدود إسرائيل.. فهل سيكون كذلك على حدود أوكرانيا بوابة أوروبا الشرقية وحامي حدود الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" من الوحش الروسي الذي لا حدود لأطماعه.
مما لا شك فيه أن بوتين سيتأرجح كثيراً قبل اتخاذ قرار المعركة؛ لأنه ربما لن يتحمل الخسائر التي تلحق اقتصادَه ومنها وقف استيراد الغاز الروسي ولن يَعمَى العالَمُ عن السكوت عن مجازره كما حصل في سورية؛ لأن هذه المرة لن يكون الضحايا سوريين وكذلك غالباً سيكونون من ديانة مختلفة.